تجددت الأزمة الدبلوماسية بين الجزائروفرنسا والتي لطالما شهدت في الفترة الاخيرة توترًا شديدًا، على وقع تصريحات منسوبة للسفير الفرنسي بيرنارد إيميه في الجزائر تحدث فيها عن تفاصيل منح التأشيرات الفرنسية للجزائريين، والتي أغضبت الساسة الجزائرين واستهجن وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة. كان جزء من تلك التصريحات عن القبائل، حيث أكد السفير الفرنسي بالجزائر أن عدد التاشيرات التي تمنح للجزائريين المنحدرين من منطقة القبائل يقدر ب60 بالمائة، وتابع أن 50 بالمائة من الطلبة الجزائريين الذين يزاولون دراستهم بفرنسا من ذات المنطقة. هذه التصريحات أغضبت كثيرًا الحكومة الجزائرية التي ردت عليها ووصفتها على لسان وزير الخارجية رمطان لعمامره بالمؤسفة، قائلًا: إن دور الدبلوماسيين هو فتح جسور تواصل مع البلدان التي يعملون بها، وليس من المهنية التمييز بين مواطني تلك الدول، مؤكدًا أن هذه التصريحات لا تخدم العلاقات بين البلدين وتخالف الأعراف الدبلوماسية، لكن السفارة الفرنسية بالجزائر سرعان ما حاولت تدارك الموقف بعد تصريحات لعمامرة، وسارعت إلى التراجع عن تصريحات السفير بيرنارد إيميه، نافية أن يكون قد تحدث للصحفيين حول هذا الموضوع. وقال بيان وزعته السفارة الفرنسية على وسائل الإعلام: إن فرنسا ليست لديها سياسة محاصصة فيما يتعلق بمنح التأشيرات، وإن تصريحات السفير التي أدلى بها في لقاء خاص مع الجالية الفرنسية تم تفسيرها بشكل خاطئ. وتمر العلاقات الفرنسية الجزائرية بمرحلة تدهور كبرى، لاسيما مع نشوب أزمة دبلوماسية غير معلنة الشهر الماضي بين البلدين، على خلفية نشر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس خلال استقباله من طرف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة صورة تظهر الأخير في وضع صحي صعب، كما نشرت صحيفة لوموند الفرنسية في صفحتها الأولى في عدد 5 أبريل الماضي صورة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ضمن زعماء وقادة دول، قالت إنهم متورطون في قضية وثائق بنما، ليقرر على إثره وزير الخارجية الجزائري، رمضان لعمامرة، استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، برنار إيمي؛ لإبلاغه الاحتجاج الرسمي على الحملة التي تشنها صحف فرنسية ضد الجزائر، ومطالبة فرنسا بموقف حازم إزائها. ورغم أن الصحيفة الفرنسية نشرت توضيحًا بعد الاحتجاج الجزائري، مفاده أن وضعها لصورة رئيس الجزائر في صدر الصفحة الأولى حول مقال عن وثائق بنما، لا يستهدفه شخصيًّا بل شخصيات مقربة منه، إلَّا أن الجزائر قررت التصعيد في احتجاجها ووصف تغطية الإعلام الفرنسي بالقذف في حق بوتفليقة. لماذا كل هذا الغضب الجزائري؟ تمثل قضية القبائل حساسية واسعة لدى الجزائريين، لاسيما أن المنطقة التي كان يتحدث منها وعليها السفير الفرنسي في تصريحاته هي تيزى أوز حيث يقطنها «أمازيغ» الجزائر، كما تنشط بها حركة انفصالية تسمي نفسها «الحركة من أجل استقلال القبائل» ويتخذ قادتها من فرنسا مقرًّا لإقامتهم ويتهمهم مسؤولون جزائريون ب«العمالة» لجهات خارجية. والأكثر غرابة أن هذه التصريحات جاءت خلال زيارة السفير الفرنسي لولاية تيزي وزو ذات الغالبية القبائلية، مما جعل الكثير من الجزائريين ووسائل الإعلام يتساءلون عن سبب الاهتمام الخاص الذي توليه فرنسا لسكان هذه المنطقة، إلَّا أن المتابعين يدركون أهمية هذا الملف لفرنسا، التي لطالما استغلته إبان الاستعمار الفرنسي على الجزائر، من ناحية أخرى لا يجد المتابعون أيضًا عناءً في فهم حساسية هذه المنطقة لجزائر التي يقطنها «أمازيغ» يتهمون الحكومة الجزائرية بتهميشهم وتطالب «الحركة من أجل استقلال القبائل» التي تنشط في المنطقة بالانفصال. ولطالما اتهمت الجزائرفرنسا باللعب على هذا الوتر الخطير عبر احتضانها أبرز قادة الحركة، التي توصف من قِبَل الأوساط الرسمية الجزائرية بالعمال لجهات أجنبية، ويبدي الجزائريون قلقهم من احتمال استغلال فرنسا للخصائص اللغوية والثقافية لمنطقة القبائل كمدخل للإجهاز على الوحدة الوطنية،وتساءل النائب عن جبهة القوى الاشتراكية الجزائرية شافع بوعيش عن مغزى تصريحات السفير الفرنسي، مبديًا خشيته من أن تكون ضمن استراتيجية لفصل منطقة القبائل عن باقي مناطق الجزائر. العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى أين؟ يرى مراقبون أن الأزمات الدبلوماسية بين الجزائروفرنسا تعددت في السنوات الأخيرة، خاصة بعد استدعاء السفير الفرنسي بالجزائر أكثر من مرة خلال أقل من عام، حتى أصبحت العلاقات الجزائرية الفرنسية ما أن تتجاوز مطبًا سياسيًّا حتى تقع في آخر قد يكون أشد، لتعطي مؤشرات توضح وجود توترات دبلوماسية بين البلدين تنذر بعودة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها، خلال فترة حكم الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، حيث كانت العلاقات الفرنسية الجزائرية حينها يطبع عليها الجمود على خلفية إصرار الجزائر على الاعتذار الفرنسي عن الحقبة الاستعمارية وما تبعها، وهو ما رفضه ساركوزي وقال: إنه لا يمكن أن نطلب من الأبناء الاعتذار عن أخطاء آبائهم، لكن بعد أن تولي الرئيس فرانسوا أولاند الحكم، عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية نوعًا من الدفء تمثل في تبادل الزيارات والتصريحات الإيجابية بين الطرفين. ويرى مراقبون أن العلاقات الفرنسية الجزائرية كثيرًا ما ترتبط بما يجري في الداخل الفرنسي من صراع سياسي بين اليمين واليسار، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الفرنسية، إذ تدعم الجزائر مرشح الجمهوريين رئيس الوزراء السابق الان جوبية لخلافة فرانسو أولايند، بينما لم تبد إعجابها لمرشحي اليمين واليسار في الانتخابات المقبلة.