طالبت أخر دراسة لمركز البحرين للدراسات والإعلام، بتوضيح مفهوم مصطلح" الثورجية" وقالت الدراسة: مع اقتراب الذكرى الثالثة للأحداث التي واجهتها البلدان العربية مع بدايات عام 2011، وانكشاف الكثير من الحقائق واتضاحها وتبين العديد من الوقائع ووضوحها للكافة فيما واجهته بلدان المنطقة من مخططات دولية واقليمية مع تواطؤ من جانب بعض الاطراف الداخلية، أصبحت ثمة حاجة ملحة للباحثين والدارسين والمحللين أن يتعاملوا مع هذه الوقائع والاحداث بمهنية وحيادية بعدما ذهبت المشاعر والعواطف واستحكمت العقول والافهام على قراءة الواقع الان. ولعل من أبرز الحقائق التي يجب على الباحثين والمحللين دراستها بعناء هي مفهوم او مصطلح "الثورجية" أي مدعى الثورة او راكبي الثورة وليس محركي الثورة او المؤمنين بالثورة او المدافعين عن حق المواطن فى الخروج على حكامه للمطالبة بالتغيير، فشتان بين "الثوري" أي الانسان الذى يرى فى الثورة وسيلة للتغيير إلى الافضل ليس شرطا عن طريق التخريب والهدم والعنف والارهاب وإنما عن طريق التطوير والارتقاء بالواقع وصولا الى المأمول، هذا من جانب. ومن جانب آخر بين "الثورجى" أى ذلك الفرد الذى يسعى الى استغلال الاوضاع ومحاولة تطويعها للاستفادة منها فيما يحقق مصالحه او اهدافه او اجندته الخاصة سواء أكانت اجندة مذهبية او طائفية او عرقية وسواء توافقات مع مصلحة الوطن او تعارضت مع مصالحه ومصالح ابناءه.
وينطبق هذا الموقف بجلاء على الاحداث التي واجهتها البحرين فى فبراير ومارس 2011 حينما طالب بعض المواطنين بحزمة من الاصلاحات والمطالبة ببعض الحقوق المشروعة التى اعترفت بها الدولة البحرينية واقرتها بل سارعت باتخاذ كافة التدابير والاجراءات لتنفيذ مطالب المواطنين وحاجتهم التى ربما قد تغافل عنها بعض صغار المسئولين، إلا ان بعض الافراد المنتمين الى جمعيات ذات هوى سياسي طائفي ومذهبي حاولوا ان يصعدوا على الاحداث ويوجهوها وجهة تحقق مطالبة، حيث تم توظيفها بشكل يخدم ما يحملونه من أفكار وما يعتقدونه من مذاهب وما يؤمنون به من معتقدات تتناقض مع قيم المجتمع البحرينى وثقافته بل وما أمنه واستقراره، حيث تصب هذه الافكار والمعتقدات فى جانب مذهبي طائفى يكشف عن انتماء عقائدى لهذه المجموعات بعيدا عن الانتماء الوطنى وإنما هو انتماء مذهبى هادف فى المقام الاول الى خدمة اطماع امبراطورية مزعومة فى مخيلة بعض المهووسين من انصار القومية الفارسية على حساب الواقع الجغرافى والتاريخى للمنطقة.
وحتى لا نخرج بعيدا عن الموضوع وهدفه وهو الكشف عن مدعى الثورة والبطولة وزائفى الانتماء والوطنية، وهو ما ينطبق على كل من حاول ايهام الرأى العام الداخلى والخارجى ان ما يحدث فى البحرين هو ثورة على غرار ما جرى فى اليمن وتونس وما زالت تباعته قائمة فى سوريا، متناسين أمرين:-
الأول: أن الاوضاع فى مملكة البحرين وطبيعة نظامها السياسى وخلفيتها التاريخية والجغرافية ترفض تلك الافكار التى حاول البعض ان يفرضها قسرا على الواقع البحرينى، فكل بيئة تفرض طبيعة نظامها السياسى وكل شعب يختار ما يلاءم هذه الطبيعة ويتفاعل مع ميراثها التاريخى، ولا شك ان تماسك المجتمع البحرينى وراء قيادته وحكومته الوطنية ودفاعه عن ميثاقه الوطنى ودستوره وتشريعاته تؤكد على صحة هذا الرأى.
أما الأمر الثانى: فإن ما تعانى منه الشعوب العربية فى تلك البلدان سالفة الذكر لا يمكن ان تجد له واقع مشابه لما هو موجود فى البحرين، فمن ناحية يرفل الشعب البحرينى بجميع طوائفه وانتماءاته وتكويناته فى مستوى معيشة يتقارب مع مستويات معيشة البلدان المتقدمة يدلل على ذلك تقارير المنظمات الدولية المعنية برصد وتقييم مستويات معيشة المواطنين والخدمات المقدمة لهم مثال ذلك تقرير التنمية البشرية الذى يضع البحرين فى اولى الدول المحققة لمستوى مرتفع من التنمية البشرية.
ومن ناحية أخرى، أن الحكومة البحرينية برئاسة الامير خليفة بن سلمان آل خليفة هى حكومة وطنية بكل جدارة، فقد اثبتت الايام ذلك فى كل الاحداث التى واجهتها، فقد جعلت المواطن البحرينى نصب عينها دائما، فكما سبق القول أنه حتى حينما خرجت بعض المواطنين للمطالبة بحقوق معيشية اغفلتها بعض الاجهزة البلدية فى ضوء تعدد مشاغلها وتنوع مسئولياتها، لبت الحكومة البحرينية وكان الامير خليفة بن سلمان على رأس المسئولين الذين سارعوا الى الاستجابة لمطالب مواطنيه الذين بادلوه كل حب وتقدير واعتراف وامتنان بسعة صدره وقدرته على قبول مطالبهم رغم قسوة المطالبة او اتخاذ مسار غير شرعى وغير قانونى فى تقديم هذه المطالب، ولكنه أدرك بحسه الابوى وبحنكته السياسية وبخبرته الادارية ان المواطن حينما يخرج الى الشارع للمطالبة بحقوقه وجبت على اجهزة الدولة الاستجابة طالما انها مطالب مشروعة وفى اطار قانونى وتتناسب مع قدرات الوطن وامكاناته.
وفى الوقت ذاته حرص كذلك على ألا يؤدى هذا الخروج الى تهديد للامن الوطنى والاستقرار المجتمعى او زعزعته او اثارة القلاقل او الاعتداءات على المال العام او الخاص، بل شدد على أن الدولة وهيبتها وسيادة القانون وتطبيقه تفرض على الحكومة على الجانب الاخر ان تتخذ التدابير الكفيلة بمواجهة اية خروقات للقانون وقواعده وهو ما لاقى استحسانا وطنيا واشادة اقليمية وتأييد دوليا لنجاحه فى تحقيق تلك المعادلة الصعبة التى افشلت انظمة الحكم العربية فى كيفية تلبية المطالب المشروعة للمواطنين مع الحفاظ على وحدة الدولة وامنها واستقرار المجتمع وتماسكه بما افشل كل مساعى "الثورجية" و"القومجية" التى تلاقت أهدافهم ومصالحهم مع اهداف الخارج ومصالحه، فكان نصيبهم هو رفض المجتمع لهم بل ومطالبته لحكومته الوطنية ان تضرب بيد من حديد على كل من يهدد استقرار الدولة وتماسكها.