أحيانا ينتشر الورم السرطانى بخبث شديد فلا يبقى أمام الأطباء سوى استئصاله من جذوره.. وربما تُعتقل الأفكار فلا يبقى أمام الحكماء سوى أن يقتحموا ظلام العقول ليطلقوا سراحها.. وحين تُنفى القيم إلى جُزر الإرهاب البعيدة لا يبقى أمام الكلمة سوى أن تتحول إلى سيف، ولا الموقف إلا أن يُصبح مقصلة للهمجية. لو أردت أن تقضى حتما على شخص مُستنير فلتعتقل مشاعره وتضعها فى بئر سحيق.. وإن أردت أن تهدم أُمة فلا مفر من أن تقهر حضارتها.. وإذا استطعت أن تحبس إنساناً فى قوقعة التوحد فأنت تمحو كل فرصه فى الاندماج مع المجتمع.
وسرطان أفكار جماعة الإخوان هاجم بضراوة طوال السنين الماضية المجتمع بفئاته، ولأنه بدأ كمرض بلا أعراض واضحة يُمكن تشخيصه، فكان تجاهله بداية الدخول فى مرحلة المرض المُزمن، واستشرى المرض ليسكن بكل شراسة جسد مصر حتى أصبحت أعراضه اليوم واضحة وضوح الشمس.. فالمجتمع المُبتلى بورم الإخوان أصبح يتأوه ويتألم من الجهل والتغييب وفقدان البصيرة والكُره والإرهاب.
أعتقد أن التهمة العظمى التى يجب أن يُحاكم عليها نظام مُبارك هى تهمة «إجهال الشعب» وعدم الاهتمام الكافى بالتعليم كركيزة أساسية تنهض بها الأوطان، ما ترك الشباب فى المدارس والجامعات فريسة للجماعات الإخوانية السرطانية طويلا.
وها نحن اليوم نسكت وندير رءوسنا عن مأساة جديدة تحدث خلف أبواب المدارس والمعاهد الأزهرية والجامعات بأنواعها، وكأننا لا نرى ما نحن مقدمون عليه غدا لو غضضنا أبصارنا اليوم عنهم.. فالأرقام تؤكد وجود 77 مدرسة تنتمى لجماعة الإخوان سواء تأسيسا أو فكرا.. وما خفى كان أعظم!.
على سبيل المثال وليس الحصر.. فى أحد المعاهد الأزهرية المنتشرة فى مدينة نصر يتم يوميا- تحت سمع وبصر وزارة التربية والتعليم- امتناع الأطفال عن إلقاء تحية العلم.. وفى المقابل يؤلفون الأناشيد لمؤازرة مهديهم المنتظر محمد مرسى، كما أن هناك توجهاً واضحاً لبث سموم رابعة وشهدائها والتمسك بالجهاد وما شابه ذلك من هُراء، يتم ضخه فى عقول الأطفال بلا رقيب ولا رادع.
كما جاءتنى ولية أمر طالبة بمدرسة تُدعى «نور للغات».. سيدة سبقتها دموعها وهى تحكى لى كيف اختارت تلك المدرسة لابنتها متصورة بعقلية المسلم الملتزم أن تلك المدرسة سوف تمنح ابنتها تعليماً إسلامياً مُعتدلاً! وتحول الحلم إلى كابوس حين أفصحت المدرسة بصراحة عن وجهها القبيح فى عهد الرئيس المعزول، هذا العهد الذى تصور فيه الإخوان أنهم مخلدون، ونسوا أن من أطاح بمبارك قادر على أن يطيح بكل فرعون يأتى بعده، فما بالك لو كان الفرعون خائنا أيضا!.
الطلبة فى تلك المدرسة- بحسب رواية أولياء الأمور- مسموح لهم علانية بحمل علامة رابعة (رمز الغيبوبة) فى داخل المدرسة إيمانا من مُديرها بحرية التعبير عن الرأى، ولكن المفاجأة أن إيمانه بحرية التعبير ينتهى لحظة دخول الطالب بصورة السيسي! كما أن مدير المدرسة يحاول استقطاب الأهالى لتدعيم موقفه الغريب فى تكديس الفصول بالطلبة بحجة أن وزارة التربية والتعليم تضعه نصب أعينها فى محاولة لتكسيره وتعطيل مسيرته الإخوانية الشريفة فى احتلال عقول الطلبة! (من الآخر بتتلكك له علشان تغير إدارة المدرسة وتجيب الإدارة الانقلابية اللى على مزاجها) أو هكذا يقول لأولياء الأمور فى محاولة لتحقيق كسب مادى بهوية إسلامية!
سيادة الوزير.. حين يتحول واجب المدرسة الصيفى فى تلك المدرسة إلى مشروع اسمه (نُحرر الأقصى) لأن جماعة الإخوان ترى أن القدس هى القبلة ومصر مجرد جارية فى بلاط المشروع الإخوانى.. وحين يتم شحن الأتوبيسات بالطلاب والمعلمين وقت أحداث الحرس الجمهورى للالتحام أو المشاركة أو حتى لمساندة الإرهاب.. فهنا يجب أن تتدخل الوزارة.. وهنا يجب أن يكون قرارك حاسما حازما.
