تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" إلى الهند كمحطة رابعة وأخيرة يُنهي بها جولته الإقليمية، والتي زار خلالها لبنان وسوريا في وقت سابق خلال الأسبوع الجاري، للتشاور بشأن عدد من القضايا بينها تنامي تهديدات الإرهاب، ونتائج الاتفاق النووي الإيراني الأخير مع المجموعة السداسية. "ظريف" في الهند وصل وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" أمس الخميس إلى الهند في زيارة سريعة تستغرق يومًا واحدًا، تهدف لإجراء مشاورات لتعميق العلاقات مع حكومة نيودلهي، ومن المقرر أن يغادر "ظريف" والوفد المرافق له مساء اليوم الجمعة العاصمة نيودلهي عائدًا إلى طهران. التقى "ظريف" في العاصمة الهندية برئيس الوزراء الهندي "نارندرا مودي"، وأجرى معه جولة من المباحثات، وبحث "ظريف" اليوم الجمعة مع "مودي" العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية، وعقب هذا اللقاء؛ اجتمع "ظريف" بوزير النقل والشحن والملاحة البحرية "نيتين غادكاري شتيراني"، حيث بحث معه سبل تطوير ميناء "جابهار" الإيراني الواقع بمحافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرق البلاد، والذي يعتبر مشروعًا حيويًا للهند، حيث كان وزير النقل الهندي قد زار إيران في مايو الماضي وأجرى مباحثات مع المسئولين الإيرانيين حول تطوير الميناء، ومن المحتمل أن ينطلق المشروع التطويري له في ديسمبر المقبل. وأفادت صحيفة "اكونوميك تايمز"، أن لقاء "ظريف" مع وزير النفط الهندي "دارمندرا برادهان" يتمحور حول مشروع إنشاء مصنع أسمدة كيميائية، إذ من المقرر أن تستحدث الهند مصنعًا لإنتاج سماد اليوريا في إيران، كما التقى "ظريف" نظيرته الهندية "سوشما سوارج"، قبل أن يشارك في مأدبة غداء أقامته نظيرته على شرفه، كما سيلتقي "ظريف" بمساعد الرئيس الهندي "حامد انصاري"، ومستشار الأمن القومي الهندي "اجيب دووال"، قبل أن يعقد مؤتمرًا صحفيًا في مقر السفارة الإيرانيةبنيودلهي ليجيب على اسئلة الصحفيين. اعتبر وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، تطوير العلاقات الثنائية بين إيرانوالهند من أهم أهداف زيارته، وقال إن الأجواء الجديدة وفرت فرصة مناسبة لتطوير العلاقات بين البلدين، وأضاف لدي وصوله مطار "انديريه غاندي" الدولي في نيودلهي، بأن لإيران علاقات جيدة مع الهند باعتبارها بلدًا کبيرًا ومهمًا في المنطقة، وعضوًا في حرکة عدم الانحياز، وأن وجهات نظر البلدين متقاربة إزاء الكثير من القضايا الدولية. وأوضح وزير الخارجية الإيراني أن هذه الزيارة فرصة مناسبة لتعزيز العلاقات بين البلدين بعد الاتفاق النووي، ورفع بعض العقبات التي تحول دون ذلك، وأکد أنه سيبحث أيضًا في زيارته هذه، قضايا دولية مهمة مثل سبل مكافحة التطرف والعنف في إطار التعاون بين الدول المختلفة. تاريخ العلاقات الإيرانيةالهندية يعود تاريخ العلاقات الهنديةالإيرانية إلى مطلع خمسينات القرن الماضي، وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين مرت بمرحلة فتور بعض الشئ وحرب باردة إلا أنها عادت سريعًا مرة أخرى. بدأت العلاقات بين البلدين في عام 1950، عندما وقع البلدان في 15 مارس معاهدة الصداقة التي تدعو إلى "السلام الدائم والصداقة بين الدولتين"، إلا أن الحرب الباردة التي وقعت بينهما وضعت البلدين في معسكرين متضادين دائمًا من دون تنمية العلاقات الثنائية، لكن سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه جاء ليعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة. منذ بداية التسعينيات، تسعى نيودلهيوطهران إلى إقامة علاقات قوية وشاملة يدخل في إطارها الطاقة وغيرها من أشكال التعاون التجاري وتنمية البنية التحتية داخل إيران وخارجها، فضلا عن العلاقات في المجالات الاستخباراتية والعسكرية، هذه الرغبة في توسيع وتوطيد العلاقات تتمتع بتأييد واسع النطاق بين الإيرانيين والهنود على حد سواء. ظهر التعاون بين إيرانوالهند جليًا في عام 2001، حين زار وزير الدفاع الهندي العاصمة الإيرانيةطهران، وعقد فيها حوار أمني حول القضايا الرئيسية بين البلدين، وفي إبريل من نفس العام جاء رئيس الوزراء الهندي آنذاك "إيتار بيهاري فاجبايي" لطهران ووقع إعلان يحفظ المصالح الهنديةالإيرانية المشتركة، عرف باسم "إعلان طهران". وفي عام 2003 زار الرئيس الإيراني الأسبق "محمد خاتمي" الهند ووقع "إعلان نيودلهي" في 25 يناير تحت عنوان "رؤية لشراكة استراتيجية من أجل إقليم مستقر وآمن، ومن أجل تعزيز التعاون الإقليمي والدولي"، وكان لهذا الاتفاق أهمية كبيرة سواء من حيث التوقيت أو المضمون، حيث أكد التزام الدولتين بتعميق التعاون بينهما خاصة في المجالات العسكرية، كما جاء متزامنًا مع الحشد العسكري الأمريكي في الخليج العربي استعدادًا للحرب على العراق. في سبتمبر عام 2005، أحيل ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن لرفضها تعليق تخصيب اليورانيوم وفتح كافة منشآتها لتفتيش ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصوتت الهند ضد إيران في هذه القضية، ثم أعادت التصويت ضدها مرة أخرى في فبراير عام 2006، وهو ما شكل محكًا سياسيًا بين البلدين أدى إلى إلغاء إيران للاتفاق الخاص بإمداد الهند بالغاز المسال، إلا أن الهند تمادت في موقفها المعادي لإيران في عام 2009 بتصويتها من جديد ضد إيران، وهنا ظهرت إشارات ترمي إلى أن الهند ستنضم لتيار الولاياتالمتحدة، وأن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ستشهد تنامي على حساب إيران، مما جعل برنامج التعاون العسكري الهنديالإيراني يشهد فتورًا غير مسبوق، وفي نفس الوقت انسحبت الهند من مشروع أنابيب الغاز الذي كان مخطَّطا له أن يمتد من إيران عبر باكستان إلى الهند.