فى لحظة يقرر الإنسان زهد الدنيا، ويرى أن فى الحياة الأخرى "ارتياح"، لحظة يفقد فيها الإنسان القدرة والسيطرة على أفعاله، فيقدم على الانتحار تاركاً يأسه وحرمانه وآلامه في رسالة واضحة للناس والحكومة "كفاية". زادت الأخبار عن معدلات الانتحار، وتنوعت الأسباب بين المرض والفقر والأوضاع السياسية، لكنها فى النهاية تصب في جهة واحدة، وهى وجود فشل سياسي والاقتصادي من قبل الحكومات سواء السابقة أو الحالية، تسببت في زيادة آلام المواطن البسيط وجعلته مطحوناً بين الأمل والبحث عن حياة كريمة وبين عدم توفير أقل سبل لهذه الحياة التي يبحث عنها. حتى الآن لا توجد إحصاءات رسمية عن عدد المنتحرين هذا العام، لكن رواد العالم الافتراضى "الفيس بوك" لم يتكاسلوا يوماً فى نقل صور وأخبار هذه الحالات، فعدد كبير من المواطنين أقدم على الانتحار فى مختلف محافظات مصر، وكانت الطريقة الأكثر شيوعاً هى "الشنق"، ما بين 23 و45 حالة انتحار رصدتها بعض المواقع الإخبارية، دون الاستناد إلى أى مصادر موثقة. ومع نهاية عام 2014، بدأت حالات الانتحار "شنقاً" فى التزايد، وكأنهم قرروا توديع العام والدنيا كلها، ومن أشهر تلك الحالات، زينب مهدي، فتاة العشرين عاماً، من الحملة الرسمية للمرشح الرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح، بعدما أكد أصدقاؤها بأنها أصيبت بحالة من الاكتئاب جعلتها تقدم على الانتحار، حيث شنقت نفسها بغرفتها، فيما تداول أصدقاؤها رسالة تقول فيها "تعبت استهلكت مفيش فايدة، مفيش قانون خالص هيجيب حق حد بس إحنا بنعمل اللي علينا". لم يمر الكثير على حادثة "زينب" حتى يكتشف رواد موقع التواصل الاجتماعى بأن هناك شخصا آخر التحق بزينب، هو أشرف صابر صليب، عامل بشركة للأجهزة الكهربائية، منذ 15 عامًا، فقد حياته منتحرًا بعدما خسر ميراث والده ونصب مواطن عليه، وخصوصاً أنه كان لديه طفلة مريضة ولم يستطع توفير العلاج المناسب لها. كانت هذه آخر حالات الانتحار التى تم رصدها، لكن لم تكن أولها ففى شهر سبتمبر، أقدم فرج رزق فرج، 48 عاما، ويعمل سائقا، على الانتحار شنقًا بلوحة إعلانية بالطريق الصحراوي السريع بين القاهرة والإسماعيلية، وكشفت التحقيقات أن خلافات زوجية وضائقة مالية كانت السبب وراء الانتحار. أما فى شهر أكتوبر، أنهى مجند في الأقصر حياته إثر سوء حالته النفسية نتيجة قلة دخله الشهري الذي لم يمكنه من العيش، وكانت هذه البداية ليتبعها انتحار عامل بمصنع حلوان للحديد والصلب بالغرق في نهر النيل، نتيجة لفصله من عمله. وعن زيادة معدل الانتحار وكيفية ردعها، قالت الطبيبة النفسية، سالى توما، إن الصدمات المجتمعية مثل الصراع والتعذيب الممنهج والاغتصاب والظلم والثورة المناضلة التي تعيشها مصر منذ 2011، بإمكانها التأثير على الشعب بأكمله، وتسبب اللآلام والمعاناة المستمرة، مؤكدة أن الأداء المنحدر للحكومات وتوالي الأزمات وعدم وجود رعاية حقيقة للمواطن البسيط، من الأسباب الرئيسية التى تدفع الأشخاص للانتحار، فضلا عن عدم الاهتمام بالصحة النفسية من قبل الدولة. وأضافت أن الدين وحدة أصبح غير رادع، وخصوصاً مع زيادة الضغوط المجتمعية، قلت قدرة الإحتمال، لافتة إلى أن كثرة انتشار صور المنتحرين، خطأ نقع فيه جميعاً، من شأنه تناول الفكرة وتقليدها، مطالبة بضرورة وجود وعى مجتمعى عن الصحة النفسية وخصوصاً للمراهقين، مشيرة إلى أن كثرة الحديث حول تكفير المنتخر، يزيد من غل المقبل عليه، لأنه وقتها يشعر بضعفه الحقيقى كإنسان مجبور على الأوضاع المحيطة، وفشله فى إيجاد حلول يزيده اكتئاب.