الشهادة الإعدادية 2024.. طلاب البحيرة يؤدون امتحانات مادتي الهندسة والكمبيوتر    سعر الدولار في البنوك اليوم بعد وصول الدفعة الثانية من صفقة رأس الحكمة    تراجع أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    غدًا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالمرحلة التكميلية 2 في العبور    الإسكان: بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالمرحلة التكميلية 2 بمدينة العبور غدا    مصر تبدأ المناقشات مع صندوق النقد للحصول على 1.2 مليار دولار    تنفيذ 31 قرار غلق وتشميع لمحال وحضانات ومراكز دروس خصوصية مخالفة بالشيخ زايد والسادات    قصف إسرائيلي يستهدف شرق رفح جنوب غزة    آخر تطورات جهود مصر لوقف الحرب الإسرائيلية في غزة    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    مصدر رفيع: مصر عازمة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإدانة ممارسات الاحتلال أمام العدل الدولية    موقع فرنسي يتحدث عن "فرصة" لمشاركة عبد المنعم في دوري أبطال أوروبا.. ما التفاصيل؟    حسام أشرف يتصدر، ترتيب هدافي الدوري المصري قبل الجولة 24    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    بحثا عن لقبه الأول.. مصطفى عسل يضرب موعدا ناريا مع دييجو الياس في بطولة العالم للاسكواش    بسبب خلافات بينهما.. استدرجوه وخلصوا عليه ودفنوه في زراعات الموالح بالقناطر الخيرية    انتظام امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالقليوبية (صور)    تجديد حبس لص المساكن بمدينة بدر    في يومها العالمي، قائمة المتاحف المفتوحة مجانا للزائرين    لمواليد 18 مايو.. ماذا تقول لك الأبراج في 2024؟    ليلى علوي: الزعيم عادل إمام مَثَل أعلى لينا وتاريخ عظيم    كل سنة وزعيم الفن بألف خير.. هالة صدقي تهنئ عادل إمام بمناسبة عيد ميلاده    طريقة عمل شاورما الفراخ، أكلة سريعة التحضير واقتصادية    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام أبها في دوري روشن السعودي    مواعيد مباريات اليوم السبت.. الترجي ضد الأهلي وظهور ل«عمر مرموش»    النيابة العامة تجري تفتيشا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    بكاء والدها وقبلة شقيقها.. أبرز لقطات حفل زفاف الفنانة ريم سامي    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    زيلينسكي: أوكرانيا ليس لديها سوى ربع الوسائل الدفاعية الجوية التي تحتاجها    صحة مطروح تدفع بقافلة طبية مجانية للكشف على أهالي النجيلة    البيت الأبيض: أطباء أميركيون يغادرون قطاع غزة    إرشادات وزارة الصحة للوقاية من ارتفاع ضغط الدم    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    أوما ثورمان وريتشارد جير على السجادة الحمراء في مهرجان كان (صور)    ناقد رياضي: الترجي سيفوز على الأهلي والزمالك سيتوج بالكونفدرالية    عاجل - تذبذب جديد في أسعار الذهب اليوم.. عيار 14 يسجل 2100 جنيه    ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    عادل إمام.. تاريخ من التوترات في علاقته بصاحبة الجلالة    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وفُتِح قفص الأسد.. نكبة بغداد (3)
نشر في البديل يوم 14 - 08 - 2016

والآن لنناقش الاتهامات التي أُلصِقت بابن العلقمي، والتي كان أولها أنه هو من كاتب هولاكو يُطمعه في بغداد!!. ذكر السُبكي في "طبقات الشافعية" (ج8، ص263) عن ابن العلقمي "وتحيل في مكاتبة التتار، وتهوين أمر العراق عليهم، وتحريضهم على أخذها، ووصل من تحيُّله في المكاتبة إليهم أنه حلق رأس شخص، وكتب عليه بالسواد، وعمل على ذلك دواء، صار المكتوب فيه كل حرف كالحفرة في الرأس، ثم تركه عنده حتى طلع شعره، وأرسله إليهم، وكان مما كتبه على رأسه إذا قرأتم الكتاب فاقطعوه، فوصل إليهم، فحلقوا رأسه، وقرأوا ما كتبه، ثم قطعوا رأس الرسول. وكتب الوزير إلى نائب الخليفة بإربل، وهو تاج الدين محمد بن صلايا، وهو أيضًا شيعي، رسالة يقول فيها: نُهب الكرخ المكرم والعترة العلوية، وحسن التمثيل بقول الشاعر –وذكر شعرًا-، وقد عزموا، لا أتم الله عزمهم، ولا أنفذ أمرهم على نهب الحِلَّة والنيل، بل سوَّلت لهم أنفسهم أمرًا فصبر جميل، والخادم قد أسلف الإنذار وعجل لهم الإعذار"أه.
