قال الدكتور إبراهيم العسال، المحاضر في الآثار والمخطوطات الإسلامية بجامعة قرطبة في إسبانيا، وعضو لجنة التراث الثقافي بالاتحاد الأندلسي، إن المخطوطات الإسلامية كنز ثمين تمتلكه مصر، ولا يقل في أهميته بأي حال عن الأهرامات والمعابد والمساجد والكنائس الأثرية، ولها أهمية تراثية وقيمة حضارية مميزة، مشيرًا إلى أن مكتبات أوروبا خير شاهد ودليل على ذلك. وأضاف "العسال" في حواره ل"صدى البلد"، أن المخطوطات الإسلامية تمتلئ بها كبرى صالات العرض المتحفي في شتربيتي بدبلن وسانبطرسبرج والمكتبة الوطنية بباريس، ومتحف المتيروبوليتان بنيويورك، والإسكوريال بمدريد ومكتبة برلين والمكتبة البريطانية وكتبة جامعة كامبردج وغيرها. وطالب بإقامة متحف يضم كل ما نمتلكه من مخطوطات إسلامية أو قبطية، لإحياء علوم المخطوطات والمنمنمات الإسلامية وتوسيع دائرة البحث العلمي حولها، والاستفادة من النتائج التي وصلت إليها عشرات الرسائل العلمية بمكتبات كليات الآداب والآثار والإرشاد السياحي، وإقامة دورات متخصصة في علوم التجليد والتذهيب والتصوير، وهي فنون المخطوط المتعارف عليها بين العلماء، والتي آن الاوان لإحيائها.. وإلى نص الحوار.. * ما أهمية المخطوطات الإسلامية؟ تحكي المخطوطات بشكل عام العلوم المتنوعة مثل الفلك والجغرافيا والتاريخ والطب والفلسفة والكيمياء والشعر والفقه والتصوف، كما تحكي التاريخ عبر النص والصورة التي تعرف لدى المتخصصين ب"المنمنمات"، وهو علم تخصص له جامعات أوروبا أقساما علمية بذاتها وتطور بمصر في السنوات الأخيرة وتعددت الرسائل والابحاث العلمية التي تتناوله. والمخطوطات المصورة منها علمي مثل مخطوط صور الكواكب الثابتة لعبد الرحمن الصوفي، ومنها ادبي مثل مقامات الحريري وخمسة نظامي او المنظومات الخمس الأدبية الشهيرة مثل يوسف وزليخا ومهر ومشتري وليلى والمجنون، كما منها تاريخي مثل مخطوط سير النبي الذي يحكي مواقف من حياة النبي محمد (ص). كما أنها تنقسم من حيث خصائص منمنماتها الفنية الى مخطوطات تتبع المدرسة العربية في التصوير الإسلامي، سواء في بغداد أو الموصل أو سوريا والعراق أو المغرب والأندلس، او تتبع المدارس الفارسية في التصوير الإسلامي كالتيمورية والصفوية الأولى والثانية والجلائرية والمظفرية والمغولية والتركمانية والقاجارية وكل منها له خصائص فنية تميزه عن الاخرى، او تلك التي تتبع المدرسة التركية العثمانية أو المغولية الهندية. * ماذا عن المخطوطات الإسلامية في مصر؟ تتمتع مصر بحظ وافر في اقتناء مجموعات هائلة ونفيسة من المخطوطات الإسلامية المصورة، وتتبع الغالبية العظمى منها دار الكتب المصرية، وتمتلك مجموعة من نسخ الميكروفيلم التي تصور صفحات المخطوطات، ويصل عدد المخطوطات بدار الكتب قرابة 60000 مخطوط، فضلا عن عدد كبير بمتحف الفن الاسلامي، والآلاف بمتحف المخطوطات بمكتبة الاسكندرية، وآلاف أخرى بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة، كما تمتلك مكتبة الاوقاف بالسيدة زينب ألاف المخطوطات، بالإضافة الى الالاف المحفوظة في مكتبات الاقاليم مثل المنصورة ودمياط وكفر الشيخ وسوهاج والزقازيق. * ما المشاكل التي تواجه المخطوطات الإسلامية بمصر؟ منذ أن بدأنا رحلة البحث العلمي في مجال المخطوطات الإسلامية، وجدنا أنفسنا أمام اشكالية كبرى وهي عدم تبعية المخطوطات لوزارة الآثار، والتي يفرضها المنطق كون المخطوط أثرًا دون شك، وفي مصر تفرق دم المخطوطات بين المؤسسات، فمخطوطات دار الكتب تتبع وزارة الثقافة ومخطوطات مكتبة الإسكندرية تتبع المكتبة التابعة بدورها لرئاسة مجلس الوزراء مباشرة، ومخطوطات متحف الفن الإسلامي تابعة لوزارة الاثار، والموجودة في معهد المخطوطات العربية تتبع جامعة الدولة العربية، والمخطوطات التابعة لوزارة الأوقاف بالسيدة زينب. هذا ترتب عليه العديد من المشاكل التي أضرت بالأثر نفسه وأوقفت الاستثمار الجيد والبناء، وذلك لما نمتلكه من تراث مدفون تفرقت ادارته بين المؤسسات الحكومية دون أدنى تنسيق بينها، وهو مالا يحدث في دول العالم إلا في مصر، ولك ان تتخيل على سبيل المثال أن يتبع هرم خوفو ادارة محافظة الجيزة لا وزارة الآثار، او يتبع معبد الكرنك لمحافظة الأقصر على سبيل المثال. * كيف يمكن استثمار المخطوطات سياحيًا؟ لا بد من نقل تبعية جميع المخطوطات الإسلامية التي تمتلكها مصر لوزارة الآثار، مع الاستفادة من الخبرات الأوروبية في التطور التكنولوجي لطريقة حفظ المخطوط وترميمه واستثمار فنونه المتعددة، وعرضه متحفيًا وتسويقه أكاديميا وبحثيًا وسياحيًا، حيث يأتي السائح لمصر ويعود دون أن يعرف أن بها "مخطوطا"، وأكاد أجزم بغياب المخطوطات الإسلامية عن المشهد السياحي والمتحفي في مصر، اللهم إلا بعض النماذج القليلة التي ظهرت مؤخرًا في مكتبة الإسكندرية ومتحف الفن الإسلامي صاحب التجربة الرائدة في عرض صور المنمنمات في صالات العرض المتحفي لأول مرة في مصر. وهذه الأعداد الهائلة تحتاج لمتحف مستقل، لتبرز أهميتها على غرار مخطوطات متحف الاسكوريال في قلب العاصمة الاسبانية مدريد والذي يجذب الاف السائحين سنويا، ونحن نمتلك بدار الكتب المصرية مخطوطات بأكثر من ثلاث لغات رئيسية هي الفارسية والتركية والعربية، ومزينة في بعض اوراقها بمنمنمات وزخارف بديعة تُخصص لها جامعات العالم المتقدم أقساما علمية كاملة لدراستها تاريخيا واثريا وفنيا. وتعود هذه المخطوطات الى القرون الاولى من الاسلام حتي القرنين 18 و19، وهناك المئات من المخطوطات زمنيا اقدم من المساجد الاثرية، وهناك آلاف المخطوطات تتقدم في قيمتها الاثرية من الناحية الزمنية على جامع محمد علي، وتجب الإستفادة من التجربة المشرفة لمتحف مخطوطات مكتبة الاسكندرية في طريقة العرض المتحفي للمخطوط، وعالميا مكتبة الاسكوريال ذات ال 45 الف مخطوط في اسبانيا يزورها حوالي 18 مليون سائح وألاف الباحثين سنويا، أما مخطوطاتنا ففي ادراج المخازن حتى الباحثون يجدون صعوبة واضحة في الاطلاع عليها. * وما الحلول لمشكلات المخطوطات الإسلامية ؟ كما ذكرت سابقا لا بد من نقل تبعيتها المباشرة لوزارة الآثار، مع ضرورة تأهيل وتدريب موظفين محترفين للتعامل مع المخطوطات، وهو ما يتوفر في طلبة أقسام الاثار والترميم بجامعات مصر، كما يجب تحديث فهارس دار الكتب المصرية المطبوعة في ستينيات القرن الماضي، والتي اثبتت الدراسات الحديثة في علم المخطوطات تغير الكثير من التفاصيل في النسخ الأصلية عن المعلومات المتوفرة فيها، حيث تعد تلك الفهارس عملا ضخما وهائلا، ولا أبالغ اذا قلت بصعوبة انجاز أعمال مماثلة رغم التقنيات الحديثة المتوفرة في وقتنا الحالي، إلا اذا قام به باحثون واكاديميون متخصصون مع توافر الامكانيات اللازمة لهم. وأنصح بضرورة فصل المخطوطات المزينة بالمنمنمات عن المخطوطات النصية، وهو عمل أثري بحت لا يعرف قيمته سوى الأثريين المتخصصين في تاريخ الفنون والحضارة الإسلامية وعلم التصوير الاسلامي، ولابد من تحديث النسخ الميكروفيلمية للمخطوطات، بدلا من الموجودة التي تتسم برداءة غير مسبوقة لنسخ الميكروفيلم القديمة وغير المحدثة، والتي صارت تعاني مما يضطر الباحثين للتعامل مع النسخ الأصلية وهو ما يهلك المُهلك منها بالفعل.