وسط طوابير الزحام التي لا تنتهي يومياً أمام مستودعات البوتاجاز بوجوه شاحبة يملئها الحزن وفقدان الأمل، أصبح الحصول على اسطوانة بوتاجاز رفاهية للمواطن يحصل عليها بعد عناء شديد ، لسيطرة الفتونة والبلطجة في الحصول عليها فيكون البقاء للأقوى والأشرس ، فقد يتطور الأمر لحدوث اشتباكات وصراخ لشدة الزحام، فهناك من يأتي لأكثر من مرة للحصول على اسطوانة بوتاجاز مدعمة يحصل عليها ب10 جنيهات لعدم القدرة على شرائها بقيمة تصل للأضعاف تتراوح من 40 :70 جنيه ، فيضطر المواطن للوقوف بالساعات وأحيانا بأيام للحصول على أبسط حقوقه ولكن بشكل غير أدامى لا يحفظ كرامته أمام جهات وحلقات مختلفة تساهم فى غلاء سعرها أمام المواطن وهى جهات المصالح "فعندما تريد أن تعرف سبب الأزمة أبحث عن صاحب المصلحة"، فمن خلال بحثنا أو بأحري رحلتنا مع أنبوبة البوتاجاز منذ تعبئتها داخل الشركة مرورا بالتوزيع إلى صاحب المخزن ثم إلى التاجر أو مخزن من الباطن وبعدها المستهلك، تعرفنا على حلقات المصالح المشتركة . البوتاجاز أزمة كل شتاء يستغلها كل طرف لتحقيق المصالح بداية من المصنع لصاحب المخزن الذى يبيع نصف الحصة واحيانا حصص بكامها لتجار أو مستودع من الباطن بسعر يتراوح من 15:20 جنيه، موفراً على نفسه المال والجهد والوقت فقد يأخذ حصة ويقوم بييع حصتين ، فيزيد التاجر من سعرها لتصل إلى 40 و60 جنيه وتختلف سعرها من منطقة لأخرى حسب المخازن المتواجدة فى المنطقة أو المحافظة والضغط على المستودع ، ففى الوقت التى تحدد وزارة التموين سعر الاسطوانة 6 جنيهات تبيع الشركة الاسطوانة لصاحب المخزن ب6 جنيه وربع ، وكما تحدد التموين بيعها فى المستودع ب8 جنيه فى الوقت الذى تباع ب10 جنيه، ولم تتحكم الوزارة فى التجار والسريحة فتباع بسعر يصل إلى 70 جنيه.
فمن داخل أحدى مصانع شركة الغازات البترولية "البتروجاز" التى تشمل 7 ألاف عامل ، وهو مصنع " مستورد بتروجاز"، الذى يقع فى المنطقة الجغرافية البترولية بشبرا بمحافظة القليوبية ويخدم المحافظة ومناطق من محافظات القاهرة الكبرى ، والذى يبلغ مساحته حوالى 20 فدان ، تقدمنا بدخول المصنع وسط أجراءات من الأمن الصناعى لتأكد من سلامة سيارات التحميل ، حيث يوجد به منافذ خاصة لبيع أسطوانات البوتاجاز ب8 جنيهات، فالمصنع يتولى عملية تعبئة اسطوانة البوتاجاز وذلك بالمرور على عدة خطوات لتعبئتها بداية من الفرز لقسم ميزان التعبئة الذى يوجد به صنية كبيرة وبه ميزان حساس يتم وضع فوقها 24 أسطوانة بعد فرزها وتدور لدقيقة واحدة فيتم تعبئة 24 أسطوانة فى دقيقة واحدة وقد تزيد مع تقليل السرعة أى 1400 أسطوانة بوتاجاز تنتجها الشركة فى الساعة الواحدة ، ثم تمر على المسدس لجبس الغاز داخل الأنبوبة وغلقها ، فقد يصل وزن الأنبوبة فارغ إلى 18 كيلو وبعد تعبئها إلى 30 كيلو وهو الميزان الصحيح إذا لم يتم تخفيض النسبة كما يحدث فى بعض شركات القطاع الخاص والتى تصل إلى 27 كيلو ، ثم تمر على جهاز لتأكد من غلق البلف ويتم تركيب الطبة فى المحبس ثم تمر على ميزان ألكترونى لتأكد من وزنها ثم جهاز كاشف الغاز لتأكد من عدم تسربها ثم حوت المياه لتأكد منها ، إلى أن تصل إلى سيارات المخازن، ويتم تحميل الحصة بمقدار يترواح من 300:400 أسطوانة للحصة الواحدة ، وقد تحصل مستودعات على حصتين أو ثلاث حصص يوميا حسب المنطقة السكانية وحسب كمية الغاز المتوفرة .
