امتلك الشاعر والكاتب جبران خليل جبران الذي تحل اليوم، الخميس 6 يناير، ذكرى ميلاده، أسلوبًا أدبيًا تميز به كثيرًا عن غيره من شعراء وأدباء عصره، حيث كان أسلوبًا مبتكرًا وجديدًا غير مألوف وصفه البعض بالغموض، فلم يلتزم بلونٍ أدبي وحيد، فكتب في جميع الألوان الأدبية، حيث نظم الشعر وألف الروايةَ والقصةَ القصيرة، وكتب كذلك المقالة التي تميزت بتنوع موضوعاتها ما بين الاجتماعي، والسياسي والفكري والفلسفي، وكان من الذين أبدعوا في فن الرسالة، فترك مجموعة من الرسالات التي تعج بالأساليب الأدبية والمواضيع المتنوعة، أما بالنسبة للموضوعات والأهداف التي كانت يدور حولها أدب جبران فهي متنوعة، جزء منها يدعو إلى القوة والتأثير في الدين والعقيدة والعادات، أما الجزء الآخر فكان يتبع الأهواء والميول وحب الحياة. كان جبران من أحد الأدباء العرب القليلين الذين كانوا لهم إنجازات باللغتين العربية والإنجليزية، وحقق نجاحًا كبيرًا في التأليف باللغة الإنجليزية، وأصدر عدداً من الكتب وصل إلى الثمانية، وذلك خلال ثمانية أعوام. تميز أسلوب جبران الأدبي بسلاسة الألفاظ، والبساطة في التعبير، وتوظيف كل الصيغ والأساليب اللغوية، والإكثار من استخدام الاستعارات والمجازات، ولعل أهم ما يميز أعمال جبران الأدبية الإبداع في فن التصوير، فنجد الكثير من الصور الفنية الجميلة الخيالية المليئة بالمعاني والعبارات العميقة تتغطى على أعماله الأدبية؛ لأنه فنان ورسام كان في البداية يصور الفكرة ثم يبدع في صياغتها. اعتمد جبران في أعماله الأدبية أسلوبين: الأول يتميز بالقوة والثورة على العقائد والعادات والدعوة إلى الحرية، والثاني امتاز بحب الاستمتاع بالحياة والدعوة إلى اتباع الميول، أما بالنسبة لجبران الشاعر فإنه لم يتبع الأسلوب الشعري التقليدي المحافظ المعروف في زمن العشرينات، فأسلوبه الشعري يلاحظ منه تأثره بالثقافة والأدب الغربي، كانت قصائده تطرح مجموعة من الأفكار، إذ عكس فيها الظلم والعبودية في المجتمع ودعا إلى الحرية والتمرد والقضاء على العادات التي تقضي على حقوق الإنسان وتكبله من التمتع بالحياة، وكان للرومانسية نصيب في أشعاره، قصائد جبران كانت تدور حول أكثر من موضوع كالوقوف على الأطلال، والوصف، والحكمة، والتقرير.
ميلاد جبران ومعاناته منذ الطفولة ولد جبران لعائلة مسيحية مارونية، كان والده يعمل راعياً للماشية، حتى فقد عمله لكثرة الديون المتراكمة عليه وانشغاله بلعب القمار وشرب الكحول، وكانت والدته هي "كاميليا رحمة"- ابنة الخوري اسطفان عبد القادر رحمة- التي أنجبته وعمرها 30 عاماً، لم يتلق جبران التعليم الرسمي، وكان يتعلم العربية والكتاب المقدس من كاهن القرية، وفي عام 1891 تم إلقاء القبض على والده وسجنه بتهمة الفساد المالي وتمت مصادرة جميع ممتلكاته، والشائع المتداول عن والد جبران وطباعه أنه كان فظاً سكّيراً، يسيء معاملة أفراد أسرته ويقسو على ولده - منذ سنواته الأولى- قسوة بالغة، أما عائلته التي بقيت مشردة عاشت فترة من الوقت في منزل أحد اقاربهم، وبسبب تصرفات الوالد غير المسؤولة ابتعدت العائلة عنه، حتى بعد خروجه من السجن بعد ثلاث سنوات إلا أن العائلة هاجرت إلى الولاياتالمتحدة في 25 يونيو 1895. اضطرت العائلة الفقيرة إلى بيع أواني المنزل بغية تأمين مستلزمات السفر، وحزمت أمتعتها متوجهة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، تحديداً مدينة بوسطن، استقرت عائلة جبران في حي الصينيين، أقدم أحياء المدينة وأضيقها، دخل جبران مدرسة قريبة، بالخطأ تم تسجيل اسمه في المدرسة خليل جبران، هناك، بدأت أمه العمل خياطة متجولة، كما فتح أخوه بطرس متجراً صغيراً، أما جبران فبدأ بالذهاب للمدرسة في 30 سبتمبر 1895، وضع جبران في صف خاص بالمهاجرين للتركيز على تعليمهم الإنجليزية، بدأ جبران بالتردد إلى مؤسسة خيرية تُعطي دروساً في الرسم اسمها "دنسيون هاوس"، حيث لفتت موهبته انتباه مساعدة اجتماعية ذات نفوذ عال اسمها "جيسي"، التي عرفته بدورها من خلال صديق لها إلى المصور الشهير "فريد هولاند داي"، الذي كان يدير داراً للنشر في بوسطن، حيث شجع جبران ودعمه في مساعيه الإبداعية، بدأ جبران بتزيين الكتب ورسم الصور الشخصية، في النهاية بدأ داي بتقديم جبران إلى أًصدقائه. في عام 1898 تم استخدام إحدى رسماته كغلاف لأحد الكتب، وكان قد أثار تردد جبران إلى أوساط "داي" قلق الأسرة، وازداد الأمر سوءاً بعد أن وقع جبران في شراك زوجة تاجر في الثلاثين من عمرها، حيث قل اهتمامه بالتصوير والعلم، وأوشك أن ينسى مشروع العودة إلى لبنان ليتعلم العربية ويتقنها، وعندما لاحظت والدته ذلك وأنه بدأ ينجذب إلى الثقافة الغربية قرروا إرساله إلى لبنان حيث سيكون بإمكانه أن يتعلم عن تراثه الشرقي.
