الأجيال تتوارث المهنة.. وكسوة الكعبة ظلت مهمتهم لسنوات طويلة "يدوية" الصنعة منحت المصريين التفرد ومنعت الصين من التقليد وسط صخب شوارع الغورية، بمنطقة باب زويلة، يقع شارع صغير، لكنه الأكبر تاريخا بين شوارع تلك المنطقه القديمة، تجمع به قدامى الصناع والتجار، حول حرفة، أفنى الكثير منهم حياته في رحابها، وتوارثها معظمهم عن آبائهم وأجدادهم، فكانوا بمثابة حراس لها من الزمن حتى لاتندثر كغيرها، في تلك المنطقة يقع أشهر الأسواق لصناعة وتجارة الخيامية بمصر، وأطلق عليه ذلك الاسم نسبة إلى تلك الحرفة، والتى تفردت بها مصر بين دول المنطقة العربية، والعالم. 18 شارع الخيامية، الاسم الذي يطلق على جميع محلات ذلك الشارع، والتي لايتجاوز عددها ال50 ورشة تخصصت في ذلك النوع من الفن التراثي العريق، في مساحة لاتتعدى ال7 أمتار للورشة الواحدة مع شدة الارتفاع، يجلس صانع الخيامية، يحكي أصحاب المحلات أن هذا المكان كان مخصصا لاسطبلات الخيول قبل تحوله إلى تلك الصنعة، وهذا سبب ضيق مساحتها، يجلس صانع الخيام داخلها معكتفا على قطعة قماش لا تتعدي المترين مايقرب من شهرين للانتهاء من حياكتها بشكل معين، لا يصيبه الملل فهي مهنة الصابرين. عن تفاصيل تلك الصناعة، يقول الحاج عبد الحميد السيد، والذي يعمل موظفا بالقطاع الحكومي، ويمارس صنعته التي ورثها عن أجداده منذ أكثر من 30 عاما: قماش الخيامية من القطن الخالص، نشتريه من مصانع الغزل والنسيج من المحلة، ويتكون من طبقتين، واحدة ناعمة وواحدة خشنة، ومنه ألوان كثيرة، وعلى حسب حاجة العميل وذوقه، نبدأ العمل بالرسم على القماش بالقلم الرصاص الذي نحدد به شكل الرسمة المطلوبة، وأغلب الرسومات تكون "حاجات مودرن"، رسومات للطيور والأشجار في محاكاة للطبيعة، وبعض الزبائن يطلبون رسومات خاصة يحددونها، وبعد الرسم نقص القماش على مقاس الرسمة، بعدها يأتي دور الإبرة والخيط، والخيام. عبد الحميد صاحب ال49 عاما، والذي قضى نصف حياته في صناعة الخيامية، يقول: "حرفة الخيامية مش صعبة، وأي حد ممكن يتعلم المهنة مع مرور الوقت لأنها مش محتاجة موهبة أو مهارات خاصة، بس اللي مش عنده صبر فوق صبره مش هيكمل فيها، لأن الوقت اللي بنستغرقه في عمل قطعة قماش لا تتعدى مترين ممكن يوصل لشهرين متواصلين من العمل، وكل حاجة حسب الشكل بتاعها، ومساحتها". يتابع: تاريخ تلك المهنة يرجع إلى العصر الفرعوني، ومرورا بالعصر الإسلامي، وهي مستمرة حتى اليوم، وكانت كسوة الكعبة تخرج من هذا الشارع لسنوات طويلة، وكانت أجزاء الكسوة توزع على جميع الصنايعية وكل منهم كان مختصا بجزء معين، ثم يتم التجميع بعد الانتهاء منها وإرسالها إلي الكعبة المشرفة. "زي ما انت شايف كدا.. الشارع بيهش وينش"، كلمة لوح بها عبد الحميد، للتعبير عن حال سوق الخيامية، وقال: "الصنعة اتأثرت كتير بالأحداث السياسية والمشاكل الاقتصادية في البلد، لأنها كانت بتعتمد في بيعها بنسبة كبيرة على حركة السياحة، ثم أصبح بيعها قاصرا على المناطق الساحلية وفي الشتاء، غير كدا كل فين وفين على ما نبيع حاجة". أحمد سمير، خريج كلية الحقوق جامعة عين شمس، ويعمل بتلك الصنعة، يلتقط طرف الحديث ليقول: "المهنة بتاعتنا دي لها أصول وقواعد واحترام، ومبتخرجش عن شارع الخيامية، ومفيش حد بيشتغلها في مصر غير الناس الموجودة بالشارع، وفي بروتكولات بتحكم الصنايعية منها ان محدش يقلد شغل حد، وكل واحد له طابعه الخاص، وشغله اللي بيميزه عن غيره". ويضيف: "اللي بيعمل شغل زي التاني ويقلده بيتعمل له مجلس من شيوخ المهنة ويتحقق معاه، ويبقي عليه حق، واللي يطلع علطان بيتحاسب"، وتابع: "الصنعة دي الوحيدة اللي لسة بخيرها، يعني الصين معرفتش تقلدها علشان كلها صناعة يدوية ومينفعش تتعمل على الآلات.