لسنوات طويلة تمنيت مقابلة السيدة الفاضلة جيهان السادات حرم الزعيم الراحل أنور السادات لعدة أسباب، أولها حبى وعشقى لأنور السادات ثانيها احترامها الشديد لنفسها ولاسم السادات فى كل أحاديثها وحواراتها، وأخيرا لقيمتها المحلية والدولية ولكن الغريب أننى لم أحاول جديا مقابلتها لا أعرف لماذا هل مثلا خوفا من أن ترفض فتهتز صورتها الرائعة فى خيالى أو أن اللقاء معها صعب وبالتالى تجنبت المحاولة لا أعرف بالتحديد ولكن بالمصادفة تلقيت مكالمة من قطب أهلاوى كبير هو الأستاذ عدنان رفعت وطبعا أعلم أنه كان يعمل مع الرئيس الراحل السادات والسيدة حرمه منذ فترة طويلة فسألته إن كان فى الإمكان أن ألتقى السيدة جيهان فوعدنى بالرد على طلبى فى أقرب فرصة، والغريب أنه لم تمض سوى ساعة واحدة حتى وجدت الرجل مشكورا يتصل بى ويحدد لى الموعد فى منزلها بالجيزة، وبالفعل ذهبت فى موعدى تماما للقائها ولم يكن فى ذهنى على الإطلاق أى شىء سوى تقديم التحية لها ولروح زوجها ولأسرتها الكريمة وبعض عبارات المجاملة الرقيقة، والحقيقة أننى فوجئت فى البداية بهذا الاستقبال الحار أيضا فوجئت بالبساطة المتناهية مع الاحتفاظ القوى بالقيمة والمركز والمقام وهى معاملة فى غاية الصعوبة ولكنى وجدتها فى السيدة جيهان السادات. الموعد كان فى تمام الساعة 12.30 ظهر يوم الأحد 9 فبراير وكنت هناك، حيث كان فى استقبالى اللواء محمد سعودى وهو أيضا رجل كان يعمل مع الراحل أنور السادات والسيدة حرمه فأدخلنى إلى مكان الاستقبال وقال لى إن السيدة جيهان تجلس فى مكان معين والضيف يجلس هنا، فشكرته وتوقعت أن أنتظر طويلا ولكن خاب ظنى فلم تمر سوى دقيقة واحدة لأجدها أمامى ضاحكة هادئة واثقة، ورغم أننى إعلامى ولدى خبرة طويلة فى كيفية التعامل مع مثل هذه الشخصية الفاضلة إلا أننى ارتبكت للحظات وحرصت على ألا تشعر هى بارتباكى، وبالفعل مرت دون أن تشعر بها، ووجدتنى أسألها أولا عن مشاعرها بعد أن استرد الزعيم السادات اعتباره، ويبدو أننى كنت موفقا فى البداية حيث انطلقت تتحدث عن السادات وما قدمه لوطنه وعن الظلم الذى وقع عليه لسنوات طويلة دون أن تشكو أو حتى تبدى وجهة نظرها لأحد سوى القليل جدا من المقربين منها، ولكن أهم ما لمسته فى حديثها أنها تتوجه دائما إلى الشباب ليعرفوا ويقدروا قيمة هذا الرجل الذى ظلم لسنوات طويلة ولم يأخذ حقه من التكريم والاحترام الواجب فى وطنه ومن أقرب الناس إليه، وسألتها عن المضايقات التى تعرضت لها فقالت إنها تأبى أن تتكلم بعد أن صمتت لثلاثين عاما لذلك ليس من اللائق أن تتحدث الآن وإن كان فى قلبها غصة وألم من مطاردة أمن الدولة لهم بعد رحيل السادات دون أن تعلم سببا واحدا لذلك، أيضا الاتهامات التى كانت تلقى عليهم فى الصحف والمجلات والجميع يعرف أن السادات لم يكن يمتلك سوى منزله فى ميت أبوالكوم لدرجة أنه مات مدينا للبنك بألف جنيه. أيضا كانت حزينة للغاية من أنهم لم يكونوا فى احتفالات أكتوبر إلا العام الماضى ولم تجد لذلك سببا مفهوما رغم أن صغار الضباط كانت تتم دعوتهم لحضور هذا النصر الذى تفخر بأن زوجها رئيس مصر الأسبق أنور السادات هو صانع هذا النصر وهو صاحب القرار فى الحرب على اسرائيل، ولكنى وجدتها سعيدة جدا بأن الشعب والمظاهرات تحمل الآن صور السادات فى المظاهرات والمسيرات المؤيدة للثورة، وكأنها تقول أخيرا الناس عرفت السادات وقيمته وأعطته جزءا من حقه، أيضا وجدت جيهان السادات حزينة لهجوم بعض الناصريين عليها مع أنها، حسب