أزمة جديدة تثيرها المحاولات الأمريكية المتكررة لنشر المزيد من قواتها وتعزيز وجودها العسكري في القارة الأسيوية، خاصة اليابان، فبعد أن تلقت أمريكا انتقادات خارجية من بعض الدول وعلى رأسها روسيا، حول نشر قوات وقواعد عسكرية لها في اليابان، جاءت الانتقادات مؤخرًا من قلب اليابان، الأمر الذي ينذر بتوتر جديد في العلاقات بين واشنطنوطوكيو. تظاهر الآلاف في جزيرة أوكيناوا اليابانية، اليوم الأحد، احتجاجًا على القواعد العسكرية الأمريكية، في تجمع يعد الأكبر من نوعه خلال عقدين على الأقل، حيث جاءت التظاهرات في أعقاب حادث مقتل امرأة يابانية من سكان الجزيرة تبلغ من العمر 20 عامًا، على يد مدني أمريكي يعمل في قاعدة عسكرية، أواخر الشهر الماضي، الحادث الذي أعاد تأجيج المشاعر اليابانية الساخطة على وجود قواعد عسكرية أمريكية بالجزيرة، حيث احتجت طوكيو على الحادث حينها، وعبر رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، عن غضبه للرئيس الأمريكي، باراك أوباما، خلال محادثاتهما الثنائية في اجتماع قمة مجموعة السبع التي أُقيمت الشهر الماضي. في الوقت ذاته، أقدمت الإدارة الأمريكية على اتخاذ عدة خطوات لتهدئة الاحتجاجات، فألقت القوات الأمريكية حينها القبض على المشتبه به في قتل المرأة، وأعلن الجيش الأمريكي حدادًا لمدة 30 يومًا في قواعده في جزيرة أوكيناوا بجنوب اليابان، واتصل وزير الدفاع الأمريكى، آشتون كارتر، بنظيره اليابانى، جين ناكاتانى؛ للتعبير عن أسفه من الحادث واعتذاره العميق لأسرة وأصدقاء الضحية، وأكد البنتاجون حينها أنه سيتعاون مع الحكومة اليابانية فى التحقيق وسيعمل على منع تكرار مثل هذه الحوادث. حادث مقتل المرأة اليابانية لم يكن الأول الذي تتورط فيه شخصيات أمريكية، حيث سبق أن وقع حادثة اغتصاب أقدم عليه ثلاثة من أفراد الجيش الأمريكي ضد فتاة يابانية تبلغ من العمر 12 عامًا عام 1995، الأمر الذي دفع واشنطنوطوكيو حينها إلى التوقيع على اتفاق بينهما في عام 1996، ينص على إغلاق قاعدة فوتينما التي تقع في منطقة حضرية مأهولة بالسكان ونقلها إلى منطقة أخرى، لكن احتجاج من جانب السكان الذين يعيشون قرب الموقع الجديد المفترض لنقل القاعدة خشية الضوضاء والتلوث والجريمة، أدى إلى تعليق خطة نقل القاعدة. في محاولة أمريكية لتهدئة الاحتجاجات اليابانية المتنامية والمعارضة للقواعد الأمريكية العسكرية، قال قائد مشاة البحرية الأمريكية في جزيرة أوكيناوا اليابانية، اللفتنانت جنرال لورانس دي نيكولسون، أمس السبت، إن الولاياتالمتحدة قد تعيد نحو عشرة آلاف فدان من الأرض إلى اليابان مطلع العام المقبل، وأضاف نيكولسون من مقره في معسكر فوستر في أوكيناوا: أجُريت مناقشات مؤخرًا، ونأمل أن يشهد النصف الثاني من هذا العام تقدمًا، ستكون أكبر عملية لإعادة الأرض منذ عام 1972، وبشأن المظاهرات المندلعة في الجزيرة، قال قائد مشاة البحرية الأمريكية، إنه أمر كل القوات بالبقاء بعيدًا عن مظاهرة اليوم الأحد، في ناها عاصمة أوكيناوا. يُعد الاحتجاج انتكاسة جديدة في العلاقات بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةواليابان، خاصة أن رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، يدعم سكان جزيرة اوكيناوا في مطالبهم، الأمر الذي يهدد خططًا لنقل قاعدة فوتينما الجوية لمشاة البحرية الأمريكية إلى منطقة أقل كثافة سكانية في الجزيرة. الواقعة ليست المرة الأولى التي تثير فيها قاعدة فوتينما الأمريكية اضطرابات في الجزيرة اليابانية؛ حيث سبق أن انفجرت العديد من الاحتجاجات الكبيرة ضد الوجود الأمريكي في الجزيرة على مدار السنوات الماضية، بسبب استياء اليابانيين بشكل عام وسكان الجزيرة على وجه التحديد من مشاكل التلوث والجرائم والتحرش الجنسي المتعلقة بوجود القوات الأمريكية في المنطقة، كما قال محافظ جزيرة أوكيناوا، تاكشيشي أوناجا، في وقت سابق: "لقد سمعنا اعتذارات ووعود بالوقاية مئات المرات لعقود، لكن لم يكن لها أي تأثير، سكان أوكيناوا لا يزالوا يتذكرون بمرارة سلسلة من انتهاكات أفراد القوات الأمريكية بحقهم". تعتبر جزيرة أوكيناوا اليابانية من أكثر المناطق الملغمة بالجيش الأمريكي وقواعده العسكرية، فكانت أوكيناوا مسرحًا لأعنف الاشتباكات بين القوات الأمريكيةواليابانية في الحرب العالمية الثانية، حيث احتلها الأسطول الخامس الأمريكي مدعومًا بالجيش الأمريكي العاشر في عام 1945، وبلغت أعداد الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في عملية احتلال الجزيرة حوالي 287 ألف جندي، في الوقت الذي لم يتواجد فيه على الجزيرة سوى 77 ألف جندي ياباني فقط، إضافة إلى 20 ألف عامل، الأمر الذي جعل سيطرة القوات الأمريكية على الجزيرة أمرًا يسيرًا، وظلت جزيرة أوكيناوا خاضعة للاحتلال الأمريكي حتى عام 1972، ولا يزال نحو خُمس أراضيها خاضعة للسيطرة الأمريكية، حيث تستضيف الجزيرة أكثر من نصف القوات الأمريكية في اليابان، ورغم أن مساحة المقاطعة صغيرة، لكن يقطنها ما يقرب من 50 ألف أمريكي، بينهم 30 ألف عسكري ومدني يعملون في القواعد الأمريكية. وتبرر أمريكا التوسع العسكري لقواتها في جزيرة أوكيناوا اليابانية، بأنه يأتي لمواجهة محاولة كوريا الشمالية لاقتناء قنابل نووية وهيدروجينية، وكان آخر التعزيزات الأمريكية، التي أرسلها البنتاجون في أواخر يناير الماضي، وكانت تتضمن 12 من مقاتلات "إف-16" و14 من قاذفات "إف-22″، الأمر الذي أجج المشاعر اليابانية الرافضة لهذا التوسع.