«الله غايتنا.. الرسول زعيمنا.. والقرآن رايتنا» شعارات رسمها الإخوان على حوائط مدارسهم التي توسعوا في بنائها واتخذوها مركزاً لتدريب الأشبال الصغيرة على الأنشطة الإخوانية العنيفة وزرع أفكار حسن البنا وسيد قطب في عقولهم، ووفقا لاحصاءات غير رسمية هناك أكثر من 60 مدرسة تسير في تعليمها على منوال جماعة الاخوان ومبادئهم وتشكل خطورة كبيرة على المجتمع لما يقومون به من سيطرة على العقول من خلال التعليم، ولم تجد الجماعة أفضل من المدارس للتخطيط لإعداد جيل قادم يقدم لهم الدعم والولاء في المستقبل وهو ما جعل «الوفد» تفتح هذا الملف الخطير. ويكمن الخطر هنا في خروج جيل من هذه المدارس يتخذ العنف منهجاً له وربما نجده ينخرط بعد ذلك في أعمال إرهابية نظراً لما تلقاه من دروس وأفكار تحض على العنف، والغريب هنا أن تلك المدارس المنتشرة في انحاء الجمهورية لا تقبل طلاباً ينتمون لديانات أخرى ولا يعمل بها إلا مدرسون ومدرسات تابعون للجماعة أو تيار الاسلام السياسي بشكل عام. وأصبح واضحاً ما تسعى اليه جماعة الإخوان وما تضمره لمصر وهو استقطاب أكبر عدد من الأطفال وتربيتهم التربية الاخوانية التي تمكنهم بعد ذلك من تكوين الميليشيات التي يستطيعون من خلالها السيطرة على مقاليد الأمور في مصر.. فقد وضع الاخوان التعليم على قائمة أولوياتهم منذ توليهم مقاليد الحكم فبدأوا في انشاء المدارس حتى صار لدينا ما يقرب من 61 مدرسة اخوانية منها 20 مدرسة بالقاهرة و14 بالجيزة، أما باقي المدارس فهى موزعة على مختلف محافظات مصر، وتخطى عدد المدرسين بها 50 ألف مدرس يعمل أغلبهم بعقود السخرة التي تمكن الادارة من التحكم فيهم وطردهم في أي وقت دون إبداء أية أسباب ونظراً لأن قياداتهم اهتموا بالتعليم فقد جعلوه أهم ركائزهم خاصة وأن حسن البنا وسيد قطب اشتغلا بتدريس اللغة العربية، وسبق أن ارسل حسن البنا لوزير المعارف يطالبه بأن يتفق التعليم مع مبادئ الاسلام، وطالب بأن يتم دمج التعليم العام مع الأزهري للوقوف في وجه العلمانيين، وعند مجئ الاخوان للحكم شرعوا في التوسع لبناء تلك المدارس التي لم تلتزم بتحية العلم أو النشيد الوطني، وكانت الأناشيد الدينية التي تحث على الجهاد وحب الجماعة لها الأولوية في طابور الصباح، ومن أشهر المدارس الاخوانية مدرسة «المقطم الدولية» التي يملكها القيادي الاخواني عدلي القزاز، و«جني دان» المملوكة لخيرت الشاطر، و«الجيل المسلم» المملوكة لمحمد السروجي، و«الروضة» ويملكها القيادي أحمد الحلو، ومدرسة «أمجاد» المملوكة لكاميليا العربي، ومدارس «فضل الحديثة» المملوكة لزوجة عصام العريان، ومدرسة «تاجان» بالتجمع الخامس هذا فضلاً عن المدارس الاخرى الموجودة في المحافظات. ولا شك أن تلك المدارس تمثل عقبة كبيرة أمام وزارة التربية والتعليم التي لديها أكثر من 47 ألف مدرسة حكومية لذا فهى تحتاج لمزيد من القرارات الحاسمة في الفترة القادمة خاصة مع اقتراب العام الدراسي الجديد وذلك للحد من استغلال التلاميذ في الترويج لفكر الجماعة. فرصة ثمينة الدكتور كمال مغيث، باحث بمركز البحوث التربوية وعضو مجلس ادارة المعاهد القومية، يؤكد أن الاخوان منذ بداية نشأتهم اهتموا بالتعليم انطلاقاً من فكرة أن التدريس يمكن أن يتحول لدعوة تروج لفكر الجماعة، هذا فضلاً عن أن قادتهم التاريخيين كانوا تعليميين، فقد درس حسن البنا وسيد قطب اللغة العربية، لذا فإن المدرسة تعد فرصة ثمينة لنشر دعوتهم بدون تكاليف أو جهد، فالأمر لن يكلفهم عناء البحث عن الاطفال أو المكان، هذا فضلاً عن أن المناهج التي يتم تدريسها في تلك المدارس تتبنى