مجزرة غير آدمية جديدة تضاف لواقعنا المؤلم والمشتعل، وبحر جديد من الدماء الشابة النقية تضاف لبحور الدم التي نشهدها منذ سنوات أربع.. آلاف من مشجعي الساحرة المستديرة يدفعهم عشقهم المجنون للكرة يذهبون لحضور مباراة رياضية تنتهي بفاجعة إنسانية. وتتدفق التصريحات من كل صوب ومداخلات وشهادة شهود الواقعة الحاملة لعشرات الترجمات لمشهد مرعب بطله الأول والأخير الجهل العشوائي، آلاف مؤلفة تندفع لعبور بوابات الاستاد دون تذاكر، اتحاد الكرة ومجالس إدارة الأندية هم من وزعوا التذاكر دون وجود مراكز للبيع "عشوائية!!". الأمن يحذر ثم تتم مهاجمته فيرد بما تمليه عليه قوانين الدفاع والشغب، ولكن "بعشوائية" تجبر الآلاف على التدافع المحموم وسط الغازات المفرقة والنتيجة المعلنة 22 قتيلا ما بين دهس بالأقدام واختناق، تلك هى المعطيات المنقولة من شهودها. والأسئلة والاتهامات بالعشرات والجاني المعد كالعادة في كل مصيبة هو الأمن والعنف المستخدم.. شماعة أصبحت جاهزة على الدوام لاستخدامها تارة ضد الداخلية وتارة ضد النظام، ولكن وبسرعة تم تسييس الحادث من فريقيين. الأول الذي تسلح بسرعة بقنواته وتواصلاته وأبواقه المجتمعية ليطعن في النظام والقيادة ويصور مشهد الحادث بلعبة الدولة الفاشلة وهو سيناريو حاضر وجاهز في كل مصيبة، حتى ولو كانت المصيبة من صنع أيادي هذا الفريق نفسه، على نفس مبدأ "يقتل القتيل ويمشي في جنازته". وفريق آخر، وأنا منهم، أخرجنا ثوابت المؤامرة وجزمنا بأن المندسين المأجورين هم صناع تلك المجزرة المؤلمة، وأن المرحلة والتوقيت والمقدمات استدعت تلك النظرية التي أصبحنا بها مؤمنين وموقنين، وأن زيارة القيصر الروسي وبدء المعركة الانتخابية والمؤتمر القادم هم المستهدفون، وليس الإخوان فقط هم المتآمرون بل بعض أجهزة دول الجوار المعادية لمصر وقيادتها بعد أن سلبناهم الحلم والذين هم مستعدون لدفع الغالي والنفيس لإسقاط تلك المرحلة واستعادة عرش مصر. وكلانا وللأسف سقطنا في فخ التسييس الذي عندما اكتشفت سقوطي فيه تألمت، فكلانا تناسينا هؤلاء الشباب الذين سقطوا موتى دهسا وخنقا في مجتمع اعتاد كلمة الموت ولم يعد يستصعبها أو يهابها.. الموت الذي أصبح يلاحقنا من ميادين وشوارع الصراع السياسي حتى ملاعب الكرة، ولم نشعر بقلوب ذويهم المكلومة التي احترقت أمامنا ولم ندر أن كلانا أسرع إما بالتجريم المفتعل أو بالتبرير الغاضب، ونسينا أن هناك من لا ناقة له ولا جمل في معركتنا السياسية، وبأن هناك أمهات لا يعنيهم بأي صورة كل الساسة ولا يعنيهم أي شعارات وطنية أو حتى الوطن ذاته بعد أن ضاع الانتماء على أعتاب الألم والموت والصراع، بل إن كل ما يعنيهم فقط هو فلذات أكبادهم الذي سحقوا تحت أقدام الجهل والعشوائية وامتلأت ساعات النقل المباشر على الفضائيات وصال وجال نجوم الإعلام صارخين مجلجلين ومنددين، وخرجت جحافل الإخوان والمعارضين للانتفاع وتحقيق المكاسب من هذا الحادث الأليم وتسييسه، وخرجت نظرية المؤامرة، وخرجت الجماهير الحاضرة بالشهادة، وخرجت الداخلية بالبيانات والتصريحات وخرجت الفضائيات المعادية بالتنديدات والشماتة. ولكن لم تخرج بعد أكفان الشباب الضحايا. وسوف ينطوي الحادث على النهاية المعتادة.. تحقيقات ومشتبه فيهم ونيابة و... رحم الله شباب مصر.