وأقول: السُبكي الصغير، وإن كان فقيهًا جليلًا، إلا أنه لا علم له بالتواريخ، ولا يعرف التحقيق فيما يسمع من حكايا؛ فالقصة مكذوبة، والكذب يفضح صاحبه، وقصة حلق رأس الرسول والكتابة عليها، ثم الانتظار حتى تُنبت وتخفي ما تحتها، أحسب أني سمعتها في حكايات ألف ليلة وليلة، ولكن الأهم أنها غير قابلة للتنفيذ، حتى لو تنزَّلنا على رأيهم وسلَّمنا بخيانة ابن العلقمي، كونها تستلزم وقتًا، والأمور قد تطورت سريعًا، وفي بضعة شهور، حتى انتهت بدخول هولاكو بغداد، كما لا حاجة لابن العلقمي لها، وهو الوزير، وكان يمكن أن يذهب إلى هولاكو عندما طلب أحد الثلاثة الوزير أو الدويدار أو سليمان شاه، أو يبعث برسالة شفهية إلى هولاكو، والأدهى أنه كان من الشعر المدعى في هذه القصة الملفقة التي تفوح منها رائحة أهل الشام ذلك البيت الذي نسبوا إلى ابن العلقمي التمثيل به (فقلت من التعجب ليت شعرى*** أيقظان أمية أم نيام)!!، فالوزير الأديب الشيعي، وهو يرسل رسالته السرية إلى زميله الحاكم الشيعي الآخر، لم يجد بيت شعر يتمثل به سوى بيت شعر يأتي على ذكر بني أمية!!!، وسبحانه العليّ القدير قد فضح خبر تلك الرسالة السرية فوصل خبرها إلى مؤرخي الشام، ممن نقل عنهم السُبكي تلك القصص، بينما لم يسمعوا بمكاتبات الخليفة وهولاكو العلنية!!!. والأعجب أن ابن صلايا كان ممن قتلهم هولاكو من الأعيان، وقيل أن بدر الدين لؤلؤ هو من غمز فيه وتسبب في قتله.
وأبسط رد على هذا التهوك أن التتار قد حاموا حول بغداد كثيرًا، قبل تلك السنة التعيسة، فلم يكونوا بحاجة إلى من يستدعيهم. فاقتربوا كثيرًا من بغداد سنة 618ه، حتى قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (ج17، ص106) "اقتربوا من بغداد، فانزعج الخليفة من ذلك، وحصَّن بغداد، واستخدم الأجناد، وقنت الناس في الصوات والأوراد". ثم في سنة 628ه، ذكر ابن كثير (ص183) "قدمت التتار في هذه السنة إلى الجزيرة وديار بكر، فعاثوا بالفساد يمينًا وشمالًا، فقتلوا ونهبوا وسبوا، على عادتهم، خذلهم الله تعالى"أه. ثم كانت هناك هجمات صغيرة للتتار على بلاد العراق قبل سقوطها بسنوات زمن المستعصم، مثل هجمات سنة 633ه و سنة 634ه، وسنة 635ه حين حاصروا إربل، وفتحوها عنوة، وقتلوا أهلها، وسبوا ذراريها، ودخلوا في أعمال بغداد، وكان ذلك في دولة المستنصر بالله، وقبل خلافة المستعصم بالله، فلم يكن ابن العلقمي ولي الوزارة.
