على وقع أزمة دبلوماسية، بدأ رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، زيارته التي تستمر يومين إلى الجزائر، في محاولة لخفض حدة التوتر بين البلدين، الذي تزايد خلال الفترة الأخيرة، عقب نشر صحيفة لوموند الفرنسية صورة للرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ضمن زعماء وقادة دول قالت إنهم متورطون في قضية وثائق بنما. وصل رئيس الوزراء الفرنسي، مساء أمس السبت، إلى الجزائر على رأس وفد يضم عشرة وزراء من الحكومة الفرنسية، ومن المقرر أن يرأس خلال زيارته أعمال الدورة الثالثة للجنة الحكومية المشتركة، التي سيتم خلالها مناقشة العلاقات السياسية بين البلدين والتطورات في ليبيا والمنطقة ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وباريس، وتوقيع أربع اتفاقيات تخص مجال الكهرباء والمحروقات والهندسة الصناعية والخدمات الرقمية. وبعيدًا عن التصريحات الرسمية وتبادل الابتسامات والمصافحات، تأتي الزيارة الفرنسية للجزائر في الوقت الذي تسود فيه أجواء دبلوماسية متوترة بين البلدين، حيث بدأت التوترات عقب نشر صحيفة لوموند الفرنسية في صفحتها الأولى في عدد 5 أبريل الجاري صورة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ضمن زعماء وقادة دول، قالت إنهم متورطون في قضية وثائق بنما، ليقرر على إثره وزير الخارجية الجزائري، رمضان لعمامرة، استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، برنار إيمي؛ لإبلاغه الاحتجاج الرسمي على الحملة التي تشنها صحف فرنسية ضد الجزائر، ومطالبة فرنسا بموقف حازم إزائها. ورغم أن الصحيفة الفرنسية نشرت توضيحًا بعد الاحتجاج الجزائري، مفاده أن وضعها لصورة رئيس الجزائر في صدر الصفحة الأولى حول مقال عن وثائق بنما، لا يستهدفه شخصيًا بل شخصيات مقربة منه، إلا أن الجزائر قررت التصعيد في احتجاجها ووصف تغطية الإعلام الفرنسي بالقذف في حق بوتفليقة. وقال رمطان لعمامرة، إن الحملة ضد الجزائر ذات نوايا سيئة ومضللة، ولا يمكن إطلاقها تبريرها بحرية الصحافة، كما أنها بلغت أوجها من خلال مناورات قذف ضد مؤسسة الرئاسة، مشددًا على أن واجب فرنسا الأخلاقي والسياسي استنكار الحملة التي لا تتلائم ونوعية ومستوى العلاقات الجزائرية الفرنسية. تزامنت الأزمة الإعلامية بين البلدين مع نشر صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية تقريرا حول مشروع مسجد الجزائر الأعظم، الذي أمر بوتفليقة ببنائه بمواصفات حصرية، وكلف خزينة الدولة ملياري دولار، وينتظر تسليمه العام المقبل، بحسب توقعات وزير السكن والعمران الجزائري، عبد المجيد تبون، ووصفت الصحيفة الرئيس الجزائري في التقرير ب"الفرعون". وتصاعدت التوترات حتى وصلت إلى رفض السلطات الجزائرية منح التأشيرة لصحفيي "لوموند" وقناة "كنال بلوس" الفرنسية أيضًا؛ على خلفية نشرها لتقارير ساخرة تناولت فيها الحالة الصحية للرئيس الجزائري، الأمر الذي قابلته باقي الصحف والقنوات الفرنسية بقرار مقاطعة الزيارة، حيث أعربت كبرى القنوات والصحف الفرنسية مثل قناتي "تي أف 1" و"فرانس2″، وصحيفتا "ليبراسيون" و"لوفيجارو"، وإذاعتا "فرانس أنتر" و"فرانس كولتور"، عن تضامنهما مع لوموند وكنال بلوس، مؤكدة أنهما لن يغطيا زيارة فالس احتجاجًا على رفض السلطات الجزائرية منح التأشيرة لصحفيين فرنسيين. التوترات الأخيرة بين الطرفين، خاصة استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر مرتين خلال أقل من ستة أشهر، في 18 أكتوبر الماضي على خلفية حادثة إخضاع وزير الاتصال، حميد قرين، للتفتيش بمطار أورلي بباريس، ومنذ أسبوع احتجاجًا على الحملة الصحفية الفرنسية المضادة للجزائر، تعتبر سابقة أولى من نوعها وتعطي مؤشرات توضح وجود توترات دبلوماسية بين البلدين تنذر بعودة العلاقات بينهما إلى سابق عهدها، خلال فترة حكم الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، حيث كانت العلاقات الفرنسية الجزائرية حينها يطبع عليها الجمود على خلفية إصرار الجزائر على الاعتذار الفرنسي عن الحقبة الاستعمارية وما تبعها، وهو ما رفضه ساركوزي وقال إنه لا يمكن أن نطلب من الأبناء الاعتذار عن أخطاء آبائهم، لكن بعد أن تولي الرئيس فرانسوا أولاند الحكم، عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية نوعًا من الدفء تمثل في تبادل الزيارات والتصريحات الإيجابية بين الطرفين.