عادت الاحتجاجات الفئوية لتطل بوجهها بقوة منذ نهاية فترة حكومة الدكتور حازم الببلاوي، وما تزال مستمرة مع حكومة المهندس إبراهيم محلب، فقد كشف تقرير مؤشر الديمقراطية التابع للمركز التنموي الدولي أن هناك 1044 احتجاجا خلال فبراير الماضي، وأن 58% منها للمطالبة بحقوق اقتصادية. ودعا محلب، في أول أيام توليه منصبه, إلى وقف الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات الفئوية، وتعهد بحل عاجل يرضي جميع الأطراف، ولكن هل هذه الدعوة والتعهدات وحدها كافية لوقف والاحتجاجات الفئوية؟. والإجابة من وجهة نظري بالطبع لا, وعلينا أن نعترف بأن هناك ميراثا هائلا من انعدام الثقة بين الحكومة والعمال بجميع فئاتهم، نظرا لكثرة الوعود التي يتلقونها دون تنفيذ على مدى الحكومات المتعاقبة خلال ال 40 عاما الماضية أو ما قبلها. ولعل لنا في تطبيق الحد الأدني مثال واضح، فبعد طول مماطة من حكومات ما بعد ثورة 25 يناير، بشرت حكومة الببلاوي الشعب تطبيق الحد الأدنى للأجور في يناير الماضي، ويا لها من بشرى سارة تحولت إلى كابوس، فقد فوجئ المصريون بأن الحد الأدني لم يطبق فعلا على العاملين في قطاع الأعمال العام، مما أشعل الاحتجاجات مجددا. وبدا واضحا أن الحكومة تحاول تحقيق مجرد إنجاز ولو بالإسم فقط، بالإدعاء بأنها نفذت الحكم القضائي الخاص بتطبيق الحد الأدني للأجور، فهى لم توضح على من ستطبق الحد الأدنى أو كيفية تسوية أوضاع من يتجاوز أجرهم الحد الأدنى مع مراعاة أقدميتهم أو مؤهلاتهم الدراسية. وهنا تكمن مسئولية حكومة محلب في تصحيح هذا الخلل الواضح في التطبيق، خاصة أنه صاحبة موجة ارتفاع في الأسعار، التي تبدو كالوحش يبتلع أي زيادة محتملة في أجور محدودي الدخل. وربما كان من الأفضل أن تتأني الحكومة السابقة في تطبيق الحد الأدني مع السعي بقوة في ضبط الأسعار، وتوفير السلع والاحتيجات الأساسية للمواطنين بأسعار مناسبة. وهناك أيضا سؤال قديم وجديد يفرض نفسه، لماذا لم يتم تطبيق الحد الأقصى للأجور، ألم يكن من الأجدر بالحكومة أن تبدأ بتطبيق الحد الأقصى الذي يوفر لها بعض التمويل للحد الأدنى. وما زاد "الطين بلة" أن الحكومة عندما ناقشت إمكانية تطبيقه، طلبت العديد من الهيئات والجهات الحكومية استثنائها من تطبيق الحد الأقصى، مما يفرغ هذا القرار من مضمونه ويلقى بشكوك حول تطبيقه فعلا. وللأسف يبدو أن هناك عدم جدية أو إرادة سياسية حقيقية لدى أي حكومة لتطبيق الحد الأقصى، وكأنها تواجه جماعة ضغط خفية (لوبي) يعرقل أي تحرك في هذا الاتجاه، وقد ظهر ذلك جليا خلال الخلافات حول آليات التطبيق وما إذا كان سيتم حساب الحد الأقصى على أساس سنوي أم شهري. وبالمنطق البسيط، ألم يتم تطبيق الحد الأدنى على أساس شهري؟، فكيف لا يتم تطبيق الحد الأقصى على نفس الأساس؟، هذا إذا كانت هناك نية حقيقية لتطبيقه وليس مجرد استهلاك للوقت ومحاولة احتواء الغضب الشعبي من الفشل في تطبيق الحد الأدنى، وعدم تطبيق الحد الأقصى الذي حددته وزارة التنمية الإدارية في يناير الماضي ب 42 ألف جنيه شهريًا، وقالت إن 8500 موظف يتجاوزونه شهريا. والغريب أن ذلك يتزامن مع حملة إعلامية ممنهجة لشيطنة الاحتجاجات الفئوية، بدعوى عدم وطنية من يقفون وراءها لعدم صبرهم على الأزمة الحالية للبلاد، وكأنهم لم يصبروا كثيرا وأبدا، وهناك من يتهم جماعة الإخوان بتنظيمها لإسقاط نظام ما بعد 30 يونيو، هذا وإن كان في بعضه صحيحا، فلم يكن ليلقى أي صدى لو لم توجد مظالم حقيقية للمحتجين. وأخير، يتعين على الحكومة الحالية كسر هذه الحلقة المفرغة التي ندور فيها، باتخاذ إجراءات فعلية وليس مجرد وعود لم يعد يصدقها أحد، كما يتعين على الرئيس المقبل وحكومته التعامل بشكل شامل مع مشكلة المطالب الاجتماعية بوضع تصور شامل وهيكل جديد للأجور يتم تطبيقه خلال فترة محددة وبخطوات زمنية معينة، وذلك بالتزامن مع محاولة تحسين الأوضاع العيشية لمحدودي الدخل أو عدم زيادة تدهور أوضاعهم، أي باختصار بث الأمل في النفوس في أن المستقبل سيكون أفضل مع إخلاص الجميع في عمله.