الخصخصة التي اتبعها نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك تحت شعارات براقة، مثل استغلال المصادر الطبيعية والبشرية بكفاءة وإنتاجية أعلى, عن طريق تحرير السوق وعدم تدخل الدولة إلا في حالات الضرورة القصوى، لم تحقق سوى انهيارًا للاقتصاد. ورغم ذلك ما زالت الدولة تسير في هذا الطريق وبإلحاح غريب. اتخذت الخصخصة أسلوبين في تطبيقها: إما بيع أصول مملوكة للدولة إلى القطاع الخاص، أو توقف الدولة عن تقديم خدمات كانت تقوم بها في السابق مباشرة، والاعتماد على القطاع الخاص في تقديم تلك الخدمات. جاءت تصريحات منير الزاهد، رئيس بنك القاهرة، أن طرح أسهم زيادة رأس مال بنك القاهرة لا تعتبر خصخصة، ولكن تمويل للتوسعات المستقبلية للبنك، من خلال طرح ما يعادل 20% من رأسماله على المستثمرين الأفراد والمؤسسات عبر البورصة المصرية، وأنه سيكون متاحًا لجميع المصريين للمشاركة في الاكتتاب؛ لتحدث ضجة في المفاهيم الاقتصادية التي يعرفها الاقتصاد المصري. بنك القاهرة دخل الخصخصة علي خطوات علق رضا عيسي، الباحث الاقتصادي، بأن مفهوم الخصخصة واضح، ولكن ما يقال في البداية عن زيادة رأس المال للبنك يعد خطوة أولي لخصخصة البنك في المرحلة القادمة، والدليل على ذلك أنه لن يأتي مستثمر إلا لو حصل على نسبة تمكنه من الإدارة، وبالتالي ندخل في بيع أغلبية أسهم البنك، فالمستثمرون لن يرضوا إلا بالتمكن من الإدارة, أي الحصول على أسهم الأغلبية في البنك، وبذلك يكون البنك قد دخل عملية الخصخصة، ولكن على خطوات. ولفت الدكتور رائد سلامة، الخبير الاقتصادي، إلى أن "الخصخصة التي نحن ضدها بشكل عام تحرم المجتمع من عوائد منتظم للبنك إذا ما أُحسن استغلال وإدارة أصوله، وهنا تكمن المشكلة الأساسية، حيث إن الأمر يتعلق بحسن الإدارة لا بشكل الملكية". وأضاف سلامة أن هناك حتمية لأن تعود الدولة لملكية وسائل الإنتاج مرة أخري مع تعيين إدارات محترفة؛ لضمان نجاح استغلال الأصول المملوكة لها؛ لخلق قيمة مضافة من التنمية الحقيقية كما نفهمها، والتي ستحجم القطاع الخاص عن المساهمة فيها؛ لأنه ببساطة لا يرغب سوى في تحقيق أرباح عالية ومنتظمة وقابلة للتحويل للخارج، بغض النظر عن النشاط الذي تنتج عنه هذه الأرباح، مشيرًا إلى أن هذا حقه، مبينًا أن هذا الأسلوب هو ما أدى إلى تحويل نمط الاقتصاد المصري منذ 1974 من إنتاجي تنموي إلى استهلاكي ريعي، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من نمط خدمي متدنٍّللغاية، لم يرقَ حتى للنموذج الرأسمالي الذي وصلت إليه أوروبا منذ عشرات السنين، والذي ساهم في صنع تراكم رأسمالي وخلق قيم ثقافية من نوع خاص. وشدد على أن طرح زيادات رؤوس أموال لبعض الوحدات الاقتصادية الناجحة للتداول في البورصة خطيئة كبرى وذنب عظيم بحق الحاضر والمستقبل، وينبغي أن يتوقف عنده كل وطني مخلص أيًّا كان موقعه؛ لرفضه والاعتراض عليه، موضحًا أن الأزمة تتركز في خصخصة البنوك تحديدًا، نافيًا أن المسألة مجرد زيادة في رؤوس الأموال لتمويل التوسعات كما يروج البعض؛ "لأن للموضوع جانبًا لا يريدون الإفصاح عنه، وهو أن تلك الزيادة سيترتب عليها دخول مساهمين جدد لا يعلم أحد من هم ولا من يمثلون ولا جنسياتهم على وجه التحديد، وهذه كارثة كبري؛ إذ ربما يدخل مساهمون من الكيان الصهيوني، وهو ما نرفضه بشكل قاطع كشعب". وحذر من أنه "إذا تم البيع لمستثمر استراتيجي، فسيكون له الحق في المطالبة بعضوية مجلس الإدارة بحكم ما يملك من أسهم، وبالتالي فسيشارك في رسم السياسات والرقابة علي تنفيذها وتحديد مصارف توظيف الأموال وتوجيهها وكيفية التصرف بالأرباح وإمكانية تحويلها للخارج بدلًا من تدويرها بالسوق المحلي". وأوضح سلامة أن رفضه للخصخصة عمومًا والبنوك على وجه الخصوص ليس أمرًا عاطفيًّا كما يروج أنصار البيع، "فالمسألة علمية مرتبطة برؤية سياسية اجتماعية وطنية بالأخص إذا ما أخذنا بالاعتبار أن حصيلة البيع هذه ستستخدم في الأغلب في تعميق المأساة الاقتصادية، حيث ستنفق في مزيد من الاستيراد أو لسد عجز الموازنة، أي أنها ستكون بلا عائد". خسائر عملية الخصخصة بلغت خسائر قطاع المنسوجات المصرية نتيجة الخصخصة أكثر من 10 مليارات جنيه، بالإضافة إلى توقف 65 مصنعًا تعرض للإغلاق؛ لتردي الحالة الاقتصادية، وتدهور أحوال العمال وعدم صرف رواتبهم بانتظام؛ نظرًا لعشوائية البنود المحددة في عقود الخصخصة. ولو فرضنا جدلًا أن الخصخصة يمكن أن تكون مقبولة، فإن عملية بيع القطاع العام نفسها تمت بطريقة كارثية ومخزية، فقد باعت الحكومة المصرية 236 شركة بسعر 33 مليار جنيه، في حين أنها تقدر ب 270 مليارًا؛ مما يعنى إهدار 240 مليار جنيه على الدولة. ورغم كلام الحكومة الدائم عن أنه لن يضار أي عامل من عملية الخصخصة، إلا أن عدد العاملين في قطاع الأعمال انخفض من مليون موظف إلى 370 ألفًا في ظل تطبيق برنامج الخصخصة، في حين أنه لم يستفد من نظام المعاش المبكر سوى 186 ألف موظف فقط، وهو ما يمثل خسائر للتنمية البشرية في مصر.