أول أمس اصطدم قطار قادم من أسوان بحاجر أسمنتي كبير بمحافظة بني سويف؛ مما أدي إلي إنقلاب الجرار وأول عربتين في القطار، وأسفر عن إصابة 71 مواطنًا.. لحسن حظ المواطنين المصابين من حادثة قطار بني سويف، أن الحكومة الرشيدة قررت تشكيل لجنة لبحث حالات المصابين لمساعدتهم، وتفضلوا مشكورين بصرف بدل إعاشة لكل مصاب بقيمة 100 جنيه. إنتهى خبر حادثة القطار، ومر مرور الكرام، والتقطنا الأنفاس وحمدنا الله كثيرًا أنه لم يسفر عن قتلى، وانتهت فاجعة الخبر بإنتهاء قراءته لم نقف كثيرًا عند حادث قطار بني سويف؛ لاعتيادنا على مثل تلك الحوادث، بل على أكثر منها ألمًا ووجعًا، مثلما حدث عام 2002 عندما استيقظنا في ساعة مبكرة من صباح يوم الخميس على حادث قطار الصعيد، الذي لقي أكثر من 374 شخصًا مصرعهم حرقًا في أكبر حادث من نوعه في تاريخ السكك الحديدية المصرية، عندما اشتعلت النيران في 7 عربات كاملة.. لم يتحرك أحد من المسؤولين الجاثمين على أنفاس هذا الشعب لحل مشكلات السكة الحديد، ومعرفة أسباب هذه الحوادث ومحاسبة المُقصرين. لم يلتفت أحد إلى البنية المتهالكة للسكة الحديد، سواء العربات أو المزلقانات والإشارات، وأنه يجب تطوير الجرارات بالقطارات والعربات، بالإضافة إلى المزلقانات التى تُعرض حياة الآلاف من المواطنين يوميًا إلى الخطر الحقيقي، وأن يأتوا بالخبراء حتي يتسنى لهم تقديم الحلول لتطوير خطوط السكة الحديد، لكن لم يحدث هذا ولن يحدث لأنهم فاشلون. ولأنهم حقًا فاشلون أطل علينا المتحدث الرسمي لوزارة النقل ليُعلن أن الوزارة قررت التعاقد مع شركة خاصة لإدارة وتشغيل السكة الحديد، يستهدف تحسين مستوى الخدمة، مستطردًا: "قررنا التعاقد مع شركة عالمية متخصصة لأننا "فاشلون" في الإدارة.. ومهما أنفقنا على السكة الحديد مع المنظومة الفاشلة الحالية لن يتغير الوضع وستظل الخدمة بدون تحسن".!! وكأن عهدنا بحوادث القطارات توقف منذ تناولت السينما المصرية هذه الحوادث، وأخرج لنا المبدع عاطف الطيب فيلم "ضد الحكومة" مع الراحل العبقري أحمد زكي عام 1992، على أمل أن يلفتوا نظر نظام الطاغية مبارك عن ما آلت إليه بنية القطارات، ويدقوا ناقوس الخطر لهم، لم يلتفت إليهم أحد.. ذكر موقع "مصر العربية" أن حوادث القطارات تُشكل ظاهرة خطيرة في مصر. ووفقًا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عام 2014 شهد 1044 حادثا. وبلغ عدد الإصابات والوفيات الأعلى طيلة الأعوام الإثني عشر عاما الأخيرة سجله عام 2009 بعدد ضحايا بلغ 2839 حالة، بينما مثل عاما 2002 و2004 الأعوام الأقل بعدد ضحايا بلغ 1268 لكل عام منهما. منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا ووصولًا لحادثة بني سويف أمس الأول، تعاقبت الحكومات وتغيرت، وتكررت الحوادث وتكاثرت، حتى الأنظمة سقطت وأتت أنظمة أُخرى بدلًا منها، ولم تتغير تصريحات الوزراء، وأصبحت نسخة كربونية مُكررة من بعضها البعض. يتحدثون عن تحسين الخدمة للمواطنين والعمل على تطوير القطارات، ولا شيء يحدث سوى زيادة سعر تذكرة القطار، والمواطن وحده هو من يتحمل هذا الشقاء. تقول الأسطورة أنه في سبعينيات القرن المنصرم حدثت حادثة علي كوكب اليابان الشقيق قبل أن يكون كوكبًا يسبقنا بمئات السنين الضوئية، حيث خرجت إمرأة عمياء من منزلها لمحطة القطار لركوبه، وكانت بمفردها وليس معها سوى العصا الخاصة بها، وعندما دخلت المحطة إنزلقت قدميها، وسقطت تحت قضبان القطار فصدمها القطار وماتت.. الحادث كان مفجعًا حتى أن اليابانيين أعلنوا الحداد العام للثأر للعمياء القتيلة، وثار الشعب الياباني من أجلها، وعلى الفور قدمت الحكومة استقالتها "زى عندنا بالظبط"، وتشكلت حكومة جديدة بدأت بوضع خطة فورية متكاملة وشاملة، لجميع ذوي الاحتياجات الخاصة، وليس فاقدي البصر فقط، وتم تعديل مداخل القطارات، وجميع الشوارع، وتخصيص حارات وطرق خاصة وعلامات وإشارات مرور، تُصدر أصواتًا لعبور ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك في جميع أنحاء اليابان.!! هناك دول عندما تحل بهم الكوارث والمصائب يصنعون منها فرص تحقق الرخاء والتقدم والسعادة لشعوبهم، ودول أُخرى يحولون الفرص لمصائب وكوارث، تجعل شعوبهم أكثر بؤسًا وأكثر تعاسة وقنوط. مرحبًا بكم في جمهورية مش أحسن ما نبقي زي سوريا والعراق.