تاريخ الجماعة حيث يقومون بتحويل الأنشطة المدرسية الى أنشطة دينية، وتحفيظ قرآن، كما يتم صبغه تحية العلم بروح الإخوان، وتمتلئ المدارس باللافتات الاسلامية، ويقول: لم يلتزم الاخوان بالقرار الوزاري الذي يحدد التزام المدارس الخاصة بالمناهج الرسمية للوزارة، فأصبح المناخ المدرسي أهم من المقررات الدراسية، وانتشرت هذه المدارس في الآونة الأخيرة، حتى وصل عدد المدارس التي اعترف بها محمد السروجي المتحدث الاعلامي لوزير التعليم في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي الى 60 مدرسة يتم إدارتها بأموال الجماعة، لكنها تفوق هذا العدد بكثير فهناك مدارس اسلامية تسير على نفس النهج، وقد بدأت تلك الظاهرة منذ ما يقرب من 20 عاماً، وتشترط المدارس التابعة للإخوان أن يكون المدرس إخوانياً، والمدرسات محجبات، ويستبعد غير المحجبات والمسيحيين أيضاً، وفي حالة إرسال الوزارة لمدرسة غير محجبة يتم رفضها بأي «حجة» بادعاء أنها غير منتظمة أولا تقوم بعملها كما ينبغي حتى يتم استبعادها، وتتراوح مصروفات تلك المدارس وخاصة التي يملكها عدلي القزاز وخيرت الشاطر، من 20 - 32 ألف جنيه سنوياً، وتتولى وزارة التربية والتعليم الاشراف على تلك المدارس لكن مع الأسف نجد أن الوزارة لديها ما يقرب من 37 ألف مدرسة حكومية تتولى الاشراف عليهن، وهذا عبء كبير، لذا فإن الاشراف يكون شكلياً وسريعاً، ولا أستبعد أن يكون هناك تآمر على الاشراف الوزاري حتى لا يذهب للتفتيش مفتش مدني، فيتم إرسال مفتش اخواني حتى يوضح أن ما يحدث هو إعلام مضاد، لذا نحتاج في الفترة القادمة لاصلاح تلك المنظومة التعليمية، فأصول المواطنة تمنع استخدام المدارس في الترويج الطائفي والايديولوجي، ومن هنا يجب أن يتم تعديل قانون التعليم ليؤكد على مبدأ المواطنة، ويحدد اللوائح الوزارية والعقاب المناسب لكل من يستخدم المدارس في الترويج لأي مذهب طائفي، وتطبق الجزاءات مع عمل رقابة صارمة على الاشراف. الضبطية القضائية يقول د. حسن شحاتة - أستاذ المناهج بكلية التربية بجامعة عين شمس وعضو المجالس القومية المتخصصة - إن المدرسة لابد أن تكون محايدة بعيدة عن التيارات والأحزاب السياسية، فالمعلم والمنهج والمتعلم، هذا المثلث لابد أن يكون بعيداً عن أية انتماءات حزبية فنحن نقوم بالتعليم من أجل مصر وثقافة المجتمع هى جزء أساسي من بناء المنهج. وقد حدث في الفترة الأخيرة أن جاءت بعض القيادات التربوية التي تنتمي لحزب الحرية والعدالة، ونظراً لخطورة هذا الأمر، فقد استبعد الدكتور محمود أبو النصر «وزير التعليم»، كل هذه القيادات ووضع قيادات جديدة تعمل من أجل الوطن وليس من أجل حزب، ومما يلفت النظر هو أنه في عصر مبارك ثم مرسي، كانت هناك بعض الموضوعات في التاريخ اللغة العربية والتربية القومية كانت كلها تضع معلومات مغلوطة، وكذلك معلومات تعطي لحزب قيمة عليا وتساعد على تزييف وعي الطلاب، كما حدث في الماضي باعلاء قيمة للحزب الوطني وإنجازاته، وإنجازات الرئيس مبارك، ثم بعد ذلك تحول الأمر الى إنجازات الجماعة الاسلامية والتركيز على رموزها خاصة في مادة التربية القومية، والمطلوب الآن هو وضع استراتيجية جديدة للتعليم المصري في ضوء ثورة 25 يناير وثورة التصحيح في 30 يونية، فلدينا مليون و300 ألف معلم في 35 ألف مدرسة يقدمون مادة تعليمية ل 18 مليون طالب، وقد تمت بالفعل تنقية المناهج الدراسية من الموضوعات التي تزيف وعي الطالب المصري فالمدارس خط أحمر لا يمكن وضع فيها شعارات دينية أو الترويج لأفكار معينة أو صنع مناهج لها صلة بتيار سياسي معين. لذا تم وضع الضبطية