بوابة جديدة من العلاقات الاستراتيجية الهامة تعززها إيران من خلال التعاون مع الهندوأفغانستان، حيث انطلقت، أمس الثلاثاء، في العاصمة الإيرانيةطهران نواة تكتل اقتصادي جديد، عماده الهندوإيران، بمشاركة أفغانستان. زيارة ثلاثية مثمرة وصل رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، إلى طهران، الأحد الماضي، في زيارة رسمية على رأس وفد سياسي واقتصادي وأمني، تزامن مع وصول مودي، هبوط طائرة أخرى تُقل الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، حيث تعتبر زيارة غني إلى طهران هي الثانية في غضون الأشهر العشرين الماضية منذ توليه منصبه. شكلت زيارة رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، إلى الجمهورية الإيرانية، فرصة لتعزيز العلاقات الإيرانيةالهندية التي تتميز بالدفء، حيث التقى رئيس الوزراء الهندي، مع المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بحضور الرئيس الإيراني، حسن روحاني، وأكد الخامنئي أن هناك بعض الدول الغربية ليست جادة في محاربة الإرهاب وساهمت بظهوره في أفغانستان وسوريا والعراق، وأشاد بالسياسة التي تتبعها الحكومة الهندية بعدم الدخول في أي من التحالفات الغربية والأمريكية التي تدعي مكافحة الإرهاب. من جانبه، عبر رئيس الوزراء الهندي، عن تأييده لكلام المرشد الأعلى الإيراني، قائلًا إنه من المؤسف أن بعض الدول تقسم الإرهاب إلى جيد وسيء وتطلق تصريحات فقط بشأن مكافحة الإرهاب، مؤكدا أن الهند اقترحت قبل سنوات عدة عقد مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب بمشاركة الدول الإسلامية، لكن هذا الاقتراح واجه معارضة بعض الدول الغربية. تزامن الزيارتين مع بعضهما مهد لفرصة مميزة لعقد قمة بين الأطراف الثلاثة، إضافة إلى لقاءات ثنائية بين كلا الأطراف تمحورت حول الحديث عن التعاون المشترك وتوقيع مذكرات واتفاقيات اقتصادية وتجارية واستثمارية، حيث وقع رئيس الوزراء الهندي، مودي، مع طهران 12 اتفاقية شملت القطاعات الاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية والجامعية والشحن والنقل وتطوير الموانئ. اتفاقية جابهار من بين الاتفاقيات والمذكرات التي وقعها الأطراف الثلاثة، جاءت اتفاقية جابهار، التي شكلت نواة تعاون تجاري مميز بينهما، حيث وقع الرئيسان الإيراني، والأفغاني، ورئيس الوزراء الهندي، اتفاقًا ثلاثيًا لتطوير مرفأ جابهار الواقع في أقصى جنوب شرق إيران على المحيط الهندي، ويهدف الاتفاق الذي يشمل استثمارات مشتركة، إلى تعزيز أهمية ميناء جابهار بهدف زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول الثلاث. ووصف روحاني، توقيع الاتفاق بأنه، يوم مهم وتاريخي في سياق تطوير العلاقات بين الدول الثلاث، فيما قال مودي، نريد الاتصال بالعالم، لكن الاتصال في ما بيننا هو أولوية أيضًا، مشيرًا إلى أن بلاده ستخصص 500 مليون دولار لتطوير المرفأ، من جانبه قال غني، إن هدف الاتفاق تحقيق تعاون اقتصادي وثقافي عالمي بين الدول الثلاث. أهمية المنطقة منطقة جابهار، تقع جنوب شرق إيران وبالتحديد على بعد أكثر من 1800 كم في جنوب شرق طهران، وتطل على بحر عمان والمحيط الهندي، ويشكل موقعها الجغرافي ممرًا بحريًا- بريًا باتجاه غرب آسيا وأوروبا، وهو ما يجعله أحد أكبر المشاريع لتطوير الجنوبالإيراني، حيث يسمح ميناء جابهار بتجنب حركة المرور