ذكر ابن الفوطي في "الحوادث الجامعة" في أحداث سنة 635ه (ص96) " في صفر، وصلت الأخبار إلى أهل إربل، أن عساكر المغول عادوا إلى قصدهم في جمع كثير، فانتزح من كان بها وبالقلعة أيضًا، فلمّا رأى زعيمها الأمير شمس الدين باتكين خلو البلد، أمر بخروج العسكر المقيم هناك إلى ظاهر البلد ثم الاستعداد للحراسة، فعدلوا حينئذ عن إربل وقصدوا دقوق، وانبثوا في أعمال بغداد وعاثوا بها أشد العيث، فوصل الخبر إلى بغداد، فخرج شرف الدين إقبال الشرابي –رئيس الجند- مبرزًا إلى ظاهر البلد، وأمر خطيب جامع القصر أبا طالب بن المهتدي بأن يحرض في خطبته على الجهاد ففعل ذلك، فبكى الناس لما سمعوا كلامه، وأجابوا بالسمع والطاعة، وقدم أهل السواد من دقوق وغيرها إلى بغداد، معتصمين بها، وتضاعفت أجرة المساكن، وانزعج الناس لذلك، وتتابع خروج الأمراء والعساكر إلى ظاهر البلد، وركب الخليفة المستنصر بالله إلى الكشك، فنزل به، وظهر للأمراء، وأمرهم المشورة، فقال كل واحد ما عنده، وسهل الأمير جمال الدين قشتمر الأمر في لقائهم، وعيّن الشرابي على جماعة من الأمراء لقصدهم، فتوجهوا إلى القليعة ونزلوا بها، فبلغهم أن المغول في جمع كثير وهم بالقرب من الجبل، فساروا نحوهم، فلمّا قاربوهم تعبوا ميمنة وميسرة وقلبًا، فلمّا شاهدت عساكر المغول ذلك ولّوا راجعين، فتبعهم جماعة من العسكر فقتلوا منهم جمعًا كثيرًا وأسروا منهم جماعة، وغنموا من دوابهم وأثقالهم"أه. ثم عاد التتار في نفس السنة -635ه- في رجب، وأعادوا المحاولة. يقول ابن الفوطي (ص97) "ثم وصل الخبر في شهر رجب المبارك أن عساكر المغول قد سارت نحو بغداد، فتقدم إلى الأمراء بالخروج إلى ظاهر البلد، فخرج الأمير جمال الدين بكلك الناصري، والأمير جمال الدين قشتمر وغيرهما من الأمراء، وخيموا ظاهر البلد، وكاتب الخليفة ملوك الأطراف يستنجدهم ويعرفهم الحال،……….." وكانت وقعة كبيرة، انهزم فيها المسلمون وغنم منهم التتار ورجعوا عن بغداد، فلم يدخلوها.
وبسبب تلك الوقعة الكبيرة سنة 635ه، وما تلاها من مراسلات مع المغول، والاستعداد لهم، والخوف من مفاجأتهم، انقطع الحج من العراق آخر خمس سنوات من حكم الخليفة المستنصر بالله، وتحديدًا في السنوات (635ه- 636ه- 637ه- 638ه- 639ه)، وعاد الحج زمن المستعصم بالله، حتى أن والدة الخليفة خرجت للحج سنة 641ه. ثم ذكر ابن الفوطي في "الحوادث الجامعة" خبر انقطاع الحج مرة ثانية سنة 642ه، وكان من ضمن الأسباب، اشتغال الديوان بحركة عساكر المغول. كما انقطع الحج سنة 644ه، وسنة 647ه، وسنة 648ه.
