يخطو السيسي اليوم أولى خطواته على أعتاب طريق الأشواك في قصر الاتحادية.. قد لا يكون مديونا لأحد كما رأى أو استقر في يقينه.. لكن ألغاز الامتحان الرئاسي أثقل من جبال الديون، حتى لو كان رجل اللحظة هو مارشال صعدت به أصوات متحمسة حد الرقص، وتفاءلت به باعتباره (بشرة خير)، لكن السامر لن ينفض بانتظار أمارة تلك البشرة، فقد تكون المفاجأة ورقة (آس) يخبئها مقامر اللحظة الأخيرة في كُمه، أو ربما مناديل وأرانب يخبئها الساحر تحت قبعة المفاجآت المدهشة..هي على أي حال فاتورة الرضا التي سيدفعها آجلا أو عاجلا أي رئيس بعد ثورتين ضد نظامين فاشيين، ويتربص به أذلام النظامين قبل أن يتخوف حساب ناخبيه، فيما تبقى ظلال الاستحقاق الرئاسي بمؤيديه ورافضيه ومقاطعيه ومبطليه ونسب مشاركيه جرس إنذار في خلفية المشهد. يرى في (أطعمهم من جوع) و(آمنهم من خوف) فاتحة الكتاب في حكم مصر و(عربنة) لأحلام المصريين وتطلعاتهم بعد الثورتين، لا تحدثني إذن عن مشاريع أو طموحات طرح بعضا من ظلالها في برنامجه (السري)، فأمام الاقتصاد والأمن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وجميع الوعود مؤجلة إلى حين، حتى الديمقراطية ربما تحتاج عقودا لاستقرارها على ضفاف نيل المحروسة، ولا بأس من أن تتلاشى أصوات المؤامرات والمخططات الأمريكية الصهيونية، تختل إذن كافة معادلات الحكم السياسية الحديثة أمام المهمتين العاجلتين، ليس في نظر المصريين بل في ذهن مارشال القصر فقط. قد يدرك حجم المأزق، أو لا يعيره اهتماما بحكم أولويات أجندته، لكنه الواقع الذي لا يقبل تأجيلا أو استعانة بصديق، فهو بلا شك رئيس جمهورية التناقضات، مارشال جيش يأمر فيطاع ويريدونه اليوم حاكما ديمقراطيا.. اعلن حربا مفتوحة على الاخوان فيما بقي ظهيرهم السلفي الداعم له ينتظر المكافأة.. رئيس بعد ثورتين احداهما تطلب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية دون استبداد أو فساد، والأخرى تريد كل ذلك في حضن دولة وطنية مدنية حديثة تتمتع بالاستقلال الوطني عن قبضة الامريكي والصهيوني.. رئيس فاز بالاكتساح في انتخابات شهدت نسبة مقاطعة معتبرة وإبطال أصوات لا يستهان بها وكان بطلها صمت الشباب، فيما هو مطالب بلحم الصف وإرضاء مناوئيه ليس تفضلا بل بحثا عن الاستقرار اللازم لحكمه، رئيس بمعارضتين الأولى داخلية بكتل شباب رافض وسياسيين متشككين غاضبين، والاخرى خارجية متأسلمة تلوذ بقطر وتركيا ولا مسافات عندها بين هدم نظام ودولة، لكن الفرار لن يطول من سؤال المصالحة ومع من يتصالح؟!! من المبكر جدا الحكم على كفاءة الرجل في اجتياز تلك المعضلات، رغم غموض مؤشرات ما قبل الانتخابات، لكن الرهان قائم على أنه لا حجة لرجل المخابرات الحربية الذي أجلسته الظروف على طاولة المراجعة النهائية بقصري مبارك ومرسي في أن يكون قد توصل للحد الادنى لاسباب سقوط نظاميهما، والوصول لدرجة النجاح على الأقل دون آمال كبار على تفوق منتظر، محظور إذن التسكين أو القفز على اسئلة سقوط النظامين، و لن يجدي قطعًا تحسين شروط أحد النظامين أو كليهما في تبريد الحالة الثورية المصرية، والتي قد تنقلب من رقصات وهتافاتإالى دعوات للاسقاط والقصاص. لنكن صرحاء، ليست ورقة "آس" أو "قبعة الأرانب" هي التي رجحت كفة السيسي في الاستحقاق الرئاسي، لكنها عصاه "المارشالية" السحرية التي يراهن عليها البعض لثورة جذرية داخل مؤسسات الدولة ومعادلاتها الفاسدة، فهو ابن المؤسسة العسكرية وحامل أختام الدولة المصرية، بما يمكن له إعادة هيبتها وتطهيرها من الفساد، وينشر عبرها العدل السياسي والاجتماعي في ربوع الوطن، ويعيد بأدواتها توزيع الثروة والسلطة، ويجعلها قاعدة انطلاق لثورة عرضية في خارطة الوطن، تمنح عربون الثقة للشباب والمناضلين والمخلصين للحاق بمرحلة بناء شامل، وتحفز في الوقت نفسه قوى المعارضة الوطنية من أمثال صباحي وصحبه للقيام بدورهم في المعادلة الجديدة دون إقصاء أو (تكبير مخ)! يقول الروائي العالمي الراحل جابرييل ماركيز: "إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الأولى فالأفضل عدم الإصرار على كتابتها"، تلك هي أفضل روشتة للرئيس المنتخب إذا لم ينجح في الوصول للحد الأدنى من التفاعل مع حبكة القصة المصرية القصيرة خلال الفترة الرئاسية المقبلة، يقول ماركيز أيضا " الأمر في الرواية أسهل من ذلك، إذ من الممكن العودة للبدء فيها مجدداً" وهذا ما لم يعد يصح في مصر التي غادرت وللأبد روايات ال30 عاما، وأصبح فيها كل مصري يتحسس ساعته ويضبط دقات عقاربها على خطوات رئيسها وحركته، والاصعب أنها خطوات ليست على هوى الرئيس، بل محكومة بمزاج شعبه.. الثورة ليست في الكفن.. أنا متفائل!