إحصائيات: 18 ألف منتحر منذ ثورة 25 يناير.. وتوقعات بزيادة عدد المنتحرين خلال عهد السيسي
"فقر ويأس ثم انتحار"، عبارات تلخص وصف حياة المواطن المصرى البسيط, على خلاف الوضع في دولة عربية أو أوروبية حيث ينتحر المواطن بسبب الملل من حياة الرفاهية والتي يصل معها إلى درجه كبيرة من الملل, أما فى مصر يختلف الحال كثيرًا, تجد الشاب يبدأ بالنهاية ويقرر الموت إما شنقًا أو حرقا لينهى سلسلة حياته التى لم تبدأ بعد. لا يعد إقدام السائق فرج رزق جادالله (48 سنة)، بسبب ظروفه المادية والاجتماعية السيئة فى لوحة إعلانية على طريق الإسماعيلية الصحراوي عملًا غريبًا على الوسط السياسي أو الاجتماعى المصري، فقبيل ثورة 25 يناير حاول مواطنون الانتحار أمام مجلس الوزراء ودار القضاء العالي ونقابة الصحفيين بسبب شكاوى عمالية أو لتردى الأوضاع الاقتصادية أو بسبب المحسوبية. لم يكن نجاح ثورة يناير برحيل نظام المخلوع حسنى مبارك مبعثًا لإحجام المصريين عن الانتحار، فأقدم أشخاص على حرق وشنق أنفسهم سواء فى عهد المجلس العسكرى الذى تولى فترة الحكم الانتقالى أو فى أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسى أو فى عهد الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي، وذلك لأسباب اقتصادية واجتماعية. "ما أشبه اليوم بالبارحة" يعتبر يوم الأربعاء يوم الانتحار، فأغلب الحوادث التى تحدث تكون فى ذلك اليوم, شاب فى مقتبل العمر قرر إنهاء حياته بجرة قلم يركن السيارة التى يعمل عليها، يتجه لأقرب لوحة إعلانية، يحمل بيده حبلًا متينًا، وبالأخرى يصعد السلالم حتى يصل لأعلى اللوحة الإعلانية، يربط الحبل بقوة فى أحد الأعمدة وبالجهة الأخرى يصنع عقدة ويلفها حول رقبته، وأخيرًا يقفز ليتدلى جسده فى طريق الإسماعيلية الصحراوى أمام المارة. وآخر تقدم لخطبة ابنة عمه، فيطلب منه أهلها مبالغ أكثر من قدراته المالية، يعود لمنزله حزينًا ليكتب خطابه الأخير لفتاته التى عشقها قبل أن ينتحر فى غرفته, وفى الإبراهيمية مر شاب بالتجربة ذاتها وفى اليوم ذاته حينما عجز ماليًا عن توفير احتياجاته للزواج من فتاة أحلامه، فانتحر فى غرفته، ورابع عامل فى مزرعة بقرية غزالة أبو عبدون بمركز فاقوس محافظة الشرقية عمره 21 سنة، شنق نفسه بعد خلاف مع صاحب العمل حينما طلب مبلغ 50 جنيهًا. حالات الانتحار تكررت كثيرًا فى الأشهر الأخيرة منذ يونيو الماضى حتى الآن، ما بين طالب بالثانوية العامة انتحر فى 26 يونيو بسبب صعوبة الامتحانات، وآخر فى الثالث الإعدادى انتحر بسبب رفض أسرته الذهاب للمصيف. وفي أقل من شهر شهدت القاهرة وعددًا من المحافظات 12 حالة انتحار كان آخرها اليوم لشاب يبلغ من العمر 27 عامًا ألقى بنفسه فجرًا من أعلى كوبري قصر النيل، الأمر الذى اعتبره خبراء إنذار شديد اللهجة للحكومة خاصة وأن أسبابها يرجع إلى حالة إحباط بسبب الفقر والاحتياج المادي. وأكدت دراسة صادرة من المركز القومى للبحوث الاجتماعية، أن حالات الانتحار فى مصر منذ عام 2009 فى تزايد مستمر، حيث بلغ عدد محاولات الانتحار فى عام واحد حوالى 104 آلاف حالة منهم 5 آلاف شخص أنهوا حياتهم، مشيرة إلى أن أغلب أسباب المنتحرين ترجع لظروف اقتصادية وعدم القدرة على مواكبة ظروف الحياة المادية، مضيفه أن الفئة العمرية الأغلب فى حالة الانتحار بين 15 و25 سنة بنسبة تصل إلى 6.66%، بينما يأتى فى المرتبة الثانية الفئة العمرية بين 25 و45 سنة، ويحل فى المرتبة الثالثة الأطفال من 7 سنوات إلى 15 سنة، بنسبة تصل إلى 5.21%. فيما أشارت إحصائية صادرة من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، إلى أن نسبة الانتحار عام 2011 وصلت إلى 18 ألف حالة، منها 3 آلاف حالة تحت سن 40 سنة، فيما تشير الإحصائية إلى أن 5 أشخاص بين 1000 شخص يحاولون الانتحار سنويا. وعن طرق الانتحار، تقول الدراسات إن عادة طرق الانتحار تختلف حسب الوضع الاجتماعى والثقافي، فالعاطلون يميلون إلى شنق أنفسهم بينما رجال الأعمال يطلقون النار على أنفسهم فى حين يلجأ تلاميذ المدارس إلى قطع شرايين اليد أو الشنق. وأضافت، أن تزايد حالات الانتحار فى مصر يرجع إلى انتشار الفقر والبطالة فى المجتمع