الكثيفة في مضيق هرمز، كما أنه ذات أهمية استراتيجية؛ لأنه المنفذ البحري الأقرب إلى البلدان الإقليمية "أفغانستان- تركمنستان- اوزبكستان- طاجيكستان– قرغيزستان- قزاقستان" التي لا تملك إطلالات على البحار والمحيطات، الأمر الذي جعل الميناء قبلة للاستثمارات. أهمية الاتفاق للأطراف الثلاثة موقع جابهار الجغرافي والعلاقات الهندية الأفغانية الإيرانية الوثيقة، مهدت الطريق إلى اتخاذ خطوة مهمة باتجاه كسر العديد من الحواجز التجارية وفتح أبواب آسيا الوسطى والقوقاز وروسيا وصولًا إلى أوروبا من الهند عبر إيران، فبالنسبة للفائدة التي ستعود على طهران، فإن هذه الاتفاقية تمثل تأمين لأحد المعابر التجارية الإيرانية الهامة الغير قابلة للتهديد نظرًا لابتعادها عن موقع الأزمات والخلافات السياسية، على عكس مضيق هرمز على سبيل المثال، والذي يمثل تهديدًا لإيران في حال إغلاقه نتيجة لأي خلافات أو مشاحنات سياسية أو عسكرية، وهو ما يوجد بدائل لطهران تضمن لها ألا تبقى صادراتها واستثماراتها حبيسة أو مرهونه بفتح أو غلق المضيق. من جانب آخر فإن هذه الاتفاقية تمثل خطوة إيرانية جديدة لتعزيز التعاون مع دول أسيا خاصة أنها تأتي في الوقت الذي تسعى فيه إيران إلى فتح أبواب تجارية جديدة مع العديد من دول العالم بعد أن خرجت من الحظر والحصار الاقتصادي والتجاري الذي كان مفروض عليها بموجب برنامجها النووي، حيث تُعد اتفاقية جابهار بمثابة إعلان عن فتح الأراضي الإيرانية أمام تجارة الترانزيت العالمي لاستنساخ طريق حرير جديد يجعل طهران شريكًا تجاريًا أساسيًا على الصعيد الآسيوي، كما أن موقع الميناء المتميز سيجعل العديد من الدول تنجذب لاستغلال فرصة الاستثمار فيه، باعتباره سيسهل حركة البضائع باتجاه آسيا الوسطى وروسيا ودول القوقاز. أما على مستوى دول الشرق الآسيوية وخاصة الهندوأفغانستان، فإن هذه الاتفاقية ستمكن الطرفين من أن يتخذا من المنطقة الحرّة في جابهار قاعدة تجارية للانطلاق باتجاه آذربيجان وتركيا ومنها إلى أوروبا، كما سيمنحهما فرصة الحصول على تسهيلات مالية وجمركية لعبور بضائعهما بعيدًا عن مناطق التوتر وضمان طريق آمن لخطوط تجارية طويلة الأمد. ويشمل الاتفاق نيودلهي بما سيمكنها من استكمال مشروعات الاستثمار التي بدأتها في ميناء جابهار لتحسين البنى التحتية، والتي وصلت إلى 85 مليون دولار في غضون 10 أيام، وهو ما سيغنيها عن مرور بضائعها عبر جارتها اللدود باكستان والمنطقة الساخنة في أفغانستان، كما أنه سيمكنها من منافسة الصين التي تستثمر في ميناء غوادار الباكستاني على بعد نحو 100 كيلومتر من جابهار، أما كابول، فإن ميناء جابهار هو أقرب ميناء بحري لها مقارنة بمسافة ميناء كراتشيالباكستاني، وهو ما سيمكن أفغانستان من فك ارتباطها بميناء كراتشيالباكستاني. رسائل سياسية بعيدًا عن الأبعاد الاقتصادية والتجارية، فإن هذا الاتفاق يحمل رسالة سياسية هامة أيضًا بالنسبة للدول الإقليمية، فبجانب رسالة إيران إلى دول الخليج بأن مضيق هرمز لم يعد ورقة ضغط بالنسبة لها بعد أن باتت تملك بدائل ملاحية أخرى، تأتي الاتفاقية لتشكل نصرًا استراتيجيًا للهند على الصين التي كانت تنافس على تطوير الميناء، كما يمثل ضربة قوية لباكستان التي ترتبط بعلاقات متوترة مع الهندوإيران نظرًا لعلاقاتها الوثيقة مع السعودية، وهو ما دفعها إلى محاولات تعطيل هذا المشروع.