وتتم كل هذه الخطوات فى دقائق بسيطة فيتم فى الساعة الواحدة أنتاج 1400 أسطوانة وقد تزيد ويتم تفريغ سيارات النقل وتعبئها بأسطوانات فى وقت يقل عن نصف ساعة ، فى أطار عمل متواصل يستمر لمدة 24 ساعة داخل الشركة . فقد تحدث معنا أحد عمال أحدى شركات البتروجاز رافضا ذكر أسمه عن عمليات التعبئة والتوزيع والقصور ، قائلا:نحن فى المصنع نقوم بتعبئة الأسطوانة بمقدار 12 كيلو أى يصل وزن الأسطوانة بعد التعبئة 30 كيلو وتمر بعمليات دقيقة لوصولها إلى سيارات المخازن ، وأن هناك ثلاث مصادر لتوزيع على مستوى شركة الغازات البترولية بعد الخصخصة وعن السابق التى كانت عربات الشركة من تقوم بالتوزيع فتضمن وصول الحصة فى المستودع دون بيعها لمستودع اخر فى الطريق ، فأصبح التوزيع الآن يتم بداية من شركة "بوتاجازكو" وهى من تتولى عملية التوزيع لمخازنها على مستوى المحافظات ،ثم نقوم بتوزيع على مستودعات الأهالى بالكوبونات ويكون لها 3 حصص فى اليوم أى من 1000:1400أسطوانة فى اليوم ، كما نقوم بالتوزيع على مخازن الحكومة وقد تكون فى مخزن بورسعيد والسلام والنهضة وغيرها فى حصة تترواح ما بين 3 ألاف :4 ألاف اسطوانة، ويتم بيعها ب6 جنيه من الشركة لجهات التوزيع ، ومن المفترض أن يشرف مباحث التموين على وصول الاسطوانة من الشركة إلى المخازن بالكميات المحددة فقد لا تصل حصص إلى المخازن من الأساس لبيعها لمستودعات فى محافظات أخرى من الباطن أو تجار فى السوق السودا مما يسبب تفاوت الأسعار من مكان لأخر بين التجار .
وفيما يتعلق بمعدل أنتاج أسطوانات البوتوجاز داخل الشركة وتأثيرها على الأزمة فأضاف أن شركة مستورد قل أنتاجها عن السابق لقلة ضخ الغاز المندفع من السويس وأسماعيلية ، مؤكدا أن المصنع يعمل لمدة 24 ساعة عكس الصيف الذى يصل إلى نصف يوم وينتج من 40ألف :45 ألف اسطوانة فى اليوم ، بما يقل عن السابق الذى وصل إلى 60 ألف أسطوانة فى اليوم الواحد، وأن هناك مشكة فى ضخ البوتوجاز برغم من وصول كميات من الأمارات والسعودية عن طريق البواخر ولكن التأخير يتسبب فى قلة الأنتاج ومن ثم قلة الحصص للمخازن ، ولكن هذه النسبة لا تسبب الأزمة الحالية .
وتابع أن مسبب الأزمة حلقات التوزيع بدون رقابة من التموين والتى قد تتزايد فيها علاقات المصالح المشتركة وقد تبدأ من بعض المصانع الخاصة والتى تشرف عليها شركة الغازات البترولية والتى تقوم بتعبئة الأسطوانة بنسبة 75 % للاستفادة ، ثم إلى مصادر التوزيع فصاحب المخزن قد يقوم ببيع الحصة من الباطن لمخازن أخرى لا تتعامل مع الشركة لعدم دفعها التأمين الذى يصل إلى 200 ألف جنيه ، بسعر أعلى يتراوح من 15 :20 جنيه للأسطوانة ، ثم يقوم التاجر الأخر ببيعها لتاجر أقل" السريحة" فى السوق السودا ب30 جنيه فى محافظة أخرى ويقوم الأخر ببيعها للمستهلك ب60 :70 جنيه وخاصة فى محافظات الشرقيةوالفيوم والمنوفية ومرسى مطروح التى يقل فيها المخازن وفيشترى التاجر او صاحب مخزن من الباطن حصص مخازن قليلة الضغط، علاقة صاحب المستودع والسريح مصالح شخصية لأنه من يشترى منه فى الصيف أكثر من نصف الحصة فهو أولى .
