في 19 مارس 2013، وفي مشهد من سينما المغامرات، ذهبت الشرطة للقبض على السياسي الليبي أحمد قذاف الدم في شقته بالقاهرة، ففوجئت بمقاومة من المتهم وحرسه، يومها صحا الجيران على صوت الرصاص يخترق هدوء الزمالك في الفجر. القبض على قذاف الدم كان بناء على النشرة الحمراء الصادرة من الإنتربول، وبطلب من السلطات الليبية، التي تتهمه بارتكاب جرائم فساد مالي في ليبيا. وبحصوله اليوم على البراءة من تهم الشروع في قتل ضابط شرطة، ومقاومة السلطات، وحيازة أسلحة وذخائر بدون ترخيص، يبقى الاتهام الليبي بالفساد مشهرا في وجهه، حتى تتخذ السلطات المصرية قرارا نهائيا بتسليمه لسلطات بني غازي، أو بحمايته. دائرة الأصدقاء والمصالح الشقة التي شهدت القبض على قذاف الدم بعد معركة بالرصاص مع الشرطة، واحدة من قائمة غير محددة لأملاك الرجل في مصر، تتنوع بين القصور، وأحدها في مدينة 6 أكتوبر، والشقق والفيللات بالقاهرةوالإسكندرية والمحافظات، وتضاف إلى قائمة ممتلكاته في لندن وباريس وإسبانيا وتركيا وغيرها. يفضل قذاف الدم القاهرة محلا مختارا له، وكان يحمل لقبا رسميا غريبا وغير مسبوق، هو «منسق العلاقات المصرية الليبية». كما أنه «قاهري» الدراسة، فقد درس في الكلية الحربية في مصر، وصل إلى رتبة عقيد قبل أن يتقاعد. قذاف الدم، المولود عام 1952 في مرسى مطروح لأم مصرية وأب ليبي من قبيلة القذاذفة، اقترب المسئولين في مصر على كل المستويات، من الرئيس مبارك وعائلته، إلى رجل الأعمال طارق نجل المشير الراحل أبو غزالة. وربطته علاقة إعجاب بالمطرب محمد منير، وعلاقات مصالح وصداقة مع رجال أعمال أبرزهم علاء الخواجة، وسياسيين وإعلاميين منهم حمدين صباحى ووائل الإبراشى وعمرو موسى. كل هذه المليارات الليبية حصل قذاف الدم على الجنسية المصرية قبل سنوات، وجادل محاميه بطلب التنازل عن جنسيته الليبية، ليتم التعامل معه على أنه مواطن مصري. رغم ذلك أعلنت السلطات المصرية أن القبض عليه كان بتهمة الاستيلاء على 3 مليارات دولار من المال العام، بصفته المشرف على الاستثمارات الليبية في مصر، وبناء على أمر اعتقال دولي استصدرته السلطات الليبية بحق مسؤولين في نظام القذافي. وقال فريق الدفاع عنه إن التهمة تدور حول مبلغ 150 مليون دولار فقط. وقالت الدكتورة عصمت الميرغني، محامية قذاف الدم، بأنه انتهى من تسليم كل الاستثمارات الليبية التي كان يديرها في مصر إلى السلطات الانتقالية في ليبيا بأوراق رسمية، وتحت سمع وبصر السلطات المصرية. وتقدر الاستثمارات الليبية في مصر، طبقا لشبكة سكاي نيوز، بأكثر من 15 مليار جنيه مصري، لأكثر من 500 شركة أكثر من نصفها ليبية تماما. وتذهب بعض التحليلات إلى أن خلافا «تنافسيا» بينه وبين رجال الأعمال في نظام الإخوان، انتهى به إلى السجن، كما ربطت تقارير غير مؤكدة بين اسمه وبين تجارة السلاح. نظام مبارك لا يثق به تعاملت الأسواق المصرية مع أحمد قذاف الدم على أنه الذراع اليمنى لعائلة القذافى فى البيزنس بمصر، بتعبير آخر «الستارة التى تختفي وراءها العائلة الرئاسية». وتتداول المواقع الخبرية قصة وقعت قبل سنوات، عندما حاول حسين سالم بيع فندقه الشهير بشرم الشيخ، واتفق مدبئيا مع رجل أعمال غير معروف. لكن مبارك استدعاه ليبلغه رفض بيع الفندق القذافي، واستغرب سالم، وقال إن القذافي بعيد عن الصفقة. ورد مبارك قائلا: رجل الأعمال الذي يشتري منك الفندق مجرد سمسار أرسله أحمد قذاف الدم، ليشتري باسمه لأبناء القذافى. وانهارت الصفقة. في عام 2008 فوجئ الوسط الرياضي بإعلان قذاف الدم التبرع بمليون جنيه لصالح خزينة النادي الإسماعيلي للخروج من أزمته، ولم تذكر وسائل الإعلام بعدها شيئا عن التبرع ولا عن رد فعل النادي الإسماعيلي. لكن مصادر داخل النادي قالت ل«بوابة الشروق» إن النادي رفض التبرع، بعد اتصال من جهة سيادية عليا، اعتبرت المبدأ مرفوضا من الأساس، ودون إبداء الأسباب. فضائية صوت العقيد وفي عام 2007 ظهرت على نايلسات قناة باسم «الساعة»، تخصصت في إذاعة خطب عبد الناصر والقذافي، قبل أن تتحول إلى قناة شبه إخبارية، رأسها الصحفي مصطفى بكري، وقدم فيها برنامج «منتهى الصراحة». وقال أحد العاملين السابقين في القناة ل «بوابة الشروق» إن الجميع كانوا يعرفون أنها مملوكة لمعمر القذافي، «لكننا كنا نتعامل فقط مع شخص قذاف الدم، وكانت القناة تهتم بأخبار ليبيا، وترسل موفدين لتغطية الأحداث المهمة هناك». وفجأة أظلمت شاشة القناة، وعرف الجميع أن الرجل تكبد خسائر كثيرة في أقل من عا، فأغلقها. ليالي ألف ليلة ومعروف عن قذاف الدم ولعه بشراء الأراضي الزراعية في مناطق غرب طريق الإسكندرية الصحراوي. وهي منطقة نفوذ له أيضا، يتميز فيها بصلة القرابة مع قبائل أولاد علي، قبيلة والدته. وكان عبد المنعم ضيف الله عضو الشعب الأسبق عن الحزب الوطني بدائرة العامرية، يستقبل صديقه قذاف الدم بموائد الخراف والعجول. وفوجئ الحاضرون في إحداها، وكانت قبل انتخابات 2010، بحضور معمر القذافي إلى المأدبة الأسطورية في قلب الصحراء، وكانت « ليلة من ألف ليلة»، كما كتبت المواقع وقتها. ويمتلك قذاف الدم مزارع أخرى في أكثر من مكان، ربما كان أشهرها حصته في مزارع الصالحية الجديدة على طريق الإسماعيلية الصحراوي. وقدرت بوابة الأهرام ممتلكاته هناك بنحو 35 ألف فدان، كان يتجول فيها وهو يقود بنفسه «سيارته الخاصة ذات الدفع الرباعى وسط مزارع القمح»، بتعبير البوابة.