ويذكر ابن العبري في "تاريخ مختصر الدول" (ص446) "في سنة اثنتين وأربعين –يعني وستمائة- أغار التاتار على بلد بغداد، ولم يتمكنوا من منازلتها"أه. وذكر ابن الفوطي في "الحوادث الجامعة" (ص158) في حوادث نفس السنة أخبار وصول رسول من المغول إلى بغداد، ثم يذكر (ص162) وصول المغول إلى بغداد وعودهم في المحرم من سنة 643ه بعد أن جرت بين عساكر الفريقين حرب ساعة من نهار. وذكر (ص188) أنه في سنة 647ه وصل الخبر إلى بغداد باقتراب المغول وقتلهم للناس ونهبهم لأموالهم، فاستعد سكان بغداد، ولم يهدأوا إلا عندما أخبرتهم الطلائع أن المغول عادوا. وفي (ص200) ذكر ابن الفوطي أمر صلح بين الخليفة وسلطان المغول تم على يد أحد كبار التجار ببغداد، فقال أن هذا التاجر عز الدين مقلد بن الخردازي "سافر إلى خراسان، واتصل بملوك المغول، وتحدث مع السلطان كيل خان في الصلح مع الخليفة، وقدم بغداد مع رسول السلطان، ثم عاد ومعه الهدايا والتحف". وفي سنة 650ه، قتل عساكر المغول وأسروا ونهبوا في بلاد العراق، وحاموا حول بغداد، ثم عادوا. فما كانت بغداد بالنسبة للتتار إلا قضية مؤجلة.
كما أورد الهمذاني في "جامع التواريخ" في قصة توجه هولاكو إلى همدان بعد فتحه قلاع الإسماعيلية، وقبل نكبة بغداد، وتحديدًا في ربيع الأول سنة 655ه، أمر توبيخ هولاكو لأحد قادته (ص260) قائلًا له: "إنك لم تفعل شيئًا سوى أنك رحت تخوف القوات المغولية، بالمبالغة فيما عليه الخليفة من قوة وعظمة"، وأن قائده قد اعتذر له بأنه لم يستطع أن يُخضِع بغداد بسبب "كثرة سكانها ووفرة جيوشها، وكثرة ما فيها من الأسلحة ومزيد الأبهة، وبسبب الطرق الضيقة الصعبة التي يجب سلوكها قبل الوصول إليها"أه. وهو حوار يؤكد أن نية هولاكو كانت منعقدة على الاستيلاء على بغداد.
ومن التهم التي ألصقوها أيضًا بابن العلقمي، ما ذكره السُبكي في "طبقات الشافعية" (ج8، ص269)؛ ذلك أنه بعد أن وصف هولاكو وإذلاله للملوك، وما فعله مع الإسماعيليين النزاريين في بلاد فارس، قال: "والخليفة غافل عما يُراد به. ثم تواترت الأخبار بوصول هولاكو إلى أذربيجان بقصد العراق، وكاتب صاحب الموصل لؤلؤ الخليفة، يستنهضه في الباطن، وما وسعه إلا مداراة هولاكو في الظاهر، وأرسل الخليفة نجم الدين البادرائي رسولًا إلى الملك الناصر صاحب دمشق، يأمره بمصالحة الملك المعز وأن يتفقا على حرب التتار، فامتثلا أمر الخليفة. وفيما بين ذلك تأتي الكتب إلى الخليفة فإن وصلت ابتداء إلى الوزير لم يوصلها إليه وإن وصلت إلى الخليفة أطلع الوزير فيثبطه ويغشه حين يستنصحه"أه. وليس مفهومًا أي مكاتبات تلك التي أخفاها الوزير عن الخليفة. فإن كان السُبكي يقصد المكاتبات بين الخليفة وهولاكو، فهذا كذب، لأنه من الثابت أن الخليفة استقبل رسل هولاكو، وبعث معهم بهدايا يسيرة، وبعث بثلاثة فيهم ابن الجوزي ليبلغ رسالته لهولاكو، وإن كان السبكي يقصد أن الوزير أخفى مكاتبات للخليفة من بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، العجوز الداهية، الذي لعب على كل الحبال في حياته، ونجا من هولاكو بدهائه، وقل من نجا، فكان أولى بالوزير أن يخفي أمر هدايا لؤلؤ عن الخليفة عن أن يخفي أمر رسائل تدعوه للتنبه لهولاكو، وما قيمة هذه الرسائل حتى تُخفى؟!! وهل خفي أمر هولاكو عن الخليفة، وعن ابنه أبي بكر، وعن الدويدار، وسليمان شاه، فاحتاج من يُعلِمه؟
