ساعات وينطلق حوار جديد بين الحكومة البحرينية والمعارضة وذلك بعد احتجاجات تملئ الشوارع البحرينية منذ حوالي سنتين ، حيث يأتي هذا الحوار كمحاولة للوصول إلى حل في ظل تواصل الاحتجاجات الشعبية المطالبة بمزيد من الديمقراطية في المملكة. وهناك من يرى في هذا الحوار مخرجاً للأزمة البحرينية حيث يجدون أن هذا النوع من الحوار هو الذي يستوعب جميع الآراء ويحاول التوفيق بينها مع بذل أكيد لتنازل هنا أو تضحية هناك ، فيما يرى آخرون أن الحوار لا جدوى له ولن يخرج بأي جديد.
وكانت الحكومة البحرينية قد أعلنت الاثنين الماضي أن جلسات الحوار الوطني لحل الأزمة السياسية في البلاد ستبدأ غداً الأحد الموافق 10 فبراير/ شباط الجاري.
وفي يوليو 2011، بدأت أولى جولات الحوار الوطني لكن المعارضة الشيعية انسحبت بعد أسبوعين مؤكدة أنها كانت "مهمشة" وتمثيلها دون المستوى.
ويكتسب هذا الحوار اهتماماً غير مسبوق، حيث صدرت الدعوة إليه هذه المرة عن ملك البلاد الشيخ حمد بن عيسى، وأبدت المعارضة قدرا من التجاوب.
ترحيب عربي ودولي
وحظا الحوار البحريني بتشجيع ومباركة عربية ودولية ، فقد حث وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد الأطراف البحرينية المعنية على المشاركة الفعالة والإيجابية من أجل إنجاح الحوار وتحقيق أهدافه.
وقال بن زايد :"إن الإمارات ترى أن هذه المبادرة الخيرة ستخدم مملكة البحرين وشعبها الشقيق"، مؤكدة وقوفها التاريخي والدائم إلى جانب البحرين تحت قيادتها الرشيدة . وحث الأطراف المعنية على المشاركة الفعالة والإيجابية من أجل إنجاح الحوار وتحقيق أهدافه، لما يحقق الرخاء لمملكة البحرين الشقيقة.
وقال أنور قرقاش وزير الدولة للشئون الخارجية على "تويتر"، أن مبادرة الحكومة البحرينية بالحوار الوطني كإطار رئيسي للمستقبل وإصرارها عليه يحسب لها ويعبر عن مقاربة ناضجة ومسئولة، وتجاوب جميع التيارات مع هذه الدعوة يبشر بالخير وندعو للبحرين وأهلها بالاستقرار وللحوار بالنجاح والتوفيق.
كما أبدت السعودية ترحيبها بالدعوة التي وجها الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين للحوار الوطني بمشاركة جميع مكونات المجتمع البحريني.
وأعربت عن أملها في أن يُسهم هذا الحوار في ضمان الوحدة الوطنية وتعزيزها والمحافظة على سيادة مملكة البحرين ومكتسباتها.
ورحبت قطر أيضاً بدعوة الملك حمد بن عيسى آل خليفة للحوار الوطني ، حيث اعتبر الشيخ عبد الله بن ثامر آل ثاني سفير دولة قطر لدي البحرين ، مشاركة جميع القوى السياسية في الحوار المرتقب يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية والتطور والنماء.
ودولياً رحّبت المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشون يينغ بقرار المجموعات السياسية في البحرين استئناف الحوار الوطني "من أجل حل الخلافات بشكل مناسب لتحقيق استقرار ونمو وطني طويل الأمد".
السبيل للتوافق
وتعليقا على الحوار قال الأمين العام لمجلس التعاون عبد اللطيف الزياني ، في تصريح لوكالة أنباء البحرين :"إن الحوار هو السبيل الأمثل والبناء للتوافق على رؤية مشتركة تضع المصلحة العليا للوطن والمواطنين فوق كل اعتبار، وتستشرف آفاق المستقبل المنشود الذي يتطلع إليه شعب البحرين العزيز".
