وحدهم الفقراء هم الذين يكتوون بنيران حكومات أسقطت من حساباتها فريضة واجبة هى رعايتهم وتوفير حد أدنى من الحياة الكريمة لهم يحميهم من العوز وسؤال الآخرين ممن قد لا يشعرون بما يعانيه هؤلاء الفقراء، أو لا يملكون ما يمنحونه لهم. واجب الحكومة الغائبة غالبا هو رعاية المئات من النساء والأطفال والمرضى بكل المحافظات.. ولكن إذا أصبحت تمتلىء بهم دمنهور، وصار وجودهم فى كافة الشوارع والميادين معلما من معالم المدينة الصغيرة التى لم يكن عدد المتسولين بها منذ أعوام قليلة يتجاوز العشرات معظمهم من غير أبناء المدينة، ولم يكن التسول يمثل ظاهرة بمثل ما هو اليوم، حيث تنتشر نساء معظمهن يرتدين النقاب ويحملن أطفالا رضعا باحثات عن قوت يومهن فى ظل غياب تام لحكومة أتت بعد ثورتين رفعتا شعار العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. فمتى تتحرك الحكومة. فى ظل أوضاع اقتصادية تزداد صعوبة خرجت العجائز تحملن أكياس المناديل الورقية أو بعض المطبوعات الصغيرة لعدد من الآيات القرآنية والأدعية، بينما تجلس عجوز أخرى بجوار جهاز قديم لقياس الوزن للمارة، وهذه جميعا وسائل للتسول أو البحث اليائس عن قليل من الرزق هربا من الجوع. فى ميدان المحطة يتنافس هؤلاء على موضع قدم للوقوف طمعا فى الحصول على الرزق مما يدفع بعضهم للمبيت فى مكانه بجوار بضاعته التى هى غالبا مناديل ورقية، خوفا من احتلال آخرين للمكان، وأسفل كوبرى الاستاد العلوى لا يختلف الأمر كثيرا حيث تحاصر المكان عشرات من النساء. «البديل» تجولت فى شوارع دمنهور لرصد تنامى تلك الظاهرة وسط تجاهل حكومى، وبجوار حديقة الجمهورية بوسط المدينة جلست وفاء رحيم أو «أم سعد»، وهى سيدة فى العقد الخامس من عمرها على الرصيف بيدها عدد من المناديل الورقية وبابتسامة تحمل قدرا كبيرا من التوسل تسأل المارة: «مناديل يا ابنى»، قالت إنها أرملة مات زوجها منذ 3 سنوات وترك لها 5 أبناء بينهم 3 فتيات وولدان الأكبر عمره 9 سنوات، وتسكن فى شقة مكونة من غرفتين وصالة إيجارها 250 جنيها شهريا، وليس لها دخل ثابت، وقد مات زوجها الذى كان متزوجا من أخرى ولم يترك لهم قوت يوم واحد حيث كان يعمل فى بيع الخضار (فجل وجرير)، وكان رزقه يوما بيوم. وأضافت أنها توجهت إلى مديرية التضامن للحصول على معاش أو إعانة فقال لها الموظف «مالكيش يا حاجة عندنا حاجة»، فلجأت منذ عامين إلى البيع فى الشارع، مؤكدة أن «الشغل مش زى الأول، يعنى لو جبنا العشا للأولاد آخر النهار بنحمد ربنا، بس الحمد لله الدنيا لسة فيها خير، والمشكله أن شرطة المرافق تطاردنا بين حين وآخر وتلاحقنا حيث نذهب، وتلقى بما لدينا من المناديل فى الشارع». هبة محمد رجب، سيدة تقترب من الأربعين من عمرها، يجلس بجوارها طفلها عماد ذو ال3 سنوات، تجلس وعلى وجهها علامات الحزن، قالت إنها مطلقة منذ شهرين فقط، وترك لها زوجها 4 أبناء لم يلتحقوا بالتعليم ويعمل منهم 3 فى محلات بقالة وورش نجارة، وكل دخلهم لا يكفى إيجار الشقة 400 جنيه فى الشهر، موضحة أنها تقدمت بطلب للحصول على شقة إيواء غرفة وصالة إلا أن مسؤولى مجلس مدينة دمنهور رفضوا وأكدوا لها أن الشقق للحالات الحرجة فقط، كما أنها تقدمت بطلب إلى مديرية التضامن للحصول على إعانة، لكن طلبها رفض أيضا لعدم بلوغها سن ال60، ويبدو حال عامر، أشد قسوة حيث أرهقه المرض وجلس منهكا على رصيف شارع عبدالسلام الشاذلى وبجواره أكياس المناديل، ولم يستطع الحديث معنا من شدة الإرهاق والمرض. ورغم الجهد الكبير الذى يبذله فرع المجلس القومى للمرأه بالبحيرة فى رفع مستوى المرأة، إلا أن هذا الملف مازال يحتاج إلى مزيد من الجهد، حيث ترى المهندسة زكية رشاد، مقرر فرع المجلس أن هناك نساء تلجأن للتسول لعدم قدرتهن على العمل، وهؤلاء من ننشغل بهن، بينما تعتبر أن أغلبية النساء اللاتى تنتشرن فى الشوارع هن من الباحثات عن وسيلة سهلة للحصول على المال وتستخدمن الأطفال فى ذلك، موضحة أنها تسعى للتنسيق فيما بين الجمعيات الأهليه التى تعمل فى مجال المرأه للوقوف على أفضل السبل لمواجهة تلك الظاهرة، فى حين تؤكد الدكتورة رانيا الراقد، رئيس جمعية نسائم الخير، أن السبب الأساسى لتلك الظاهرة هو الفقر والجهل وغياب الوعى، وطالبت بضرورة تفعيل دور الجمعيات الأهلية فى تقديم منح لهؤلاء النساء وتسهيل الحصول على القروض والتوسع فى المشروعات الصغيرة.