قولها، هى وأسرتها أكثر من أحب عبدالناصر لدرجة أن السادات غضب بشدة من عثمان أحمد عثمان والد زوج ابنته عندما هاجم عبدالناصر فى كتابه ثم عادت وقالت لم يكن السادات يستطيع أن يمنع أنيس منصور أو غيره من الهجوم على عبدالناصر لأن هذا رأيه والبلد كان يعيش فى أجواء حرية الصحافة. أيضا وجدتها على يقين من إعدام الاسلامبولى ورفاقه وأنها تأكدت بذلك من الضابط الذى أشرف على عملية الإعدام، ثم كانت المفاجأة عندما قالت إنها سامحت عبود الزمر بل إنها وافقت على خروجه من السجن بعد أن أمضى فترة العقوبة ولكنها فى الوقت نفسه حزينة من طارق الزمر ليس لاتهامه فى اغتيال السادات ولكن لمواقفه أيام 30 يونيو ومحاولته الهجوم على مصر كما قالت بالضبط. جيهان السادات تحكى عن أنور السادات بصيغة الحاضر وليس الغائب ولا تتكلم عنه إلا بلفظ الرئيس السادات والغريب أنها لم تنس أن تشكر الرئيس السابق مرسى على منحه اسم السادات قلادة النيل وزيارته لقبره فى أكتوبر الماضى ولكنها فى الوقت نفسه كانت فى قمة الألم والغضب لاستضافته قتلة السادات فى يوم الاحتفال بعيد النصر قبل الماضى، بل إنها كانت فى حالة ذهول من هذا التصرف العجيب، أيضاً كانت سعيدة للغاية باستقبال الرئيس عدلى منصور والفريق أول السيسى -وقتها- الحار لها فى احتفال أكتوبر الماضى وقالت: شعرت ساعتها أن السادات قد عاد إلى الحياة وأن روحه وسط أبنائه الجنود والضباط. أيضاً وجدتها متفائلة جداً بالمشير السيسى وأنه قادر على العبور بمصر من أزمتها خصوصاً أن السادات قابل هذا الأمر فى بداية ولايته، حيث قالت بالحرف مصر كانت منهزمة والاقتصاد سيئ جداً ولكن السادات نجح فى العبور بنا فى كل المجالات، وأنا متأكدة أن السيسى حينجح هو الآخر فى العبور بمصر بل والعرب كلهم». أيضاً وجدت السيدة جيهان السادات غاضبة جداً من أوباما فرغم إشادتها القوية بالشعب الأمريكى إلا أنها قالت إن ما فعله أوباما فى منطقة الشرق الأوسط لم يفعله أى رئيس أمريكى قبله، على الرغم من أنها كانت متفائلة بشدة به بعد خطابه فى جامعة القاهرة وقالت إنها تفكر فى عدم السفر لأمريكا مرة أخرى احتجاجاً على الموقف الأمريكى من الثورة المصرية، ثم كان ردها على رواية هيكل وفنجان قهوة عبدالناصر من أنها تخاريف لا تستحق الرد عليها، مؤكدة أن السادات لم يدخل فى حياته معها المطبخ ولم يكن يعرف أصلاً كيف يتم عمل القهوة.. جيهان السادات كانت عاتبة على أبناء عبدالناصر لهجومهم فى بعض الأحيان على الزعيم السادات ولكنها وببساطة شديدة جداً قالت «أنا مسمحاهم لأنهم زى أولادى».. أكدت أيضاً أن حبها للسادات كان فى البداية إعجابا ببطل بعد قضية أمين عثمان ثم تحول إلى حب بل وعشق عندما اقتربت منه وعرفت أخلاقه وصفاته وطباعه. ولكن المفاجأة الأكبر فى قعدتى مع السيدة جيهان السادات التى لم تكن حواراً صحفيا بل كانت زيارة محبة وإعجاب منى بشخصها وزوجها وأسرتها، المفاجأة أن السادات كان يتوقع قتله على أيدى الإخوان لأنها كما قالت كانت تحذره دائماً وتطلب منه تشديد الإجراءات الأمنية وكان يقول لها أن أولاده وشعبه يحبه ولا يمكن أن يسبب له أذى فقط أصحاب العقيدة المتعصبون هم فقط الذين يمكن إن يغتالوه ووقتها سيكون شهيداً لأنه أدى الواجب تجاه شعبه ووطنه.. الكلام مع سيدة مصر الأولى كان شيقاً ورائعاً وجميلاً وكم تمنيت أن يكون حواراً على صفحات «الفجر» لكنى احترمت رغبتها فاكتفيت فقط بأن تكون خواطر استمتعت جداً بها مع سيدة مصر الأولى.