سيدى وزير التربية والتعليم.. على أرض الكنانة وداخل الفصول المكتظة بالطلبة فى المدارس العامة والخاصة التى تحمل ختم الإخوان، يتم تزييف التاريخ واحتلال عقول أطفال فى عُمر الزهور لصالح تلك الجماعة المريضة.
هناك حصص (أخلاقيات إسلامية) تُضاف إلى المناهج من واقع يتراءى لأصحاب المدرسة دون مراجعة ولا حساب ولا حتى اطلاع من الوزارة.. فما بالك سيدى بمدارس (جنا دان) المملوكة لأبناء خيرت الشاطر؟!
فى عهد الإخوان البائد كانت هناك محاولة لتغيير مناهج التاريخ تحت مرأى ومسمع من الجميع ليظهر حسن البنا بدرجة فارس ومحمد مرسى كقائد لجيوش الإسلام فى ثورة يناير، ولم يتحرك أحد! واليوم يتم نفس التغيير ولكن فى الظلام وبتوجه إخوانى يستهدف عقول الأطفال بل ويتم استخدامهم مقهورين للسير فى المظاهرات ضاربين بعرض الحائط كل قوانين حماية حقوق الأطفال.
لقد وصل الأمر بخلق روح من الشللية فى تلك المدارس جعلت الأطفال تتكاتل ضد أطفال بأعينهم وامتناعهم عن اللهو معهم ومعاملتهم مثل منكوبى مرض الجذام لأنهم (سيساوية)!..
فى الواقع أنا ضد الزج بالأطفال من الطرفين فى تلك العملية السياسية الحقيرة، فالطفل لم يُخلق لنعبئه بأفكارنا مثل الشوال، بل يجب أن نبعده عن أى مؤثرات ليصبح قادرا على تكوين معتقدات سياسية تخصه وحده دون إملاء ولا تقييم من أحد.
فما يحدث فى جامعات مصر على سبيل المثال أصبح مسألة هزلية تتسم بالتدنى الأخلاقى والابتذال الفكرى لمجموعة أساتذة يبثون فى عقول الطلاب السُم.. فخروج مستشارة الرئيس باكينام الشرقاوى التى فشلت فى تنسيق اجتماع سرى تم بثه علانية على تليفزيونات العالم، والتى بحُكم منصبها أغرقت مركب الرئيس وأشارت عليه بالسقوط فى فترة حكمه المشئوم! خرجت تتزعم مظاهرة إخوانية من جامعة القاهرة وهى تعلم جيدا أنها سوف تنتهى بالتكسير والتخريب للحرم الجامعى.. ويتبعها سيف عبدالفتاح الذى لا أعلم له وظيفة مفهومة فى مؤسسة الرئاسة حتى اليوم! وأخيرا تظهر أميمة كامل مستشارة الرئيس لشئون المرأة التى لم تقدم للمرأة سوى الامتهان والازدراء.. لكننى وبحق أقدر مُصابهم الأليم، فمن بعد الراتب المحترم ومميزات الرئاسة والجوازات الدبلوماسية والسفريات والبدلات، هاهم يعودون من جديد إلى كنبة غرفة المعيشة يتناولون الفيشار ويشاهدون فيلم «دعنى والدموع»!.
إذن فرابعة هى الحل.. وعودة المعزول هو الحلم.. إنهم حقا مثال صريح للقدوة حين تتردى وتصبح نكبة تدفع الطلبة للخلف ووصمة عار فى تاريخ الجامعات.
هنا يجب ألا نُغفل الدور المهم لوزارة الأوقاف والذى يمكن أن نقول أنه الوحيد لوزارة الببلاوى فى القضاء على فكرة استغلال المساجد فى التحريض والتوجيه والدعوة.. فلتكن تلك السطور تحية لوزير الأوقاف.. ونداء لوزير التعليم.
أدعو وزير التعليم لأن يجد حلا لتلك المدارس حتى يُخضعها لرقابة شديدة لصيقة.
إننا ندع الفرصة لإعادة إنتاج نفس النظام الإخوانى المتوحش من جديد.. إنك سيدى تسمح بظهور جيل كامل من الأطفال ذوى الاحتياجات الإخوانية الخاصة.
إن الدولة يجب أن تستوعب هؤلاء الطلبة وتسعى لتنمية قدراتهم على تذوق الجمال، فالجمال وسيلة لتهذيب النفس والتحكم فى انفعالاتها.. والسلوك العدوانى يفتقر إلى الجمال الروحانى.
يقول أفلاطون: «إن الروح هى التى تُدرك الجمال، أما الحواس فلا تُدرك غير انعكاسات ظلال الجمال».
الجمال ليس قيمة سلبية كما يدعون لكنها قيمة إيجابية تدفع الإنسان لتقييم انفعالاته ومشاعره.. إن الحرب التتارية التى يشنها هؤلاء الطلبة على الشوارع والأبنية ليست سوى حالة من اليأس وافتقار واضح للمشاعر الإنسانية والانتماء الذى لم يتعلموه فى مدارس الإخوان..