«أنا أنشودة بتنشدها في كل مكان وعمرك ما عرفت لي عنوان أنا الغلبان أنا كلمة بتكتبها تزين موكبك بيها وعند المرسى ترميها.. رغب أن يعرف نفسه كواحد من ملايين البسطاء الذين ينتمون لهذه الأرض، خدم في الجيش المصري أربعة سنوت، كتب عشرات القصائد هجاءً في الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ورجاله، فكان الفصل من المؤسسة العسكرية جزائه، ظل 30 عامًا يكتب القصائد دون نشر بأمر رسمي، «القصيدة محبطة لا تصلح للنشر» الكلمة التي اعتاد سماعها كلما توجه لدار أو هيئة رقابية لإجازة نشر أعماله، إنه شاعر العامية وجيه أمين. بعد ثورتين أفُرج عن أول ديوان مطبوع ل«أمين» عن مؤسسة الإفريقية الدولية للنشر والتوزيع، بعنوان «غضب الغلابة»، مُرسل فيه رسائل عدة بأسم البسطاء والضعفاء لكل مسؤول في الدولة، لكن قبل الشروع في الحديث عن هذه الشريحة العظيمة من الشعب، يريد «أمين» نفي تهمه خضوع واستسلام جيل السبعينيات الذي ينتمي له آبان فترة حكم «مبارك»، قائلاً: المتابع لشعر العامية منذ أيام بيرم التونسي حتى اليوم، يعلم جيدًا أن لا توجد ثورة قامت في مصر إلا بشعر العامية، وأرى أن الفاجومي أحمد فؤاد نجم، قال عدة أبيات كانوا هم مفجري ثورات الربيع العربي «دور يا كلام على كيفك دور/ خلي بلدنا تعوم ف النور/ أرمي الملمة ف بطن الظلمة/ تحبل سلمى وتولد نور/ يكشف عيبنا، ويلهبنا/ لسعة ف لسعة/ نهب نثور». الفنان سعيد صالح سُجن بسبب مسرحية كعبلون، وأحمد فؤاد نجم قضى نصف عمره في المعتقلات وغيرهم الكثيرون، إذن لماذا يتهم جلينا أنه لم يفعل شيء من أجل البلد؟ هناك فرق كبير جدًا بيننا وبين جيل الثورة الذي اتهمنا بالتخاذل والرضوخ للنظام السابق، جيلنا كان يعافر كي يتحدث ويقول رأيه، وهو على علم أن كلامه هذا سيعرضه للاعتقال والسجن، أما جيل الثورة بكلمتين على الفيس بوك أو توتير يستطيع أن يعبر عن رأيه ويوصل صوته إلى العالم، لازم الكل يعرف "إن جيلينا قال واتكلم". «اسمع مني كلام وانساه وهتجيني تسمعه تاني.. راح تلاقيني بقول ال آه من كرباج صوته صحاني أيوة يا سيدي ما تستبعدش ما أحنا رجعنا لزمن الغش ضحكة ف لعبة وهروح في أبو قرش وتشوف حالي م تستحملش تايه عقلي ويوم ما ألاقيه هرقص وأضحك تاني.. كلمات من قصيدة «التعلب مات» مقارنة بين الرئيس الرحل محمد أنور السادات و«مبارك»، إحدى قصائده التي كانت سببًا في فصله من الجيش، فبعد أن كان ظابطًا بالموسسة العسكرية، أصبح بلا عمل؛ حتى شاء له القدر أن يكون واحدًا من ملايين البسطاء، فاقترب منهم أكثر حتى صار لسان الغلابة في مصر –كما يصف نفسه- متحدثًا باسمهم: دومًا الناس في الأحياء الشعبية صابره، عايزين البلد كما هي، لكن انتهى هذا الحال، حان الوقت الذي تقدرهم فيه الدولة وتضعهم في حسابتها، الكل يتحدث أمام الكاميرات عن الغلابة وهم لا يعلمون عنوان غلبان واحد. ديوان «غصب الغلابة» رسالة من واحد غلبان للمسؤولين بقول لهم "خلوا بالكوا مننا"، أنتم لا تنظرون إلينا إلا باعتبارنا الربع الخامس المستحيل الذي لا قيمه له سوى وقت الانتخابات، لا نريد شقق وعمارات، كل طلبات الغلابة محدودة "أكل حتى اللي بيقع من بين صوابكم، ألبس حتى اللي باقي منكم، أنام وأنا مطمن على بيتي وأولادي، أتعالج كويس، مطلوب أمان حرام الواحد يخرج للشارع ومش عارف هيرجع ولا لأ، ما تقوليش إخوان أنت المسؤول عن الأمن، نظرة يا ناس للغلابة". يلقي «أمين» اللؤوم على الإعلامين وحال الإعلام الموجهه قائلًا: لدينا ما يوفق مئات القنوات التليفزيونية ولا برنامج واحد في قناة يتحدث عنا، الإعلام أصبح كله موجه، سؤال هنا "إحنا فين من كل دا، مين قعد مع الغلابة سألهم إيه مشاكلكم، حسسوا الغلابة أن في ثورتين قاموا"، يرتفع صوت «أمين» الذي ارتوى من الألم: إذا قمنا بحصر للشهداء منذ ثورة 25 يناير حتى الآن، سنجد أن 1% من الصفوة فقط وال99% من الغلابة، أريد أن أقول لكل مسؤول "محدش فيكوا قعد على كرسي إلا بالغلابة، إحنا تعبنا فوقوا، نحن رومانة الميزان الحقيقة في هذا البلد". كلام «أمين» تلقائيًا ذكرني بانتفاضة الخبز سنة 77، وسألته هل من المتوقع أن تحدث انتفاضة خبز أخرى 2015؟، إجابة شاعر الغلابة وصفت مستوى الضيق الذي وصلت إليه هذه الشريحة الصابرة «أه طبعًا ممكن يحصل انتفاضه خبز تانية، أصل بالعقل أنا لو مالقيتش أكل هأكل ذراعك، لما بعد ثورتين يطلع تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات يقول إن فطار مكتب سكرتير التربية والتعليم 1200 في الشهر، ولسه عندنا ناس بتنفض الزبالة وتأكل منها يبقى اللي باقي، حسسونا أن ال50 قرش اللي دافعنها موصلات لحد ميدان التحرير عملت لنا حاجة". يختم «أمين» حوارنا معه بقصيدة موجهة لكل مسؤول في هذا البلد: «نزل المطر.. بل الشجر في قلب بستان الغلابة.. غسل هموم المطحونين نشف عرقهم على الجبين والبسمة بتزيل الكآبة.. قال الجدع: ملعون أبو الحمل التقيل كتفي انخلغ مش كل كلمة حنينة تخلي قلبك ينخدع.. اسمعنى هس: دي الرحمة من ربك وبس هتقول ده كينج هقول دا بنج، بيخدر الناس الغلابة لأجل الجسم العتيق يتحمل أنياب الديابة أوعى بعد الانتصار تسيب سلاحك ع الجدار وتدي ضهرك للي كان واقف وساندك ف الميدان هتلاقي أرضك طرحها نار هترجع وتلاقي السلاح اللي سبته ضاع وراح بقى دسيسه في كل دار وتقول قدر ربك ستر.. إلحقها قبل ما تبقى غابه».