واستطرد :"أن الشتاء لم يسبب الأزمة الراهنة ولم يأثر على كمية ضغط البوتاجاز ولكن عدم وجد غاز وعدم الرقابة هو الأهم ، ففى الشتاء يتزايد استهلاك مزارع الدواجن لأسطوانات البوتاجاز وقد تستهلك كل مزرعة 40 أسطوانة فى اليوم فقد يقوم صاحب المخزن ببيع الحصة لمزارع الدواجن، وقد يقوم السريح بسحب غاز من اسطوانة البوتاجاز الذى يبيعها لملىء البوتوجاز الصغير" الشعلة الصغيرة" بكمية تتراوح من كيلو: 2 كيلو ويبعها ثم يقوم بتركيب الطبة للاسطوانة وبيعها للمستهلك ب40 او 50 جنيه حسب المنطقة .
وعن هرم أسعار اسطوانات البوتاجاز وأختلفها من محافظة ومكان لأخر بتحديد من السوق السودا فأوضح أن محافظات الصعيد وأسيوط والفيوم ومرسى مطروح يوجد بها مصانع خاصة محدودة وقد تقوم بالاعتماد على محافظات أخرى مثل الاسكندريةوالجيزة فيقوم مخزن فى الجيزة قليل الضغط بالبيع لمخزن فى الفيوم بسعر يصل إلى 20 جنيه للاسطوانة فيقوم التاجر ببيعها فى الفيوم ب50 و60 جنيه، فهناك 8 مصانع على مستوى الجمهورية تابعة لشركة الغازات البترولية لتعبئة البوتوجاز وهم مستورد، القطامية،طنطا، قوسنا ،اسكندرية ،اسيوط ،السويس ،المنيا ، كما يوجد مصانع خاصة تحت إشراف الشركة فى محافظات الشرقية، ومرسى مطروح المنصورة، الفيوم،وأسوان فقد تزيد الاسعار بشكل أكبر فى محافظات المصانع الخاصة لأن لها تجارها ومخازنها التى تخدمها .
ومن خلال رحلة الأنبوبة توصلنا إلى أنه بعد تحكم رجال الحزب الوطنى فى توزيع البوتاجاز ومن بعدهم رجال جماعة الإخوان بأخذ حصة المخزن وبيعها بسعرها او يزيد قليلا ، الآن المتحكم فى الأسعار السريحة ومخازن الباطن التى تشترى من مخازن الأهالى او الشركات وقد تبعها لسريحة فتصل إلى 60 جنيه ، وقد تكون المخازن بعيدة فتأخد حصة واحدة فقد ويتم تركك الأخرى، أو بيعها لمخزن أخر بسعر أعلى .
فبدون رقابة التموين على وصول حصص البوتاجاز للمخازن تزيد الأزمة وذلك فى مقابل مادى قد يصل لكارت شحن ب100 جنيه أو مبلغ مااادى ، وذلك ما أكده المواطنين ومعظم السريحة والتجار .
