إنه أبو مصعب الزرقاوي.. أو أبو عمر الليبي.. أو ابو البراء المصري.. أو أبو بكر البغدادي أو سمه كما تشاء.. فتلك الكنى اختيرت بدقة لرؤوس الإرهاب لتعرفها بمنشأها العربي وتصكها بعناوين عواصم العروبة، حتى وإن تقرر تصدير عينة الفزع لعنوان غربي فستصبح الكنية "أبو حمزة المهاجر"، ولا بأس أن تقدم حيثما حلت كروتا مزيفة مصبوغة بالدماء تعرف بلاد الأنهار والنفط، وتفسد بجرائمها المهاجرة معاني الفداء والجهاد، وكأنه لم يكف صانعوها إبرام عقود ممدود الأجل لشقق مفروشة بالقتل في منطقتنا، لكن حبكة الصنعة تقتضي حضور بعض من سفراء الإرهاب والقتل في المطابخ الغربية، وذلك أهم بنود العقد. أسدل الأمريكي الستار على أكذوبة أبو مصعب الزرقاوي في عام 2006، بعد أن ملأ الدنيا ضجيجا ك"خُط الصعيد" في الخمسينات، وحجبت أخبار سيطرة ميليشياته على الرمادي العراقية الأفق في 2005، ثم كان ان دارت دائرة الانفجار المعرفي على سجلات الإرهاب ليخفت ضجيج القاعدة بمقتل بن لادن، وتنزاح ومغامراتها الإرهابية إلى زاوية مشهد تقوده الأكاذيب، وتنتج عمليات التسليم والتسلم الإعلامي أسطورة ابو بكر البغدادي وفتوحات "داعش"، لتحل فزاعتها الإعلامية ضيفا دائما على أحاديث القوم، وتتحول مغامراتها الى مادة خصبة للإعلام والمواقع الاخبارية والتواصل الاجتماعي دون تدقيق أو وعي. هي بلاشك لعبة تزييف الوعي بإعلام "الجيل الرابع من الحروب"، والتي يحلو لها في كل جولة تعطيل الحواس وجميع وعلامات الاستفهام وأدوات التحري، لصالح غريزة الخوف، التي يحلو لأمريكا والغرب مخاطبتها وتغذيتها والاستثمار فيها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فلا بأس أن تسقط بغداد في براثن الأمريكي باشاعة "تليفزيونية" أو تسقط الرمادي في يد الزرقاوي باشاعة "خبرية" أو الموصل في قبضة البغدادي بإشاعة "يوتيوبية"، وفي كل الأحوال تتهاوى حصون المدن بمدافع الخوف، بعد أن يهجرها أهلها. إذن، ووسط ركام الأكاذيب والاستعداد الفطري لاستيعابها، تزدهر فنون الاشاعة والحرب النفسية، لتدمير المعنويات وتفتيتها وبث الشقاق والعداء وعدم الثقة، والأهم هو استعمالها سلاح معنوي لإسقاط الجيوش والمدن بأقل خسائر ممكنة، وستار دخان سهل لاخفاء الحقيقة وتجييرها لصالح طرف بعيد في ركن ركين من المشهد، وفي ذلك تتراءى المصلحة الأهم للكيان الصهيوني، الذي يترادف صمت أسلحته وإرهابه وقتله، مع مؤامرات جديدة تدار في الخفاء لإعادة رسم وتشكيل الخرائط. من أجل هذا الهدف، لن يبالغ المرء بالقول، إن المخابرات الغربية أعادت انتاج أفلام الرعب الأميركية، واستلهام أنماط الخوف وعناصره ومصادره وسبل توزيعه وتعميمه ونشره، لتصدر للعرب الخوف والإشاعة مع الإرهاب وفق مقاييس نفسية جديدة، تجعل تأثيراتيه الكيفية أكثر اتساعا وانتشارا، وإن توحدت أدواته وأهدافه، فلا يهم حينها التفتيش عن الفروق الجوهرية ان وجدت بين الزرقاوي والبغدادي في الظهور والانتشار، أو فجرت رصاصة أمريكية خرافة "البغدادي" ليلحق بشريكي اللعبة بن لادن والزرقاوي، فالاستراحة كفيلة بتجهيز أبطال جدد، وتقديمهم للمشاهد بأسماء جديدة! القدر المتيقن من الصواب، إن ماراثون التتابع الدموي الذي تخوضه أمريكا والغرب في المنطقة سيستمر طويلا، وسيمضى الى غيه في اسقاط أوراق الدومينو بحيل ديكتاتوية أو ثوراتية أو إرهابية أو ربما رياضية، فالمؤامرة المحبوكة قائمة منذ قديم الزمن، والاعتذار لها بات أمرا واجبا وضرويا، طالما بقي الكيان الصهيوني يعوم على بحيرة عربية كبرى من القتل والدماء، ويجلس على بوابة فرن عربي كبير للشواء والتكفير والاقتتال العرقي والطائفي، وهو عيب لا يجب أن يتوقف عند اعتاب المؤامرة الصهيونية، بل لثغرة كبرى في الجدار العربي، تمرق منها كل أغراض وأدوات تلك المؤامرة.