في تقريرا كتبه سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن عن مملكة البحرين، تضمن الكثير من المغالطات أو الادعاءات الكاذبة التي تنم إما عن جهل بحقائق الواقع في مملكة البحرين او إما عن تعمد لتشويه هذا الواقع واختلاق وقائع مضللة للرأي العام العالميوالعربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة. فقد تضمن التقرير أن ثمة انقسام في صفوف العائلة المالكة في البحرين محاولا استخدام مصطلحات او تعبيرات غير صحيحة، بتقسيمه للأسرة الحاكمة ما بين متشددين ومعتدلين تلك المصطلحات ذات الدلالة في النظر الى مواقف القوى السياسية او الاحزاب من بعض القضايا المطروحة على الساحة. وفى محاولة لكشف تلك المغالطات او التحيزات الواردة في هذا التقرير، يجدر تسجيل عدة ملاحظات، أبرزها ما يلى: أولا- يعد تعبير المعتدل والمتشدد من المصطلحات المطاطة التي يتم تصنيف القوى السياسية استنادا اليها تعكس رؤية ومصالح كل طرح من هذه القضية، فحينما نتحدث عن موقف النخبة الحاكمة في الولاياتالمتحدة من الصراع العربيالإسرائيلي، نجد هناك تباين في مواقف الاطراف المختلفة، ففي الوقت الذى ترى فيه القوى المساندة للصهيونية العالمية ان موقف الادارة الامريكية التي تؤيد اقامة دولة فلسطينية يتسم بالتشدد تجاه الحق الإسرائيلي، في حين ان القوى الرافضة للبلطجة الاسرائيلية يرى مواقف بعض اطراف النخبة الأمريكية المؤيدة لإسرائيل انها متشددة. ماذا يعنى ذلك؟ يعنى أن قضية تقسيم الاطراف الى معتدل ومتشدد امر نسبى يختلف حسب مواقف كل طرف. ولهذا يمكن القول إن المعيار الذى استند اليه "هندرسون" في تحليل الازمة البحرينية هو معيار انحيازىأو تحيزي يجعل التحليل غير موضوعي وغير محايد بما يعنى غياب المهنية عن التحليل. ثانيا- خلص الكاتب في جزء من تحليله إلى نتيجة عدم رغبة القيادة السياسية البحرينية إعطاء الشيعة تمثيلا تناسبيا في البرلمان، وعزم عائلة خليفة على الاحتفاظ بالسلطة السياسية، وهو قول يتناقض مع أمرين: الاول ما ذكره الكاتب نفسه بشأن تحول الدولة البحرينية من امارة الى ملكية دستورية بمقتضى التصويت على ميثاق العمل الوطني بنسبة 98.1% وكذلك على دستور البلاد الذى بنى على هذا الميثاق. الثاني، أنه ليس صحيحا ان الشيعة او الطائفة الشيعية تمثل اغلبية داخل الدولة البحرينية وانها محرومة من الخدمات وتولى المناصب السياسية، فبالرجوع الى انتخابات البرلمان 2006 وكذلك 2010 يرى ان ثمة اغلبية برلمانية في مجلس النواب تنتمى الى الطائفة الشيعية، فضلا عن تولى العديد من المناصب الوزارية ممن ينتمون الى الطائفة الشيعية، مع الاخذ في الاعتبار ان الدولة الوطنية في مملكة البحرين تضع معيار محددا لتولى المناصب الرسمية وهو معيار الكفاءة والمهنية والجدارة والاستحقاق، فلا مجال للحديث عن معيار الطائفية او توزيع المناصب على اساس طائفي وإذا كانت الولاياتالمتحدة كما يرى البعض انها نموذج الديمقراطية في العالم لا توزع المناصب على اساس طائفىأو دينىأو عرقي، فعليها ان تلتزم بتلك الثقافة حينما تطالب البلدان الاخرى بترسيخ الديمقراطية الصحيحة، فحينما تنتقد مملكة البحرين ان عدم وجود من ينتمى للطائفة الشيعية في الحكومة او البرلمان فإن الامر يخضع الى ارادة الشعب البحريني وليست الدولة وإلا اصبحنا ازاء نظام حكم ديكتاتورى وليس ديمقراطي، فأولى سمات الحكم الديمقراطي ان يختار الشعب من يحكمه وهذا ما حرصت عليه الدولة البحرينية في اختيارها للمناصب. ثالثا- استخدام الكاتب وصف لرئيس الوزراء البحرينى الامير خليفة بن سلمان آل خليفة بأنه أصبح الآن "الأب الروحى للمتشددين"، هذا الوصف يحمل الكثير من الدلالات الخاطئة التي حاول البعض ان يروجها من اجل تفكيك الدولة او الجزيرة الصغيرة من خلال الاسادة الى رموزها وقياداتها، فحينما يرفض الزعيم السياسى والقائد المحنك والوطنى المخلص تدخلات الخارج في شئون بلده يصبح ابا روحيا للمتشددين والمتطرفين؟ وحينما يقدم بلده لقمة سائغة للاجنبى يصبح معتدلا؟ ما قام به الامير خليفة بن سلمان آل خليفة في بناء الدولة البحرينية وما زال يبذله من جهد وما يدفعه من ثمن باهظ من صحته ووقته من اجل الذود عن حياض الوطن والدفاع عن حدوده والوقوف كحائط الصد امام جميع المطامع الاقليمية والدولية يستوجب من الشعب البحرينى ان ينتفض ضد هذه الكتابات الممتلئة بالاكاذيب والادعاءات والخرافات. ولذا فإن من المقترح في هذا الخصوص ان تشكل جمعية اهلية او مؤسسة مجتمعية للدفاع عن رموز الوطن وقياداته تتولى رفع القضايا ضد كل من يسئ الى رموز وطنه. ولعل ما جرى في مصر مع المشير عبد الفتاح السيسى يصب في هذا المجال، فكما هناك حملات للدفاع عن الرموز والقيادات الوطنية في مصر، فمن المهم ان تنظم في البحرين مثل هذه الحملات والحركات التي تتحمل مسئولية الدفاع عن رموزها الوطنية وقياداتها السياسية التي تحمل قيم المجتمع وثقافته وتدافع عنها. خلاصة القول إن ما يتعرض له الامير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء البحرينى لا يختلف كثيرا عما يتعرض له رموز وطنية اخرى في بلدانها كما هو الحال مع الملك عبد الله بن عبد العزيز العاهل السعودى وكذلك المشير عبد الفتاح السيسى في مصر وغيرهم، حيث تستهدف هذه الحملات الى الاساءة للرموز الوطنية والقيم الاخلاقية بما يسهل بعد ذلك الى تفريغ الاوطان من رموزها ومثلها العليا والاساءة الى تاريخها وهو نهج هدام يمكن الغير الاجنبى من بسط هيمنته وسلطته على الدولة والمجتمع ولعل ما جرى في كثير من دول المنطقة العربية تحت مزاعم الربيع العربى يكشف هذا المخطط.