تابعنا جميعاً العديد من مآسى المهاجرين الفارين من الموت فقراً أو مرضاً فى بعض بلدان القارة السمراء ليموتوا غرقاً فى البحار على أعتاب القارة البيضاء , حيث فى أوروبا للإنسان قيمة لمجرد كونه إنسانا بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه , وهو ما استدعى ان تشدد معظم البلدان الاوروبية من الحراسة على الشواطئ الافريقية فيما يشبه عمليات الحصار غير المباشر لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين اليها عبر البحار والمحيطات , وهو حل مؤقت ونتائجه ستكون أكثر سلبية اذا ما استمرت الاوضاع على ما هو عليه داخل بعض بلدان القارة الطاردة لفلذات أكبادها من الشباب القادر على العمل والعطاء . فلا الحصار البحرى سيقضى على أسباب الهجرة غير الشرعية ولا حتى كهربة مياه البحر الابيض كلها ستمنع الفارين من الموت فقراً أو جوعاً أو مرضاً أو قمعاً فى بعض البلدان الافريقية , بل بالعكس فمع مرور الوقت وتوقف عمليات التنمية وزيادة الحروب الداخلية والاهلية ستتفاقم الاوضاع المعيشية فى هذه البلدان , وسيتضاعف عدد الراغبين فى الهروب منها أملاً فى حياة أفضل فى أوربا , ولذا لابد من البحث عن حلول عملية ودائمة تحافظ على مصالح السكان الاوروبيين فى البلدان الاوروبية وفى نفس الوقت تحسن من الاوضاع المعيشية فى بلدان القارة الافريقية بتوفير الحد الأدنى للحياة الكريمة للأفارقة . ولذا فإن الاستثمار الاجنبى فى القارة السمراء قد يكون الحل الافضل للجميع , للأوروبيين وللأفارقة على حد سواء , فأفريقيا هى بلد الفرص , حيث الموارد الطبيعية الهائلة والايدى العاملة الرخيصة والفرص الاستثمارية الواعدة فى مختلف المجالات , وعلى الاوربيين عمل تحول نوعى فى أستثماراتهم الموجهة نحو بلدان القارة , فبدلاً من التركيز على الصناعات الاستخراجية وأستيراد المواد الخام من أفريقيا فقط , عليهم الاستثمار فى الصناعات التحويلية فى بلدان القارة مما سيخلق فرص عمل جديدة تغنى الكثير من الافارقة عن المجازفة بالهجرة الغير شرعية عبر البحار والمحيطات . فعلى سبيل المثال لو أن هناك مصنعا فى إحدى المدن الاوروبية يعمل به ألف عامل أفريقي من المهاجرين غير الشرعيين فإن بناء نفس المصنع فى إحدى دول القارة معناه توفير حياة كريمة لألف أسرة أفريقية تغنيهم عن الهجرة الى أوروبا , وقس على ذلك العديد من الصناعات الاستخراجية التى يتم فيها استخراج المواد الاولية من بلدان القارة الافريقية وتصديرها الى أوروبا لكى يعاد تصنيعها الى منتجات عديدة ثم أعادة تصديرها الى بلدان القارة السمراء ولكن باضعاف ثمن شرؤاها كمواد خام , وهو ما يحول القارة الغنية بمواردها الى قارة فقيرة بوارداتها التى سبق أن صدرتها بأبخس الاثمان . من هنا وجب علينا ولو من الناحية الاخلاقية البحث عن تنمية الاستثمارات الاوروبية فى البلدان الافريقية , أعلم ان الاوروبيين سبق أن خصصوا برامج دعم ومنح للعديد من البلدان الافريقية دون نتائج ملموسة , ربما بسبب الفساد الذى ينهش فى اقتصاديات بعض الدول وسوء استخدام هذه المنح , وربما بسبب الحروب الاهلية والداخلية , وهو ما يأخذنا الى جانب آخر من أسباب الهجرة الغير شرعية من أفريقيا الى أوروبا , وهو كثرة الصراعات والنزاعات الداخلية فى بعض الدول الافريقية مما يؤدى الى تفاقم الاوضاع المعيشية فيها , وهو ما يستدعى موقفا أوروبيا قويا لوضع حد لهذه الصراعات ومعاقبة المسئولين عنها . مازال فى الامكان ان تساعد دول أوروبا نفسها فى إيقاف تدفق المهاجرين غير الشرعيين الى أراضيها بمساعدة الافارقة فى الحصول على فرص عمل دائمة وحياة كريمة داخل أراضيهم .