فهل طلب ابن العلقمي لقاء هولاكو، ليكيد للخليفة، ويغري به الحمل الوديع هولاكو؟، يذكر ابن العبري في "تاريخ مختصر الدول" (ص473-474) أنه "لمّا نزل هولاكو بغداد في منتصف المحرم سنة 656ه، وبنى سورين حول المدينة، وحفروا خندقًا عميقًا، ونصبوا منجنيقات بإزاء سور بغداد، ورتبوا الآلات. وكان بدء القتال ثاني وعشرين محرم. فلمَّا عاين الخليفة العجز في نفسه والخُذلان من أصحابه، أرسل صاحب ديوانه وابن درنوش إلى خدمة هولاكو، ومعهم تحف نزرة. قالوا: إن سيَّرنا الكثير يقول: قد هلعوا وجزعوا كثيرًا. فقال هولاكو: لِمَ ما جاء الدويدار وسليمانشاه؟، فسيَّر الخليفة الوزير العلقمي، وقال: أنت طلبت أحد الثلاثة، وها أنا قد سيَّرت إليك الوزير وهو أكبرهم. فأجاب هولاكو: إنني لمَّا كنت مقيمًا بنواحي همذان طلبت أحد الثلاثة، والآن لم أقنع بواحد"أه. فوفقًا لهذه الرواية، فإن لقاء ابن العلقمي مع هولاكو كان بأمر الخليفة، وبدفع منه، عندما لم ينصاع الدويدار وسليمان شاه لأمره، فلم يذهبا لمقابلة هولاكو.
وتتفق تلك الرواية جزئيًا مع رواية ابن الطقطقا في "الفخري" (ص338). يقول: " حدّثني كمال الدين أحمد بن الضحّاك، وهو ابن أخت الوزير مؤيّد الدين ابن العلقمي، قال: لمّا نزل السلطان هولاكو على بغداد أرسل يطلب أن يخرج الوزير إليه, قال: فبعث الخليفة، فطلب الوزير، فحضر عنده وأنا معه, فقال له الخليفة: قد أنفذ السلطان يطلبك، وينبغي أن تخرج إليه. فجزع الوزير من ذلك، وقال: يا مولانا، إذا خرجت فمن يدبّر البلد؟ ومن يتولّى المهام؟ فقال له الخليفة: لا بدّ أن تخرج. قال: فقال السمع والطاعة"أه. فالخليفة أخبر الوزير بأن هولاكو يطلبه ليخرج إليه، ولم يُعلمه أن طلبه له قديم، ولا أن هولاكو طلب الدويدار وسليمانشاه أن يخرجا، فلم يمتثلا لأمره.
بينما يدعي ابن كثير أن ابن العلقمي هو من سعى للخروج لمقابلة هولاكو للكيد للخليفة، بسبب حنقه على احتراق الكرخ، فاحتال على الخليفة ليخرج له بادعاء المصالحة على نصف خراج العراق، ثم أن ابن العلقمي ومن معه من الشيعة حرَّضوا هولاكو على قتل الخليفة!!. يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" (ج17، ص358) "ولهذا كان أول من برز إلى التتار هو، فخرج في أهله وأصحابه وخدمه وحشمه، فاجتمع بالسلطان هولاكوقان، لعنه الله تعالى، ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة، فاحتاج الخليفة إلى أن خرج في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والصوفية ورؤوس الأمراء والدولة والأعيان، فلما اقتربوا من منزل السلطان هولاكوقان حُجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفسًا، فخلص الخليفة بهؤلاء المذكورين، وأُنزل الباقون من مراكبهم ونُهبت، وقُتِلوا عن آخرهم، وأُحضِر الخليفة بين يدي هولاكو، فسأله عن أشياء كثيرة،…… وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة، لعنة الله عليهم، وغيرهم من المنافقين على هولاكوقان أن لا يُصالح الخليفة، وقال الوزير: متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عامًا أو عامين، ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، وحسّنوا له قتل الخليفة، فلمَّا عاد الخليفة إلى السلطان هولاكوقان –وكان قد ذهب إلى القصر- أمر بقتله"، ويُقال أن الذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي والنصير الطوسي"أه.
