منذ عامين أو أكثر قليلا، حدثني أحد أصدقائي المستثمرين في مجال السياحة في مصر عن أحد الأسواق السياحية التي تعقد في فرنسا سنوياً والتي تعقد من خلالها ندوات ومؤتمرات والتي حضرها صديقي كأحد العاملين في هذا المجال. ويتم في هذا الجمع السنوي طرح كامل لآليات السياحة العالمية وترتيب الدول من حيث عدد زائريها ومدخلاتها من هذا المجال الضخم وكذلك عرض لأشهر المعالم والمدن السياحية العالمية سنوياً وفق عدد السائحين الزائرين. كما يتم ترتيب الدول المزارة من خلال تقييم الى حد ما نوعي؛ حيث يتم طرح سؤال على عينة مكونة من 100 سائح بعد زيارتهم لدولة ما، عن مدى رغبتهم في العودة لنفس الدولة؟ وحدثني صديقي عن خيبته بعد أن نالت مصر المرتبة ال 98 في هذا التقييم بعد أن رغب شخصين فقط من السائحين في العودة لزيارتها! وبعد أن أبديت دهشتي من هذا الترتيب المتواضع جداً لدولة تملك ما يقرب من ثلث أثار العالم أجابني صديقي بإقتضاب العالم ببواطن الحقيقية، نعم ولكننا نفتقد للثقافة السياحية، فنظرت له نظرة المتسائل فاندفع قائلاً يا صديقي البداية من الطائرة وحتى الطائرة مروراً بكل ما تقابل من شيال الشنطة الذي همه الأول والأخير هو البقشيش وبالأسلوب المعتاد، وعدّ بقي المرور والشوارع ونظافتها اللي أحنا عارفينها وصولاً للمتاحف اللي رحلت عنها معاني العناية والصيانة من عقود، والجهل المتكامل في التعامل مع السائحين، بداية من المعاكسات، انتهاء بالنشل والتثبيت في الشوارع. قلت بس ده مش معقول! أجابني لا معقول لو بعدت عن الشرم والغردقة، كله معقول وبيحصل، وخد عندك السياح اللي بينزلوا القاهرة دلوقتي بيلاقوا نفسهم ماشين في حراسة أمنية في كل مكان وبشكل هما نفسهم بيصوروه وبيستنكروه، ولو فكروا يروحوا الهرم بيقعوا في براثن مافيا نزلة السمان الغلابة اللي بأفعالهم بيضربوا السياحة الأثارية في مقتل، قالي عارف أن زوار الهرم في 2009 كانوا 3 ملايين وفي يورو ديزني في فرنسا كانوا 13 مليون في العام نفسه. قلتله، طب والحل؟ قالي ببساطة محتاجين سنين طويلة من التعليم علشان نوصل لعشر عدد السائحين اللي بيزور فرنسا وأمريكا والصين ودبي، قلتله يعني السياحة كمان بدايتها التعليم. وكانت الإجابة التي رددها معه عقلي طبعاً التعليم هو بداية كل شيء صحيح. محتاجين حملات مكثفة من المدارس والأسر والإعلام والحكومة للتوعية بأهمية هذا القطاع الذي تراجع من ترتيبه الأول كدخل قومي للترتيب ال98، ومن أكثر من 10 ملايين مصري بيسترزقوا من هذا القطاع لثلث هذا العدد الذي يقاتل من أجل بقاؤه. الأحداث اللي بتمر بيها مصر منذ 4 سنوات ليست هي السبب الأوحد لتردي أوضاع هذا القطاع الضخم، بل أولاً تلك الثقافة الغائبة عن تعاليمنا ومناهجنا وتربويتنا، تلك الثقافة المسئولة عن كيف نحب أن نقدم مصرنا وشعبها وثقافاته لزوارنا وللعالم.