القضائية لقيادات التعليم وللمعلمين بحيث يمتنع دخول أي ولي أمر أو طالب مشاغب كذلك منع ترديد الشعارات التي تهاجم ثورة 30 يونية، فضلاً عن القيام بفصل أي معلم أو طالب أو قيادة تعليمية تعمل لصالح فصيل سياسي معين. نشأة الإرهاب يقول د. حسين عويضة، رئيس هيئة تدريس جامعة الأزهر نائب رئيس الجامعة الأسبق: تكمن خطورة تلك المدارس ذات الميول الإخوانية في أنها تتعامل مع الأطفال منذ الصغر، ومرحلة الطفولة هذه يتم فيها تشكيل شخصية الطفل، فإذا تربي منذ الصغر علي قيم ومفاهيم معينة تظل راسخة في ذهنه، ويصعب تغييرها بعد ذلك، وفي هذه المدارس قد يتم زرع مبادئ التطرف والتشدد، فيصبح الطفل بعد ذلك قاسي القلب، تمت تربيته علي السمع والطاعة، ومن هنا ينشأ الإرهاب، باختصار أن الدولة تحتاج إلي حسم تلك المسألة، بمعني أن يتم تفويض وزارة التربية والتعليم في إدارة تلك المدارس وتحويلها إلي مدارس تجريبية، مع التأكيد علي أن يكون مدرس الدين من خريجي الأزهر، كما أن مادة التربية الدينية يجب أن تتم مراجعتها من الأزهر الشريف حتي يتم تعليم الدين الإسلامي الصحيح بوجهه الحضاري المشرق، باختصار يجب أن تحكم الدولة سيطرتها علي تلك المدارس حتي لا يتم استغلالها بطريقة خاطئة وتكون منبعاً للإرهاب فيما بعد. تشديد الرقابة أيمن البيلي - ناشط وباحث تعليمي - يقول: عندما ألغي الرئيس المخلوع حسني مبارك نظام التكليف فتح باب الاستثمارات وعلي رأسها التعليم، فصدر قانون إنشاء المدارس الخاصة والأهلية، ومن هنا بدأ الإخوان في التسلل باستثمار أموالهم في هذا المجال لكونه مربحاً ولضمان السيطرة علي فكر الأطفال والأجيال من خلال المدارس وإن كان القانون يخضع هذه المدارس بتدريس مناهج الوزارة، إلا أن تراكم الفساد في الحكومات المتعاقبة أدي إلي تدريس مناهج صورية بها، لكن فكر التلاميذ يتم بناؤه علي نظم التربية التي اعتادوا عليها، التي تتبني فكر حسن البنا، ثم تحولت الفكرة إلي استثمار ضخم، فقام كل قيادات الجماعة بإنشاء مدارس، التي يعد أشهرها مدرسة «المقطم» التي يملكها عدلي القزاز، ومدرسة «الجيل المسلم» ويملكها محمد السروجي، ومدرسة «الروضة» لمالكها أحمد الحلو، وغيرها، وقد وصل عددها في أواخر عهد الوزير الإخواني إبراهيم غنيم إلي 61 مدرسة، بعد أن كانت نحو 41 مدرسة قبل مجئ الإخوان للحكم، هذا بالإضافة إلي 12 مدرسة دولية لابنة خيرت الشاطر ومحسن راضي والقزاز، وجميعها تحمل أسماء إسلامية، وقد سعوا للتوسع في بناء المدارس من أجل ضمان خط دفاع أول يؤمن بأفكارهم من تلك الأجيال الناشئة. أما عدد مدرسي تلك المدارس فقد تخطي ال 50 ألف مدرس وإداري، يعمل أغلبهم بعقود سخرة، حيث تنص بنود العقد علي «أنه من حق إدارة المدرسة إنهاء التعاقد مع المدرس بدون إبداء أي أسباب، ليظلوا بذلك خاضعين للإدارة، ومع الأسف يعد هذا النوع من التعليم أحد أهم أسباب انهيار المجتمع، ومن هنا نناشد الحكومة والوزارة باتخاذ قرارات للحفاظ علي الهوية الوطنية من خلال دعم التعليم الحكومي، وتفعيل الرقابة والإشراف علي المناهج الدراسية بتلك المدارس، وزيادة موازنة التعليم وإلغاء المدارس الدولية، لأن التعليم حق لكل مواطن كما كفله الدستور، فلا شك أن تلك المدارس سوف تستمر كما هي، لكننا نأمل أن تتخذ الوزارة مجموعة من الإجراءات في الفترة القادمة للحد من هذه المدارس وإخضاعها للرقابة الصارمة لكي تلتزم بالمناهج والخطط الدراسية، ولكي يعود بها النشيد الوطني في طابور الصباح ويرفع علم مصر بها، فتجفيف هذه المنابع سيحمي أبناءنا من تلك الأفكار التي يدعو إليها الإخوان في مدارسهم.