وهو اتهام مشابه لما ذكره السُبكي في "طبقات الشافعية" (ج8، ص270)، قال: "وقصد هولاكو بغداد من جهة البر الشرقي، ثم إنه ضرب سورًا على عسكره، وأحاط ببغداد. فأشار الوزير على الخليفة بمصانعتهم، وقال: أخرج أنا إليهم في تقرير الصلح، فخرج وتوثق لنفسه من التتار، ورد إلى المستعصم، وقال: إن السلطان يا مولانا أمير المؤمنين قد رغب في أن يزوج بنته بابنك الأمير أبي بكر، ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته، ولا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع السلاطين السلجوقية، وينصرف عنك بجيوشه، فمولانا أمير المؤمنين يفعل هذا، فإن فيه حقن دماء المسلمين، وبعد ذلك يمكننا أن نفعل ما نريد، والرأي أن تخرج إليه. فخرج أمير المؤمنين بنفسه في طوائف من الأعيان إلى باب الطاغية هولاكو، ولا حول ولا قوة إلا باالله العلي العظيم، فأنزل الخليفة في خيمة، ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا العقد، فخرجوا من بغداد، فضربوا أعناقهم، وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم، ثم طلب حاشية الخليفة فضرب أعناق الجميع، ثم طلب أولاده فضرب أعناقهم"أه.
وربما كانت الحقيقة تركيبة من كل ما ذُكر، وهي ما ذكره ابن الفوطي الحنبلي البغدادي، شاهد العيان على الأحداث، في "الحوادث الجامعة" (ص233) فيقول: "فلما كان اليوم الرابع عشر من المحرم خرج الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي إلى خدمة السلطان هولاكو في جماعة من مماليكه وأتباعه، وكانوا ينهون الناس عن الرمي بالنشاب ويقولون: "سوف يقع الصلح إن شاء الله، فلا تحاربوا". هذا وعساكر المغول يبالغون في الرمي. وعاد الوزير إلى بغداد يوم الأحد سابع عشر المحرم، وقال للخليفة: "وقد تقدم السلطان هولاكو أن تخرج إليه، فأخرج ولده الأوسط أبا الفضل عبد الرحمن في الحال، فلم يقع الاقتناع به، فخرج الخليفة والوزير ثامن عشر المحرم، ومعه جمع كثير، فلمّا صاروا ظاهر السور، منعوا أصحابه من الوصول معه، وأفردوا له خيمة، وأُسكِن بها". فابن الفوطي يشهد أن الوزير قد خرج، وهذا ليس محل خلاف، ولا يعرف أي خلفية عما دعاه للخروج، ثم يشهد أنه أبلغ الخليفة بطلب السلطان له، فخرج الخليفة بعد تمنع، فلا خراج ولا زواج.
ومن أسفٍ أن يجد هذا الكلام الساذج عن إغراء ابن العلقمي هولاكو بقتل الخليفة من يردده، فهل كان الخليفة لينجو أصلًا، حتى يحتاج هولاكو من يُحرِّضه عليه؟، وهل هولاكو الذي قتل كل من أمَّنهم من الملوك بعد أن ملك بلادهم، كان سيترك من رفض الإذعان له؟!، وهو الخليفة صاحب الشرعية والبيعة في عنق كل المسلمين؟!، إن من يقرأ عما فعله هولاكو عند قتال الحشاشين النزاريين قبل أن ينكب بغداد، سيرى ذات المزيج من التهديد والترغيب في رسائل هولاكو، وسيرى أنه بعد أن أمَّن خورشاه آخر ملوك الإسماعيلية النزارية، وخلع عليه الخُلع، ووهبه فتاة مغولية ليتزوجها، وبعد أن تيسر له فتح حصونهم، عاد فتخلص من خورشاه وقتله، وقتل أقاربه وأفراد أسرته من النساء والرجال وحتى الأطفال في المهد. وأعاد نفس السيناريو مع القائد حسام الدين عكه، نائب الخليفة على درتنك، والذي قتله هولاكو هو وأهل بيته، رغم أنه قد خرَّب كل القلاع التي كانت تحت يديه بأمر هولاكو، وكذا فعل مع أهالي إحدى قلاع الشام بعد نكبة بغداد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.