وأشاد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بتوجيه عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة - رئيس المجلس الاعلى لمجلس التعاون - باستكمال حوار التوافق الوطني في محوره السياسي، ووصفه بأنه "توجه حكيم يؤكد تمسك جلالته بمواصلة تنفيذ المشروع الاصلاحي الذي أطلقه بعد توليه مقاليد الحكم في المملكة".
وأضاف الأمين العام لمجلس التعاون "ان مملكة البحرين التزمت في مسيرتها الوطنية دائماً بمبدأ الحوار والتشاور وتبادل الرأي مع جميع مكونات المجتمع البحريني، وهو نهج ظلت القيادة الرشيدة متمسكة به باعتباره ينبثق من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وتقاليدنا العربية الأصيلة" ، داعياً جميع القوى والتكتلات السياسية في المملكة إلى تغليب الحكمة والعقل والتجاوب الصادق مع دعوة الملك، والمشاركة في الحوار بفاعلية من أجل انجاحه تعزيزاً للمسيرة الديمقراطية في المملكة.
وقال إن تكاتف شعب البحرين والتفافه حول قيادته الرشيدة في هذه المرحلة المهمة، من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية في المملكة ويقوي التماسك الاجتماعي والعيش المشترك الذي ألفه شعب البحرين طوال تاريخه. وأكد الزياني وقوف دول مجلس التعاون إلى جانب مملكة البحرين وتأييدها ومساندتها للخطوات والمبادرات التي يتخذها جلالة الملك من أجل دفع مسيرة الاصلاح والتقدم والنماء، معرباً عن أمله في أن يفضي الحوار المرتقب إلى التوافق المأمول وبما يحقق تطلعات شعب المملكة في مزيد من التطور والتقدم والازدهار.
محسومة سلفاً
وفي الوقت الذي لاقى فيه الحوار ترحيبا كبيرا، أكد آية الله الشيخ عيسى قاسم أمس الجمعة أن نتيجة الحوار في البحرين محسومة سلفاً ، في ظل التفاوت الفاحش في التمثيل، وقال إن الأولى لمن خطط للحوار أن يساوي بين طرفي الحوار.
واشار الشيخ قاسم في خطبة الجمعة من مسجد الإمام الصادق عليه السلام في الدراز (غرب المنامة) إلى أن "للمعارضة نسبة الثلث أمام الثلثين لوجهة النظر الحكومية"، مضيفا "إن الأولى لمن خطط للحوار أن يساوي بين طرفي الحوار ولا يصير بصورة مكشوفة في هذا التفاوت المكشوف".
وأوضح أن "السلطة والأصوات الموالية لها كثيراً ما تركز على الرفض لأي محاصصة طائفية"، متسائلاً "هل وراء هذا الرفض نية صادقة. أو أن النية مبيتة لما هو أسوأ أنواع المحاصصة؟".
ورأى آية الله قاسم أن "التوزيع يعتمد على درجة الولاء أولاً، ثم الطائفية المقيتة ثانياً، وأما المواطنة فلا اعتبار لها"، مشدداً على رفضه "مقياس الموالاة والعبودية للسلطة لأنه مقياس ظالم".
وذكَّر أن "لو كان هناك حوار حقيقي جاد، فإنما طرفاه هو السلطة وهذا الشارع العريض الذي لا يمكن أن يهمل، والتمثيل عنه لا يكون إلا بإرادته".
وتسأل الشيخ قاسم "هل تسمح الحكومة أن نختار عنها ممثلين حتى تعطي لنفسها الحق لتختار عنا ممثلين؟"، وأعاد التأكيد على أن "أي محاور يتبنى المطالب الشعبية في الحوار، فلابد أن تكون نتائجه معروضة على رأي الشعب حتى يلتزم فيها".
