زادت «أنطوانيت» من شهرته العالمية، خاصةً بعد أن حصل على جائزة نوبل للآداب عنها عام 1915، وترجمتها إلى العربية الدار المصرية اللبنانية عام 1997. «أنطوانيت» أحد الروايات العالمية المترجمة للأديب الفرنسي رومان رولان، وبالتزامن مع ذكرى ميلاده ال148، التي تمر اليوم، تستعرض «البديل» بعض من قراءات النقاد والقراء في هذه الرواية، بالإضافة إلى عرض سيرة صاحب قصص «جان كريستوف». رواية "أنطوانيت" هي جزء من عشارية "جان كريستوف"، وهو نوع مختلف عن أجزاء الرواية الواحدة المتصلة مثلما فعل مارسيل بروست في "البحث عن الزمن المفقود"، أو نجيب محفوظ في ثلاثيته"، فشخصية "جان كريستوف" هي كالنغمة الدالة التي تتردد في كل الألحان، وهي الشخصية التي دعته إلى إطلاق تعبير "الرواية النهر" على هذا النوع من الكتابة الروائية. تتحدث الرواية عن المكونات الحياتية والنفسية في حياة أسرة عانت بعد ثراء، وتكاثرت عليها المحن حتى انهارت، بعد مغامرة رب الأسرة بماله، وهو الذي كان السبب في رفاهيتها سابقا، فضاعت الثروة نتيجة الأطماه وضاعت حياته بفعل اليأس، فلا تجد الأسرة غير الهروب إلى باريس قلب العالم الصاخب حيث لا رأفة ولا رحمة. في هذه الرواية الإنسانية يصور فيها رولان رومان صعود وهبوط الإنسان، ملتجئا إلى التحليل النفسي للشخصيات بدءا من الأب الثري والأم شديدة الجمال والابنة الذكية الطيبة والابن الساذج الانعزالي، وحولهم جميعا نماذج المجتمع الغريبة والسائدة. تصور الرواية الأحداث بأسلوب أدبي فني مسرحي وفلسفي رائع، ومن جهة أخرى، لأنها الرواية التي استطاع مؤلفها أن يجعل قارئها يعيش أحداثها نقطة بنقطة، وينجذب لإتمام قراءتها، لروعة الأسلوب اللغوي ولبلاغة الصور الشعرية والنثرية التي يصف بها أحداث القصة المعالجة، وللجمع من جانب آخر بين الخيال والواقع بأسلوب أدبي وفني وفلسفي حكائي وصفي رفيع. تدور أحداث الرواية حول الشخصية البطلة "أنطوانيت" وهو عنوان الرواية، التي كانت تعيش مع أبويها في مدينة ريفية إل جانب أخيها الأصغر منها، حياة السعادة والرغد حيث كان أبوها ميسور الحال، يعطف عليهما ويحنو عليهما أشد عطف وحنان، فهو رجل أعمال من الفئة البورجوازية وكان يحبها هي وأخوها حبا جما، كما كان يتميز بطيبة النفس وحسن المعاملة مع الناس، وهي التي أودت بثروته وحياته بعد ذلك كما يصور الكاتب في الرواية. وفجأة تنقلب حياة الأسرة رأسا على عقب حينما يفلس رب الأسرة في كل أعماله ويغامر بكل أمواله في مشروع فاشل باء بالإفلاس، قاده في النهاية، مع تزايد مطالبيه بأموالهم لأنه كان رب المصرف الذي أفلس، إلى الانتحار بطلقة نارية من مسدسه تاركا عائلته الصغيرة في دوامة المعاناة والحيرة والشقاء، فتحولت معه حياة العائلة من حياة السعادة والثراء إلى الشقاء والتعاسة والفقر، اضطرتها إلى الهجرة من مدينتهم الريفية إلى باريس، حيث ظنت الأم أنها ستجد سعة صدر ورحابة من طرف أختها المتزوجة هناك عند قاضي ميسور الحال هو الآخر. لكن ما كانت تخبئه لها الأقدار هو عكس ذلك حيث رفضت أختها حتى الإشفاق عليها مخافة أن تثقل كاهلها هي وابنيها الاثنين أنطوانيت وأوليفييه، لذلك سدت في وجهها كل الأبواب منذ البداية، الأمر الذي دفع الأم، بعزة نفسها وللحفاظ على شرف ابنيها وخاصة أنطوانيت، إلى البحث عن عمل لضمان عيشهم وتوفير مصاريف الإيجار. لاقت خلال بحثها أشد أنواع الإهانات والمعاناة التي أودت بحياتها بعد بضع سنوات من الجهد والتعب والعمل المضني، لتحمل مشعل الكفاح والنضال ضد قساوة الحياة وبؤسها البنت التي لعبت في الرواية دور البطل بعدما قطعت على نفسها عهدا هو الوقوف إلى جانب أخيها أوليفييه لإتمام دراسته وتشجيعه ودعمه في كل الأحوال أملا منها في حصوله على منصب أستاذ، الذي وضعته واتفقت على جعله غاية غاياتها، وهي في سنها السابعة عشرة، مضحية في ذلك بزهرة شبابها وسعادتها وحبها وكل أحاسيسها، فصبت على أخيها كل أملها وأعطته كل ما تملك من حنان وعطف وحب حيث لعبت دور الأم الثانية. كل هذا من أجل سعادة أخيها غير مبالية لا بصحتها ولا بجمالها الذي أصبح يذبل شيئا فشيئا، ومدخرة كل فلس لنفقات أخيها حتى يصل إلى مبتغاها ومبتغاه، وفعلا تحقق ذلك، لكن ما إن شعرا أنهما سيعيشان حياة سعيدة مع بعضهما البعض بعد ذلك حتى فاجأتها نوبة المرض التي أصابتها نتيجة معاناتها وآلامها والمجهود المضني الذي كانت تبذله أثناء اشتغالها ومعاناتها في صمت، والذي أودى بحياتها بعدما أخبر الطبيب أخوها أنها أصيبت بذبحة صدرية حادة لا أمل معها في العلاج، لينهي المؤلف روايته بنهاية درامية مؤثرة، لكن ما ضحت من أجله الأم والأخت بالخصوص "أنطوانيت" تحقق وهو أن ينهي أوليفييه تعليمه ويشتغل بمهنة شريفة. بعد صدور نسختها العربية، انتقد بعض القراء الأخطاء الإملائية التي جاءت بها، في حين قال عنها البعض الآخر: رواية حزينة للغاية مليئة بمشاعر من الألم المشوب بالنبل الخالص. الكاتب يروى أشخاص فى غاية المثالية وجودهم فى الحياة لا يتعدى أصابع اليد لكنهم فى ذات الوقت يشعرونك بجمال تلك المشاعر وصدقها وتجد نفسك تفكر فى حقيقتك منها على مر الوقت. "رومان رولان" أديب فرنسي ولد يوم 29 يناير 1866 وتوفي يوم 30 ديسمبر 1944. درَّس التاريخ في المعهد الثانوي هنري 4 ولويس الأكبر. كما درس بعد ذلك الموسيقى في جامعة السوربون وتاريخ الفن بمدرسة الأساتذة العليا. نشر دراسات عن المشاهير، كما كتب العديد من المسرحيات الثورية، ومع هذا لم يعرف ككاتب مسرحي إلا بعد أن طبقت شهرته الروائية الآفاق، وخاصة بعد نشر روايته الضخمة "جان كريستوف" في عشرة أجزء، وفاز عنها بجائزة الأكاديمية الفرنسية الكبرى ثم بجائزة "كولاس بروبنون"، وفي النهاية تتويجه بنوبل.