تنص المادة 34 من قانون البيئة المصري على أنه: "يشترط أن يكون الموقع الذي يقام عليه المشروع مناسبًا لنشاط المنشأة، بما يضمن عدم تجاوز الحدود المسموح بها لملوثات الهواء، وأن تكون جملة التلوث الناتج عن مجموع المنشآت في منطقة واحدة، في الحدود المصرح بها." وتحدد اللائحة التنفيذية هذه الأحمال والحدود المصرح بها، كما توضح المادة 34 في اللائحة التنفيذية للقانون أنه: "يشترط أن يكون الموقع الذي يقام عليه المشروع مناسبًا لنشاط المنشأة من حيث اتفاقه مع طبيعة تقسيم المنطقة.. وفي جميع الأحوال يشترط أن يؤخذ في الاعتبار عند تقرير مناسبة الموقع مدى بعده عن العمران، سواء في منطقة المشروع أو المناطق المحيطة واتجاه الريح السائدة ومدى قدرته الطبيعية على استيعاب الملوثات". ويهدف معيار رقم 3 من معايير الأداء المعنية بالاستدامة إلى تجنب أو تقليل الآثار السلبية على صحة الإنسان وسلامة البيئة بتجنب أو تقليل التلوث الناتج عن أنشطة المشروعات، كما يهدف المعيار رقم 1 إلى احترام أنشطة الأعمال لحقوق الإنسان وعدم التعدي على الحقوق الإنسانية للآخرين. يخالف مصنع اسكندرية للأسمنت تيتان كلا المعيارين. ويشكو السكان من تدهور صحتهم، خصوصًا من الأمراض الصدرية الحادة والمزمنة والحساسية الصدرية التي تؤثر في البالغين، وأيضًا في الأطفال . ويقع مصنع اسكندرية للأسمنت على مسافة لا تزيد عن 10 أمتار عن الكتلة السكانية بمنطقة وادى القمر، وإلى الشمال منها مما يجعلها في مهب الريح، وفي مرمي انبعاثات المدخنة وكافة الأتربة التي تتصاعد من عمليات التصنيع، مثل الطحن والتعبئة والنقل. ويوضح تقرير خبير وزارة العدل الذي تم إعداده في سياق الدعوى رقم 238 لسنة 2010 مستعجل محكمة الإسكندرية، أن المصنع الذي ينتج يوميًّا حوالي 4750 طنًا من الأسمنت، ويبلغ معدل تدفق الغازات من المدخنة فيه، حوالي 890617 مترًا مكعبًا في الساعة. ويقدر الخبير أنه بحساب متوسط معدل انبعاث الأتربة والتي كانت في حدود 120 مليجرامًا في المتر المكعب، وبعد ما يحتجز بالفلاتر، أن متوسط الأتربة التي تخرج من المدخنة تصل إلى حوالي 70 كيلوجرامًا في الساعة أو 1700 كيلو جرام في اليوم وحوالي 570 طنًا في السنة، وهذه الأتربة يتنفسها السكان، وتتراكم على طعامهم، وتسبب لهم طائفة من الأمراض التي تؤثر بلا شك في حقهم في الصحة وفي الحياة. وينص معيار الأداء رقم واحد أيضا على أنه عند اختلاف أنظمة ولوائح البلد المضيف عن المستويات والتدابير المذكورة في إرشادات البيئة والصحة والسلامة، يُطلب من الجهات المتعاملة تنفيذ أيهما أكثر صرامة، وأنه إذا كانت المستويات أو التدابير الأقل صرامة من تلك الواردة في إرشادات البيئة والصحة والسلامة هي الأنسب في ظل ظروف المشروع المحددة، تقدم الجهة المتعاملة مع المؤسسة تبريرًا كاملاً وتفصيليًّا بشأن أي بدائل مقترحة من خلال عملية تحديد المخاطر والآثار الاجتماعية والبيئية. ويجب أن يثبت هذا التبرير توافق أي مستويات بديلة مختارة للأداء مع المتطلبات العامة لهذا المعيار. يسمح قانون البيئة المصري بمستوى انبعاثات للغبار تصل إلى 200 مليجرام في المتر المكعب لمصنع تيتان، وهو ما يعادل أربعة أضعاف الحدود العالمية المقبولة الملزِمة للمصنع طبقًا لمعيار الأداء، ويبلغ المعدل الذي يصدره المصنع طبقًا لتقرير الخبير السابق 120 مليمترًا مكعبًا، أي أكثر من ضعفي الحد المقبول طبقًا للمعيار. ورغم أن معيار الأداء رقم 1 كما ذكرنا يسمح بالتجاوز عن هذه الحدود الأكثر صرامة لو توفرت مبررات، فالأمر يدعو إلى التساؤل حول ما هي المبررات التي قبلت بمقتضاها مؤسسة التمويل الدولية هذا المستوى من أداء المصنع الذي يقع في هذا الموقع الحرج في قلب الكتلة السكنية وعلى ساحل البحر المتوسط والبحيرات ومصائد الأسماك. ورغم أن الحدود القصوى للانبعاثات متساهلة طبقًا للقوانين المصرية مقارنة بالأوربية فقد سجلت ضد المصنع عدد من المخالفات لتجاوز هذه الحدود. وجدير بالذكر أيضًا أن نظام المراقبة البيئية في مصر يقيس الانبعاثات المرتبطة بالمدخنة، أما الغبار الذي ينبعث من أي مراحل أخرى فلا يتم تسجيل دوري لها، ولا تكتشف إلا في أثناء التفتيش على الموقع، ويشتكي الأهالي من أن التفتيش لا يتم بانتظام وإنما يتم بعد تقديم شكاوى إلى الأجهزة المعنية. يتبع…