وتطرق خطيب مسجد الإمام الصادق (ع) إلى "الهيكلية التي صممها مهندس الحوار، فخصصت 8 ممثلين تختارهم الجمعيات المعارضة من بين أعضائها، و8 من جمعيات التي تتبنى وجهة نظر الحكومة في كثير من تصريحاتها في المسائل الرئيسية، و8 سمتهم مستقلين يكونون من تعيينها، وهم من بين أصوات تصر على بقاء الوضع على ما كان وذلك من نواب وأعضاء شورى، و3 من الحكومة يديره وزير العدل".
واعتبر أن "الخلاف السياسي والحقوقي في البحرين، بلغ حداً عالياً من التوتر والغليان، والتهم من الشعب أموالاً وأرواحاً، وخلق للوطن مشاكل جمة، هو خلاف ليس بين طائفتين، وكذلك هو ليس خلاف بين الحكومة وبعض المؤسسات المرخصة أو غير المرخصة".
تشاؤم المعارضة
وتحدد المعارضة شروطا للحوار، وهي وضع آليات جديدة للحوار مختلفة عن الجولة السابقة التي انتهت برفع مقترحات إلى الملك بما يجعل نتائج الحوار نافذة، والاتفاق على أجندة للحوار، فضلا عن الاتفاق على عرض نتائج الحوار على استفتاء بما يسمح "بإشراك الشعب" في هذه العملية.
وفي الوقت الذي وافقت ستة من أطراف المعارضة البحرينية على الاجتماع بأطراف أخرى الأحد في محاولة لإنهاء الاضطرابات السياسية ، أعربت جمعية الوفاق وهي حزب المعارضة الرئيسي في البحرين، عن شكوكها بشأن التوصل لنتائج إيجابية.
وقالت كلير بوغران خبيرة شئون الخليج في مجموعة الأزمات الدولية "انترناشنل كرسيس غروب" أن كلا من الطرفين في البحرين "يحاول اختبار نوايا الآخر. أسس (الحوار) هشة جدا والمواقف التي ينطلق منها الطرفان متباعدة كثيرا".
وبحسب بوغران، فإن المعارضة البحرينية "متشائمة جدا لكنها لا تريد أن تقوم بخطوة ناقصة تحملها، مرة جديدة، مسئولية الفشل". وفي كل الأحوال، تؤكد بوغران أن "الوضع متوتر جدا في البحرين مع اقتراب ذكرى 14 شباط / فبراير (انطلاق الاحتجاجات) ... لكن الحكومة تبدو في موقع أقوى لأنها استطاعت أن تسيطر على الوضع خلال سنتين". من جانبه قال خليل مرزوق القيادي في جمعية الوفاق التي تمثل التيار الشيعي الرئيسي في البحرين، "موقفنا الثابت هو إننا مستعدون لحوار جاد يخرج البحرين من محنتها وليس لحوار تضييع الوقت".
وندد مرزوق بما قال انه رغبة لدى السلطات ب "إحراج" المعارضة عبر الإظهار بأنها هي من ترفض الحوار، معتبرا ان ذلك "يظهر بأنه ليس لدى السلطة رغبة في الحوار".
وقال "نريد تحديد أجندة وتحديد آليات جديدة غير تلك التي أوصلت إلى فشل في المرة الماضية. إذا كان التفاوض مرفوض في الآليات والشكل فما بالك بالسقوف"، أي التفاوض في المطالب السياسية الرئيسية للمعارضة. وتطالب المعارضة التي تقودها الغالبية الشيعية رسميا بوضع حد لما تقول انه "ديكتاتورية" في البحرين، وبقيام "ملكية دستورية" على غرار بريطانيا مع حكومة منتخبة تتمتع بالصلاحيات التنفيذية والحد من سلطة أسرة ال خليفة السنية التي تحكم البحرين، وخصوصا تنحي رئيس الوزراء الأمير خليفة الذي يشغل منصبه منذ حوالي 42 عاما.
ويفترض أن تبدأ جلسات الحوار مساء غدا الأحد في منتجع بجنوب البحرين بمشاركة حوالي 27 مندوبا يمثلون المعارضة والجمعيات المحسوبة على التيار السني الموالي للحكم ومستقلون من مجلس النواب والشورى، إضافة إلى ثلاثة أعضاء من الحكومة.