الأمس رحل ليأتي غدٌ يحمل خطايا الماضي فينتج لنا حاضرًا مدينًا ومُدان، سنة كونية ليست بحاجة إلى تفسير، فالأيام لا تشبها بعض، غير أنها محملة بأتربة وأعاصير فكرية، منا من يعبأ بها ويفني حياته معها، ومنا من تحتل قدرًا من اهتمامه وأولوياته، ومنا من يتجاهلها، فالحياة أصعب وأقصر من أن نستنزفها في التفكير بحثًا عن إجابات لأسئلة تحتاج عمرًا فوق أعمارنا، هكذا نحن نختلف ونقتسم الحياة بيننا. «تجديد الخطاب الديني» واحد من الموضوعات التي اختلفتنا حولها في الفترة الأخيرة، إذ أن هناك جبهة ترى أن الدين محله قلوب البشر ولا يحتاج إلى واصي عليه، وأخرى ترى أن الدين قواعد وأحكام صارمة على البشر أن يطبقونها "بحذافيرها"، وجبهة ثالثة رأت في إعمال العقل وإتباع الإسلوب العلمي، سبيلا الخلاص من هذه الأزمة الراهنة التي بات جذورها تضرب في الأرض منذ ثورة 25 يناير 2011. لذلك تستأنف دارُ العين بوسط القاهرة، الحلقة البحثية الثانية، بعد نجاح أولى فعاليات ندوتها البحثية الشهرية، التي يقوم عليها الباحث والناقد مدحت صفوت والزميل الصفحفي وائل فتحي، والتفاعل الذي لاقته حلقة «حرملك الشيخ والقسيس» الشهر الماضي، والاهتمام من قبل الحضور والمتابعين بموضوع "الخطاب الديني" خاصة وقضايا "تحليل الخطاب" بشكل عام، «حظيرة الشّيخ والقسّيس» في ندوة عن «التكفير في الخطابين الدّينيّين الأرثوذوكسيّ والوهابيّ». وتستضيف الندوة في حلقتها الثانية، الباحث في العلوم السياسية- عبده إبراهيم، الذي يشارك بورقة علمية عن مستقبل تجديد الخطاب الديني، في ظلّ تقلص مساحات التجديد، واتجاه المؤسسة الدينية الرسمية إلى الإطاحة بأي محاولة "عصرية" لفهم التراث خارج سياق المشيخة وأقانيمها، على الرغم من تداول مفهوم "التجديد" بكثافة بين النخب المصرية المختلفة، دينية وغير دينية. أكد الباحث «للبديل» أن حرصه على المشاركة في الصالون، يرجع لأهمية الموضوع المطروح "تجديد الخطاب الديني"، فالدين كما قال باحثنا يلعب دورًا كبيرًا في حياة الشعوب لاسيما مع بداية حركات التغيير وإقبال المجتمعات على تأسيس نهضة جديدة، أيضًا إتباع الباحثين القائمين على الصالون المنهج العلمي في معالجتهم للقضايا بعيدًا عن السطحية الإعلامية المتداولة بالإضافة إلى الموضوعية الشديدة التي يتسمون بها، سببًا آخر دفع "إبراهيم" إلى المشاركة في الصالون ليكون واحد من أسرته. جوزيف قوبلز، أدرك جيدًا قيمة الإعلام فيقول «لو بقيت عندي مائة مارك لأنفقت 99 منها على الإعلام والباقي على الجيش»، ومن هذه الأهمية الكبرى التي يحظى بها الإعلام نجد مؤخرًا أن هناك كثيرًا من القضايا التي عانت من السطحية والاستقطاب كقضية تجديد الخطاب الديني، الأمر الذي أقره "إبراهيم" قائلًا: هناك هيمنة من الإعلام على الخطاب الديني مما أدى تسطيح الخطاب وإهدار مفاهيمه، إذ أصبح الاهتمام بهذه القضية شئ من "الموضة" دون مراعاة لأسلوب علمي ومنهجي في الطرح، فالمهم بالنسبة للجهاز الإعلامي مواكبة الإحداث فقط، ما يزيد الأمر سوءًا الخلافات الشديدة بين المؤسسات الدينية نفسها، كالذي يحدث بين الأزهر والأوقاف هذه الأيام، فعلى الساحة يبدوان أنهم صف واحد لكن خلف الستار سعيهم يكون من أجل مصالح شخصية وانتصارٍ لقيمهم الذاتية. أيضًا انتقد "إبراهيم" عشوائية القائمين على المؤسسات الدينية في تناولهم لقضايا تجديد الخطاب الديني، فمثلًا لدينا أقرب نموذج وهو الإمام الراحل محمد عبده، كان لديه مشروع تنويري واضح الخطوات والرؤى، فعمل على ثلاث قضايا هما: اللغة، العلاقة مع الحاكم، المؤسسات الدينية كالأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، على عكس ما نشاهده اليوم فأصبح الحديث المتداول في وسائل الإعلامي سطحي وغير محدد. من هذا المنطلق رأى «إبراهيم» ضرورة عقد صالونات ثقافية بحثية مثل الصالون الشهري "حظيرة الشيخ والقسيس" ، أمر الذي يعلي من قدر البحث العلمي ثانية ويشجع على إحياءه، وذلك نظرًا لاتباع القائمون على الصالون للمنهج العلمي والالتزام بالموضوعية دون الانتماء إلى رأي بعينه.