فقد انتقلنا فى رحلتنا من شركة البوتاجاز للمستودع فقد تحدثنا مع الأهالى أمام مستودع بمنطقة شبرا حيث اشتكى الوافقين من عدم وجود اسطوانات البوتاجاز ووقوفهم بأيام وساعات ومجيئهم أكثر من مرة لشرائها من المخزن ب10 جنيه، لتغلب على غلاء سعرها من التجار والتى تصل فى منطقة شبرا إلى 50 جنيه، حيث قالت أحدى السيدات:" واقفة من الفجر عشان اشترى الانبوبة ب10 جنيه انا مقدرش اشتريها ب40 جنيه مفيش طابور كله بالفتونة، والقوى هو اللى ياخد الأنبوبة مرة واتنين ، كمان صاحب المستودع بيبعها لاصحابه من التجار قدام الجميع"، فعلى مرىء الجميع يقف السريحة والتجار بعربات النصف نقل ، والتروسيكل ويحملون عليها حولى من 10 :20 أنبوبة بسعر يصل إلى10 جنيه ، ومنهم من يحصل على 200 اسطوانة أو ما يزيد بسعر يصل إلى 15 جنيه واحيانيا 25 جنيه، ثم يقوموا ببيعها ب50 جنيه،
وأضافت سيدة أخرى :" مفيش تموين ولا حد بيراقب ، موظفة التموين واقفة من غير لازمة بتاخد فلوس من صاحب المخزن كله بيستفيد من بعضه ومفيش حكومة أصلا والشعب هو اللى بيعانى ناس بتنجرح وبتنفتح راسها عشان تغير أنبوبة بوتاجاز والتجار ماسكين سنج ومطاوى كله بدراع
فى الوقت الذى تحدث معنا صاحب المستودع "شعبان أحمد على"، ليدافع عن نفسه قائلا:" المشكة مش من المخزن المشكلة من المصنع مش بناخد الحصة كاملة، مؤكدا انهم من المفترض اخد حصة تصل إلى 800 أنبوبة وهم يأخدوا 400 أنبوبة فقد ، وانهم الشهر السابق كان من المفترض أخد 58 نقلة ولكن نقصت 11 نقلة ، وأن الشركة لها مخازنها الخاصة التى تكون لها الأولوية عنا.
وأضاف تزايد الاستهلاك على البوتاجاز وخاصة فى الشتاء وخاصة أن المحلات والورش والقهاوى والمطاعم ومزارع الدواجن تستخدم اسطوانات البوتاجاز نظرا لغلاء الأسطوانات التجارية مما يزيد الاقبال، الحكومة هى سبب الأزمة مفيش حصص كاملة كان الإخوان والحزب الوطنى بياخدوا نقلتين فى الاسبوع ويتولوا توزيعهم بأسعار عادية ، سبب الأزمة أنه مفيش رزق لتاجر والسريح فيبيغلى عشان يستفيد لأنه بيشتريها غاليه، السريح زبون دائم لصاحب المستودع بيشترها ب10 جنيهات ويقوم ببيعها ب30 جنيه ودى مصالح شخصية ولما بيشترها ب25 جنيه يبعها ب60 جنيه .
فقد توصلنا أيضا لوجود مخازن من محافظات أخرى من الفيوموالجيزةوالشرقية وبنى سويف تقوم بشراء حصص مخازن محافظات أخرى وذلك يتم أمام شركات الغاز أمام مرىء الجميع ويبيع المخزن حصته كامله قبل وصولها للمستودع بسعر يصل ل25 جنيه فيقوم التاجر ببيعها فى محافظتة بالضعف 60 جنيه، وذلك يقوم به معظم المستودعات التى لا يوجد بها رقابة تقوم ببيع حصاصها لمخازن اخرى فى الباطن وذلك يفسر غلاء سعرها فى بنى سويف لتصل إلى 70 جنيه
وفى مستودع "بنى سيرة" فى منطقة مصر القديمة والذى يتصارع حوله المواطنين للحاق باسطوانة بوتاجاز مع تواجد التجار والسريحة بعرابتهم والتى يتم تحملها باسطوانات أمام مرىء الجميع ، أو وقوف بعض السريحة عدة مرات فى الطابور لاخذ الاسطوانة 10 مرات ب10 جنيهات ثم بيعها بسعر يصل ل50 جنيه ، فقد أكد البعض أن سعرها وصل إلى 50 جنيه فى منطقة البساتين وفى الوراق وصلت إلى 45 وفى منطقة السيدة عائشة ل60 جنيه وكل المناطق المحيطة ترواح سعرها ما بين"40:60" و70 جنيه فى محافظات بنى سويف والفيوم ، وقد قال أحد المواطنين من أحدى قرى محافظة القليوبية ويقف فى طابور البوتاجاز فى السيدة عائشة ليغير أنبوبة البوتوجاز لعدم فتح المستودع فى منطقتهم وبيع صاحب المستودع الحصة فى الباطن فجاء وتحمل مشقة السفر من القليوبية للجيزة .
فهكذا نجد الأزمة وحلقاتها المتعددة التى تستفيد وتدور فى حلقة واحدة كترس لا يستطيع أحد الخروج عنه بداية من المصنع لصاحب المخزن لمخزن من الباطن لتاجر "السريحة" مع عدم وجود مباحث التموين والرقابة فيقوموا بدهس المواطن داخل الترس ليدفع ثمن غباء الحكومة وجشع التجار وتحكمهم فى الأسواق .