قد لا تتعاطف مع أحمد قذاف الدم، أحد رجال القذافى المقربين وأحد أعضاء الخيمة، لأنه كان شريكا فى كثير مما فعله العقيد المقتول، لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى سوء ما فعلته مصر معه، من قبض وتحقيق وبيع كامل، حيث وصل الثمن إلى ما يقرب من 3 مليارات دولار تحصل عليها مصر كوديعة. أحمد قذاف الدم يصر على أنه غسل يديه من دم الليبيين عندما غادر طرابلس وأعلن انشقاقه عن القذافى الذى يقتل شعبه، لكن أحدا لا يصدقه، لأنه كان قد تورط فى مساوئ نظام القذافى حتى قدميه.
لقد طلب قذاف الدم اللجوء السياسى من المشير طنطاوى عندما كان المجلس العسكرى هو الذى يدير شئون البلاد، لكن طنطاوى لم يجبه لا بالإيجاب ولا بالنفى، تركه معلقاً، فلا هو أراد أن يخسر الشعب الليبى الذى قام بثورة ضد العقيد، ولا هو خذل الرجل الذى لعب أدوارا مهمة فى مصر بأن طرده من البلاد، رغم أن قذاف الدم وبسبب علاقاته فى مساحة تجارة السلاح، كان يتاح له أن يذهب إلى أى مكان ويلقى الترحيب الكافى.
فى الشهور الأخيرة كان قذاف الدم يريد أن يخرج من مصر، طلب السفر أكثر من مرة، لكن طلبه قوبل بالرفض، وهو ما جعله يشعر أنه يتم تخزينه ليستخدم فى صفقة، وقد أعلن لمقربين منه أنه يتوقع القبض عليه سرا وتسليمه إلى السلطات الليبية دون الإعلان عن ذلك، كما حدث مع منصور الكيخيا تماما الذى سلمه مبارك للقذافى ثم عاد ليقول إنه اختفى من مصر.
لكن ما جرى كان عكس ذلك تماما، فقد قاوم قذاف الدم القوة التى ذهبت للقبض عليه، وحاصرت الفيللا التى يسكنها فى الزمالك، وهى بالمناسبة نفس الفيللا التى تسكن فيها هدى عبدالناصر، ومن المفارقات أن قذاف الدم كانت عليه حراسة من وزارة الداخلية، بما يعنى أنه كان فى حماية الدولة رسميا.
السوء فيما جرى، وهو سوء يصل إلى درجة العار، أن مصر غدرت بقذاف الدم، وهى الدولة التى لم تغدر أبدا بمن لجأ إليها من أيام محمد على، إلا فى صفقات شبيهة، وأهمها صفقة مبارك مع القذافى لتسليم الكيخيا، وهو ما يؤكد لنا أن حكم الإخوان لا يختلف فى شىء كبر أم صغر عن نظام مبارك.
ثمن الصفقة ليس مغريا على الإطلاق، إذا قارنا الثمن بأخلاقيات وقيم بلد عريق مثل مصر، 2 أو 3 مليارات دولار لن يقدموا مصيرا للشعب الذى ينهار اقتصاديا.. ولا أدرى لماذا غفل النظام عن قيمة شعبية مهمة هى «تجوع الحرة ولا تأكل بتسليم قذاف الدم».
لكن على أية حال قذاف الدم ليس مهما بالنسبة لى على الإطلاق.. فقد ارتكب فى حياته ما يجعله يقابل مصيره بصدر رحب، لكن الأزمة الآن فى الجالية الليبية بمصر، وهى الجالية التى تصل طبقا لمصادر من داخلها إلى مليون ليبى استقروا فى مصر منذ الثورة.
الآن هناك قائمتان، الأولى مصدرها الإنتربول وبها مائة ليبى مطلوب تسليمهم، وهؤلاء إعلاميون وسياسيون ورجال أعمال ومفكرون، أما القائمة الثانية فتضم 270 ليبيا، ويبدو أن النظام الليبى الجديد هو الذى أعدها، لأنها تشمل أعضاء فى اللجان الشعبية السابقة وبعض حرس المسئولين وضباط جيش وداخلية سابقين، وهؤلاء يلح النظام الليبى على استلامهم.
يعلن هؤلاء أنهم نزحوا إلى مصر هربا من ضربات حلف الناتو، وشعروا أن مصر أمنهم وأمانهم، لكنهم الآن يعيشون فى رعب من أن يتم تسليمهم.
مساء الثلاثاء الماضى تلقيت بيانا من أبناء الجالية الليبية فى مصر، جاء فيه أنه فى الذكرى الثانية لهجوم حلف الناتو على ليبيا فى 19 مارس 2011، فوجئوا بمداهمة بيوت بعض الليبيين المهجرين قسرا وإلقاء القبض عليهم من غير سابق علم أو إنذار بعد منتصف ليلة 18 و19 مارس، وهو أمر مخالف للقانون المصرى والقوانين والأعراف الدولية.
ويذكر أبناء ليبيا أنهم بعد لجوئهم إلى مصر تقدموا إلى السلطات المصرية ممثلة فى المجلس العسكرى شارحين ظروفهم وحاجتهم إلى اللجوء والأمان وتم وعدهم رسميا بالإقامة فى مصر طبقا للقانون، كما أن لجنة المهجرين وبعد التشاور مع زملائهم فى دول الجوار تقدموا بمشروع لحل الصراع فى ليبيا يخير السلطة المؤقتة بين الحوار والمصالحة الوطنية أو تحمل مسئولية الحرب الأهلية، وبالفعل رعت السلطات المصرية جلسة أولية للحوار يوم 26 مايو 2012 بين وفد من المجلس الانتقالى فى ليبيا ووفد من قيادة المهجرين، لكن الحوار لم يستمر لتراجع سلطات ليبيا المؤقتة.
ويعيب الليبيون المهجرون أنه وبدلا من استمرار بذل الجهود السلمية من خلال الحوار، وجدوا أن السلطات الليبية تبذل كل جهودها من أجل الضغط على السلطات المصرية لتسليم أبناء ليبيا المهجرين قسرا بحجج واهية وغير مؤسسة على صحيح القانون.
لقد كشف بيان الجالية الليبية ما تعرض له إخوة ليبيون تم القبض عليهم وتسليم بعضهم ومنهم آخر سفير لليبيا بمصر وأحمد قذاف الدم وعلى ماريا ومحمد على، وقالوا إن ما جرى لا يمكن تغطيته بمذكرات الإنتربول غير الملزمة لمصر لأن تلك المذكرات تصدر من فرعها فى ليبيا بأمر من الميليشيات القابضة على زمام الأمور هناك، ومن بين ما يذكر أن النائب العام الليبى عبدالعزيز الحصادى استقال من عمله نتيجة منع الميليشيات المسلحة له من أداء عمله.
يلتمس الإخوة الليبيون ألا تقدم مصر على تسليمهم، ليس لأن فى الأمر مخالفة لكل قوانين حقوق الإنسان ومواثيقه الدولية، ولكن لأن هذا الأمر لا يليق مطلقا بدور مصر وسمعتها باعتبارها أرض كل العرب تحترم دستورها وقوانينها التى لا تجيز تسليم اللاجئين وتعريض حياتهم للخطر .
يثق الليبيون فى السلطات المصرية، فهل ستكون السلطات المصرية أهلا لهذه الثقة أم أنها ستسقط فى هاوية صفقات العار من أجل حفنة دولارات.