المصرى الذى يعيش أكثر من 45 % من سكانه تحت خط الفقر، مشيرة إلى أن حالات الانتحار ارتفعت من "1160 حالة فى 2005" إلى "3700 حالة فى 2007" ثم "4200 فى عام 2008". وأكدت الدراسات، أن الفترة القادمة ستشهد أنواعًا مختلفة من الانتحار كالأقراص المنومة أو سم الفئران أو إلقاء أنفسهم من فوق العمارات أو الشنق أو قطع شرايين اليد أو إطلاق النار على أنفسهم أو الحرق. وقال الدكتور هشام بحيري، رئيس قسم الطب النفسي جامعة الأزهر، إن على رأس أسباب الانتحار في مصر ضغوط الأعباء المالية وضيق الحال من مرض وفقر وجوع. وأوضح أن مصر يوجد بها حوالي 900 ألف مواطن مقبل على الانتحار خلال الفترة المقبلة بسبب إصابة عدد كبير منهم بالاكتئاب العقلي، حيث إن نسبة الانتحار فيه أكثر من انتحار الإنسان الطبيعي. وأكد أن إقبال أي شخص علي الانتحار ينتج لتعرضه لضائقة مالية أو عاطفية وآخرين شخصيتهم وإيمانهم ضعيف، فضلاً عن أن هناك جماعة تسمى "الجماعات الانتحارية" تقدم علي الانتحار بهدف لفت انتباه الرأي العام لقضية معينة. وقال إن "مصر من اقل الدول التي يوجد فيه انتحار عن الدول الباردة التي تفتقد للشمس وتتميز بالظلام"، مشيرًا إلى أن الظلام يؤدي إلى الاكتئاب، من هنا يقدم الشخص على الانتحار. بينما قال الدكتور سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسي إن أسباب الانتحار كثيرة جزء كبير منها يتعلق مشاكل اقتصادية والمرض ومشاكل عاطفية وخلافات أسرية وخلافات على مستوى العمل، بالإضافة إلى الأمراض النفسية خاصة وإن 25% ممن يعانون الاكتئاب يقبلون على الانتحار، وكذلك أصحاب المرضى العصبية والذين يعانون من الانفصام في الشخصية. وأوضح أن "نسبة الانتحار في الرجال أضعاف أربع أضعاف السيدات حيث أن محاولات الانتحار في السيدات ضعيف الرجال"، مشيرًا إلى أن الرجال "ينتحرون بوسائل عنيفة وينتحرون في الخفاء، دون الإعلان عن انتحارهم وهذا عكس السيدات محاولاتهم ناعمة وليست مؤكدة صرخة استغاثة الحقوني في حالة إقدامها على الانتحار".
وقال الدكتور أحمد عبد الله، استشاري الطب النفسي، إن الانتحار بشكل عام هو "رسالة عدوان وانتقام ضد الذات"، قد تكون أسبابها بيولوجية أو نفسية أو مجتمعية، وللأسف جميع تلك الأسباب متوافرة فى المجتمع المصرى وبكثرة، فلو نظرنا لمياه الشرب والأكل والفوضى المتكاثرة حولنا والارتباك والمشاكل المالية التى تسيطر على معظم المواطنين، فكلها أسباب تدفع المصريين للعدوان سواء ضد النفس أو الآخرين. وأضاف عبد الله، أنه بتزايد كل هذه الضغوط على المواطن بالإضافة لوعود الحكومة بتوفير احتياجات المواطن التى لا يعلم متى ستتحقق، فهى بذلك وفرت له المناخ الأمثل وكل سُبل الانتحار،فوصل لمرحلة "اليقين بعدم الفائدة" فى حل أى ضغوط ومشاكل يمر بها سواء من الدولة أو من المحيطين به، فقرر الاحتجاج والانتقام من ذاته ومنهم، ظناً منه أنه بذلك سيؤلم ضميرهم وينتقم منهم لعدم شعورهم بمشاكله وهو على قيد الحياة. ومن جانبه، قال عادل صبحي، أستاذ علم النفس بجامعة حلوان، إن شباب مصر يعانى من أزمات نفسية، ولكن الخوف من اللجوء للطبيب النفسى يدفعهم للانتحار، مؤكدا أن معظم الأشخاص الذين يقبلون على الانتحار غير أسوياء من الناحية النفسية والدينية، وغالبًا ما يُعانى الشخص المنتحر من عدم نضج الشخصية أو نقص فيها، الأمر الذى يدفعه إلى التفكير فى الانتحار، وتصبح أى مشكلة اجتماعية ولو بسيطة بمثابة القشة التى قسمت ظهر البعير، تلك النماذج لديها القابلية على الانتحار منذ الطفولة، فهم لا يمتلكون المقاومة النفسية التى تقوم على الضمير والقيم، لذلك ينهارون أمام أول صدمة تواجههم، والدليل على ذلك أن هناك آلافًا من الأشخاص لهم نفس الظروف الاقتصادية الصعبة ولم ينتحروا. وأشار إلى أنه قديمًا كان هناك بعد إنسانى يجعل الأشخاص يتعاونون سويًا لحل مشاكلهم، وهذا اختفى الآن، مما يؤدى للاكتئاب فلا يوجد علاج بسبب ثقافة "الاقتراب من الطبيب النفسى وصمة عار"، فالشعب المصرى يعانى من أمراض كامنة لا يشعر بدرجتها، ويعتقد أنها طباع فيه، فالشخص المريض عندما يُقبل على الانتحار يُقنع نفسه أنه سيفوز بالجنة ويستريح من عناء الدنيا.