انطلق اليوم ملتقى الحوار السياسي الليبي، بدعم من بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا، في العاصمة التونسية. لقد حولت سنوات من عدم الاستقرار السياسي والصراع العسكري الداخلي الحاد ليبيا التي كانت مزدهرة ذات يوم إلى بلد على شفا كارثة إنسانية. ولهذا، تم استقبال المحادثات الأخيرة في جنيف وبوزنيقة، وكذلك الملتقى في تونس، بتفاؤل كبير من قبل المجتمعين الليبي والدولي، لكن هل يجب على الليبيين أن يعلقوا آمالهم على الملتقى التونسي، ومن الذي سيحدد المستقبل السياسي للبلاد؟ وبحسب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني ويليامز، فإن الهدف من المنتدى هو "إجراء انتخابات وطنية لاستعادة استقلال ليبيا والشرعية الديمقراطية للمؤسسات الحكومية". كما يعتزم الملتقى تشكيل سلطة تنفيذية جديدة وتحديد تشكيلة أعضاء المجلس الرئاسي. في 25 نوفمبر، نشرت بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا قائمة تضم 75 ليبيًا، من بينها شخصيات سياسية وعامة كان من المتوقع أن يشاركوا في الملتقى. فكان رد فعل الجمهور الليبي فوريًا، حيث أعرب الكثيرون عن معارضتهم لنتائج الملتقى؛ لأن بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا ضمت في الغالب ممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين وعددا من الشخصيات الذين تم تأكيد صلاتهم بالجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة مرارًا وتكرارًا. ومن الأمور المثيرة للقلق أيضًا أن المندوبين في المنتدى تم اختيارهم بشكل فردي من قبل بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا، وبالتالي، سوف يدعمون رؤية الأممالمتحدة للتسوية السياسية في ليبيا. أظهرت سياسة الأممالمتحدة في ليبيا على مدى السنوات التسع الماضية بوضوح رغبة المنظمة في المساهمة في تحقيق طموحات الولاياتالمتحدة في المنطقة. ولعل أبرز مثال على ذلك هو دعم الأممالمتحدة للتدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011، والذي انتهى بتدمير نظام الدولة ومؤسساتها ، فضلًا عن تهيئة الظروف الملائمة لانتشار الإرهاب والعصابات في ليبيا. ملتقى تونس لن يكون استثناءً فبعثة الأممالمتحدة تحتفظ بالحق في استبعاد المرشحين غير المرغوب فيهم للمجلس الرئاسي الجديد. وستحاول الولاياتالمتحدة ترقية فتحي باشاغا، عضو جماعة الإخوان المسلمين المرتبط بجماعات إرهابية والمتورط في الاتجار بالبشر، الى منصب رئيس الوزراء. وقدمت الولاياتالمتحدة بشكل منهجي كل الدعم الممكن إلى باشاغا، واكتسبت من خلاله السيطرة على ميليشيات طرابلس والوصول إلى موارد وزارة الشؤون الداخلية في حكومة الوفاق الوطني. إن تأمين مكان في السلطة لباشاغا سيسمح للولايات المتحدة بمواصلة السيطرة على الجماعات المسلحة في طرابلس والتأثير على الوضع السياسي الداخلي. في الوقت نفسه ، فإن تعيين باشاغا في منصب عام رئيسي في الحكومة الجديدة سيؤثر سلبًا على موقف ليبيا على المستوى الدولي. وأعربت العديد من الدول التي تلعب دورًا رئيسيًا في السيطرة على الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ، مثل مصر وروسيا ، مرارًا عن رفضها الكامل للمفاوضات مع باشاغا. إن ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي ينبغي أن يساهم اسميًا في تسوية سلمية للوضع في ليبيا، يشكل في الواقع منصة لتنفيذ الطموحات الأمريكية في المنطقة. وانتهت الكثير من المبادرات السياسية للتسوية الليبية بالفشل ، لأنها لم تعكس الاحتياجات الحقيقية للمجتمع الليبي، ولكنها سعت فقط إلى تحقيق أهداف اللاعبين الغربيين الرئيسيين. وقد استنفدت بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا والولاياتالمتحدة مصداقيتهما في صفوف الشعب الليبي، فإن محاولات حل الأزمة التي خلقوها بأنفسهم ليست أكثر من رغبة في السيطرة على الوضع في ليبيا. كما تُظهر الممارسة، لا ينتهي الأمر في ليبيا إلا بإشعال صراعات دموية جديدة. ولهذا السبب، من أجل تحقيق السلام في ليبيا ، من الضروري إجراء حوار داخلي بعيدا عن التدخلات والضغوط الأجنبية.