يرفض أهالي وادي القمر وجود المصنع (الفرن الخامس) الحالي في منطقتهم لأنه يعتدي على حقهم في الصحة وفي السلامة وأيضًا في الحياة، كما يؤثر على مواردهم ووسائل عيشهم بتلويث البحر والبحيرات القريبة، وهو ما ينافي أهداف القوانين الخاصة باحترام حقوق الإنسان. وقد لجأ السكان إلى كافة أشكال الاحتجاج السلمي ضد المصنع من وقفات احتجاجية واجتماعات مع المسئولين وكتابة العرائض والشكاوى واستعمال وسائط الإعلام الاجتماعية، وتصوير الأفلام الوثائقية بل وحتى إجراء الأبحاث وطرح البدائل المدروسة، وصولًا إلى ساحات القضاء حيث توجد بالفعل أكثر من دعوى ضد الشركة تتداولها المحاكم المصرية كما عرضنا والتي تدين فيها تقارير مفوضي الدولة ممارسات الشركة. شكَّل الأهالي لجنة شعبية تمثلهم، هي اللجنة التنسيقية الشعبية للدفاع عن أهالي منطقة وادي القمر، للدفاع عنهم ضد الشركة والتحدث باسمهم، وتتمتع اللجنة بمساندة رؤساء العائلات في المنطقة التي يغلب عليها الطابع القبلي، والذي تشكل فيه سلطة ومكانة رؤساء العائلات أهمية ووضعًا شبه قانوني في المجتمع. وبدلًا من التعاون مع اللجنة فقد حاربتها الشركة، حيث ذكر الأهالي أن الشركة حرضت البلطجية ضد قيادات اللجنة وقدمت شكاوى للشرطة ضدهم، اتهمتهم فيها بالتخريب وممارسة العنف مستغلة الأوضاع العامة المضطربة وأيضًا العلاقات النافذة لإدارة الشركة "لتأديبهم وتخويفهم". ويضيف عدد من الأهالي أن ما تقدمه الشركة من خدمات في المنطقة تختص بها فئة من الناس، في صورة هدايا ومكاسب، مثل رحلات للحج أو العمرة، لبعض الأحزاب الدينية ومكاسب عينية أخرى مقابل أن يتحدثوا لصالح الشركة. كما ذكروا أن الخدمات الأخرى التي تقدمها الشركة تهدف إلى تجميل وإخفاء التلوث الذي تسببه، مثل: طلاء واجهات المنازل خصوصًا القريبة من المصنع، والذي رفضه بالفعل بعضهم لأنه يهدف إلى إخفاء تراكم الأتربة السوداء على الواجهات. وقد عُرضت مشكلة تلويث المصنع للبيئة على مجلس الشعب سنة 2007، وقد أحال رئيس المجلس الموضوع إلى لجنة حماية البيئة في المجلس الشعبي المحلي لمحافظة الإسكندرية لدراسته حيث تم تشكيل لجنة من خبراء البيئة والصحة، إضافة إلى أعضاء تنفيذيين لدراسة وبحث جوانب الموضوع. وقامت لجنة الخبراء بزيارة المنطقة وأصدرت تقريرها بتاريخ 23 من يوليو 2008 الذي وصفت فيه مخالفات الشركة بالمخالفات الشديدة: "الانبعاثات الصادرة عن الشركة تسبب أضرارًا جسيمة على السكان وأيضًا على الشركات المجاورة ومنتجاتها ومعداتها الصناعية وأن هناك خطرًا شديدًا على صحة المواطنين". ويستطرد التقرير أن اللجنة علمت أن الشركة لم تنفذ أي توصية من توصيات المجلس المحلي ولم تتوقف عن استخدام السولار والمازوت، ولم تلتزم بتغيير الفلتر بصفة منتظمة بل وفي بعض الأحيان لا تقوم الشركة باستخدام الفلاتر. وقد أوصت اللجنة في تقريرها،السيدَ اللواءَ المحافظَ بنقل الشركة من موقعها الحالي إلى مناطق بعيدة عن المناطق السكنية مع التشديد على مراعاتها لقانون البيئة بوجه عام. ولكن لم تنفذ هذه التوصية وتم إهمالها من جانب الجهات التنفيذية. وقد عاودت الشركة عام 2014 استخدام السولار والمازوت الذي تم التحذير من استخدامه في التقرير المشار إليه ضاربة عرض الحائط بسلامة أهالي المنطقة امتد الاعتراض على التلوث الناتج من الانبعاثات الصادرة من المصنع ليشمل بعض المنشآت الصناعية في المنطقة والتي كانت قائمة قبل إنشاء المصنع، وهي شركة المكس للملاحات. وتعتبر شركة المكس للملاحات أكبر شركة في الشرق الأوسط لإنتاج الملح، وتأسست في القرن الثامن عشر وتقوم باستخراج الملح من ماء البحر بالتبخير والتجفيف في أحواض واسعة مكشوفة تشغل مساحة حوالي 9 ألاف فدان، ويعمل بها حوالي 1000 موظف وعامل. وتقع أجزاء كبيرة من أحواض الملح ومن تجهيزات الشركة إلى الغرب من المصنع، الأمر الذي يجعلها في مرمى الغازات الخارجة من المدخنة الرئيسية للمصنع، مما يؤدي إلى ترسب غبار الأسمنت على الملح المكشوف. وقد رفعت شركة الملح دعوى قضائية ضد شركة الأسمنت لهذا السبب، وانتدبت المحكمة خبيرًا لتحديد ما إذا كانت هناك انبعاثات مُلوِّثة تصدر من شركة الأسمنت وتحديد أثر ذلك في نشاط شركة الملح. وأوضح تقرير الخبير أن الملح في الأحواض والمخازن المعرضة للغازات المدخنة مكسو بالفعل بقشرة أسمنتية رمادية يسهل تمييزها خصوصًا مع مقارنتها باللون الأبيض الناصع للملح في الأحواض الأخرى البعيدة. ورغم إثبات الضرر فقد حصر الخبير نتائج ترسب الأسمنت على الملح في زيادة تكاليف الإنتاج، حيث تضطر شركة الملح إلى تكسير القشرة وغسل الملح وبذلك تفقد جزءًا من الملح المنتج الذي قدره الخبير بنسبة 5%، دون أن يتطرق إلى مدى كفاءة وملاءمة عملية الغسيل في منع أي أضرار على صحة من تناولوا هذا الملح والذي تبيعه شركة المكس لملايين من البشر داخل وخارج المنطقة. يتبع …