عندما يتردد اسم البحرين يتبادر إلى الذهن تلك الدولة الخليجية الصغيرة الواعدة التى تنعم بثراء أهل الخليج، لكن الواقع غير ذلك، فالمشكلة الشيعية كامنة تحت السطح فى البحرين منذ سنوات طويلة. لكن ثورات الربيع العربى وصل مدها بشكل أو بآخر إلى مملكة البحرين.. وبدأت منذ عامين انتفاضة الكتلة الشيعية، ولم تنته حتى الآن، وأخذت صوراً عديدة.. بتظاهرات واحتجاجات متكرة، ومواجهات مع الشرطة، وصلت حدتها إلى أن استعانت الحكومة بقوات درع الجزيرة لحفظ الأمن، لكن المطالب الشيعية لم تهدأ مطالبة بالمساواة فى السلطة والثروة وبتحول ديمقراطى وصولاً لملكية دستورية. وقد وجه ملك البحرين دعوة للحوار حول التوافق الوطنى، وبدأت أولى جلساته الأسبوع الماضى.. فهل يصلح الحوار ما أفسدته سنوات التمييز واحتكار السطة؟ العقدة الشيعية تواجه البحرين عدة مشاكل تتعلق بأوضاع الشيعة، مثل المشاركة فى السلطة السياسية ودرجة التمتع بالحرية المذهبية، وتشعر الحكومة بنوع من التوجس تجاه توجهات ومطالب بعض التيارات الشيعية وطبيعة روابطها وعلاقاتها الإقليمية مع إيران. ودولة البحرين تشهد انتفاضة سياسية، وتتمثل تركيبتها الديموجرافية فى غالبية شيعية محكومة بأقلية سنية ويزداد الانقسام الطائفى فى مملكة البحرين، إذا انعكست الأزمة الداخلية بين نظام الحكم وقوى المعارضة على المواجهة بين الطائفتين السنية والشيعية، لدرجة أن هناك حملات شيعية لمقاطعة البضائع والمحال التجارية السنية، فضلاً عن عدم شعور السنة بالأمان فى عدد من المدن والقرى الشيعية، وهو ما يسمى بالقلق المتبادل الذى يؤثر على التعايش السلمى، ويتزامن ذلك مع قيام الحكومة البحرينية فى يوليو الماضى بحل جمعية العمل الإسلامى الشيعية المعارضة، نظراً لارتكابها مخالفات عدة لقانون الجمعيات. ومنذ انطلاق الاحتجاجات الشيعية المطالبة بالإصلاح منذ عامين والبحرين تشهد حالة من الاحتقان الداخلى، وقد تصاعدت أعمال العنف فى الشارع البحرينى وتكررت محاولات إغلاق الشوارع الحيوية واستهداف رجال الأمن والمارة، والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة. دعوة للحوار وكان ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة قد وجه دعوة لاستئناف حوار التوافق الوطنى، وذلك من أجل الوصول إلى اتفاق نهائى وتسوية نهائية للأوضاع المتأزمة فى البحرين. وكانت الحكومة البحرينية قد أطلقت حوار التوافق الوطنى فى الثانى من يوليو 2011 وبعد نحو أسبوعين من انطلاق الحوار أعلنت جمعية الوفاق المعارضة انسحابها منه، بعد امتناعها بعدم جدية الحكومة فى التحاور لتحقيق الإصلاح السياسى المنشود. والآن ومع حلول الذكرى السنوية الثانية للاحتجاجات المطالبة بالإصلاح فى البحرين وافقت المعارضة السياسية فى البحرين على المشاركة فى الحوار الوطنى. وانطلق الحوار الوطنى البحرينى الأحد الماضى، وقد أجمع المشاركون على ضرورة توافق كافة الأطراف على نتائج الاجتماع لاعتماد التوصيات، ليكون ذلك المخرج من الأزمة. وأكد الشيخ خالد بن على بن خليفة وزير العدل فى مستهل الجلسة الأولى « إن طاولة الحوار هى صاحبة القرار». وكانت جمعيات المعارضة السياسية قد أعلنت عن مشاركتها فى الحوار قبل انطلاق الحوار بنحو ساعتين. وشارك فى الحوار 8 مقاعد من ائتلاف الجمعيات، و8 مقاعد من الجمعيات السياسية المعارضة، و8 من مجلس النواب والشورى، وثلاثة وزراء هم وزير العدل والتربية والأشغال. وصرح عيسى عبد الرحمن المتحدث باسم حوار التوافق الوطنى: « إن الحوار هو استمرار لحوار التوافق الوطنى الذى جرى فى يوليو 2011 فى الجانب السياسى، وقد نتج عن الحوار السابق 290 توصية تم تنفيذ 217 توصية منها وباقى التوصيات فى طور التنفيذ». وأشار المتحدث إلى أن جلسات الحوار ستكون جلستين أسبوعياً يومى الأحد والأربعاء. حل العقدة وفى سياق حل العقدة الشيعية فى البحرين نطرح بعض التصورات التى قد تسهم فى هذا السياق وأولها: إرساء دعائم المواطنة بين أبناء البحرين، دون إعطاء أهمية لاعتبارات وفوارق الدين أو المذهب أو العرق، ويتساوى المواطنون فى توزيع الثروة والسلطة، بما يذيب مشاعر التهميش السياسى والحرمان الاقتصادى السائدة لدى الشيعة، وهو ما يتطلب تنمية اقتصادية للمناطق التى يقطنها الشيعة وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية. وثانياً: الابتعاد عن استغلال التعددية المذهبية المتعلقة بثنائية الشيعة والسنة، لأن جوهر هذه السياسة يخلق على المدى البعيد تهديداً لأمن الدولة واستقرار المجتمع، خصوصاً إذا خرج الصراع الطائفى عن نطاق السيطرة. وثالثاً: الامتناع عن سياسات التشكيك فى انتماء وولاء الشيعة، لأن هذا يشعرهم بنقص وطنيتهم، بما يعوق سبل اندماجهم فى المجتمع من ناحية، ويسهم فى توجيههم إلى الخارج طلباً للدعم والحماية من جانب آخر، وهو ما تستغله إيران بما يخدم مصالحها الخاصة. رابعاً: فتح مسارات مستمرة مع التيارات الشيعية المعتدلة فى مواجهة التيارات الراديكالية، بما يقلل من حدة المشكلة،لا سيما أن الشيعة ليسوا كتلة واحدة، بل يوجد تمايز جوهرى بينهم. ومهما كانت نتائج الحوار الوطنى، فالحقيقة الثابتة والأصلية أن الشعب البحرينى سنة وشيعة يريد أن يجد مخرجاً للأزمة التى تعانى منها البحرين منذ عامين، وصولاً إلى اصلاحات تستجيب لتطلعات شعب البحرين.