العودة إلى بيروت وأول علاقة حب وفي 1898 عند سن الخامسة عشر، عاد جبران إلى بيروت ودرس في مدرسة إعدادية مارونية ومعهد تعليم عال يدعى الحكمة، درس جبران العربية على يد الخوري يوسف الحداد، لقد شكّل انتساب جبران لهذا المعهد وإقامته في بيروت فترة خصبة جداً وحافلة في حياته، حيث تعرّف في هذه المدينة على الرسّام "حبيب سرور"، وكان من أبرز رفقائه ومساعديه النحّات يوسف الحويّك والشاعر بشارة الخوري "الأخطل الصغير"، بدأ مجلة أدبية طلابية مع زميل دراسة، ثم انتخب شاعر الكلية. كان يقضي العطلة الصيفية في بلدته بشرّي ولكنه نفر من والده الذي تجاهل مواهبه، مما دفعه للانتقال للعيش مع ابن عمه. وجد جبران عزاءه في الطبيعة، وصداقة أستاذ طفولته سليم الظاهر، وهناك افتتن جبران بجمال "الست حلا الظاهر" ابنة الشيخ طنّوس، وهام بها هياماً حد التوله، ومن علاقة الحب بينه وبين حلا الظاهر استوحى منها روايته "الأجنحة المتكسرة" تحت اسم سلمى كرامة بعد عشر سنوات، لقد شكل صدور هذه الرواية عام 1912، حدثاً بارزاً في الأقطار العربية، كما أنه كان سبباً في تعارف جبران برجلين رافقاه طوال حياته: نسيب عريضة وميخائيل نعيمة. بقي في بيروت سنوات عدة قبل أن يعود إلى بوسطن في 10 مايو 1902، وقبل عودته بأسبوعين توفيت شقيقته سلطانة بالسل في سن الرابعة عشرة، وفي العام التالي توفي بطرس بنفس المرض وتوفيت أمه بسبب السرطان، وأما شقيقته ماريانا فقد عملت في متجر للخياطة.
أول معارض جبران في بوسطن وعلاقته ب ماري هاسكل كان جبران فنانًا بارعًا، خاصة في الرسم والألوان المائية، حيث التحق ب"مدرسة الفنون أكاديمية جوليان"، في باريس خلال الفترة (1908 إلى 1910)، حيث اتبع أسلوبا رومانسيا على الواقعية الصاعدة وقتها. وأقام جبران معرضه الفني الأول لرسوماته وهو في الواحد والعشرين من عمره في عام 1904 في بوسطن في استوديو دايز، وفي هذا المعرض التقى ماري هاسكل، وهي مديرة محترمة، حيث استمرت صداقتهما لبقية حياة جبران، وأنفقت هاسكل مبالغ كبيرة لدعم جبران وقامت بتحرير جميع كتاباته الإنجليزية. ولا تزال طبيعة علاقتهما غامضة، بينما يؤكد بعض كتاب السيرة أنهما كانا عشيقين ولكنهما لم يتزوجا بسبب اعتراض عائلة هاسكل. انخرط جبران وهاسكل لفترة وجيزة لكن جبران ألغى العلاقة، فلم ينو أن يتزوجها حيث كان له علاقات مع نساء أخريات، ولاحقاً تزوجت هاسكل من شخص آخر، واستمرت في دعم جبران ماليًا واستخدمت نفوذها لمتابعته ودعم حياته المهنية وأصبحت محررة له، وعرضته على الصحفية شارلوت تيلر وعلى أستاذة اللغة الفرنسية إميلي ميشيل التي أصبحت من أصدقائه المقربين. وفي عام 1908، ذهب جبران لدراسة الفن في باريس لمدة عامين، والتقى فيها شريكه في الدراسة الفنية وصديقه الدائم يوسف حويك، الطريق الدائري الأوسطي.. وتحديدا مسافة تقارب ثلاثة كيلومترات، بين المنحنى الخطر الذي يسبق نفق الموت المتواجد أسفل طريق الأوتوستراد وصولا إلى وادي حوف ومن ثم البدرشين. قرر جبران خليل عام 1912 أن يبدأ الكتابة باللغة الإنجليزية؛ لكي لا تقتصر مجموعة قرائه على متحدثي العربية فقط. كان أول منشوراته بالإنجليزية مجموعة نصوص من قصة "المجنون" في مجلة "the seven Arts"، ومنذ عام 1918 أصبحت معظم أعماله المنشورة باللغة الإنجليزية، صدر كتاب المجنون عام 1918، بعد أن فرغ جبران من كتابته ويحتوي على أربع وثلاثين مَثَل وقصيدة في خليط بين الشعر والنثر لم يكن رائجاً آن ذاك. في عام 1925 نُشر ديوان لشاعرة تدعى مدلين مايزن بعنوان "Hill Fragments" احتوى على خمس رسومات لجبران خليل. كان جبران خليل جبران عام 1963 قد كتب خمس تمثيليات مسرحية بالإنجليزية وعرضها على إحدى دور النشر، إلا أنها لاقت نقدا لاذعا بعد عرضها على أحد النقاد المختصين، ما حال دون نشرها، إلا أن اثنتين من منها قد نُشرتا لدى ناشرين آخرين عام 1964.