محافظ سوهاج يقرر خفض تنسيق القبول بالثانوي العام إلى 233 درجة    ترامب: عودة الرهائن من غزة لن تحدث إلا بتدمير «حماس» ( تحليل إخباري )    نيابة عن رئيس الجمهورية: رئيس الوزراء يتوجه إلى اليابان للمشاركة في قمة "تيكاد 9"    فيديو| اندلاع حريق في ترام الرمل بالإسكندرية نتيجة ماس كهربائي.. وإخلاء الركاب    بدءاً من شهر سبتمبر.. برنامج "باب الخلق" على قناة النهار والتليفزيون المصري    إيهاب توفيق وفرقة كنعان الفلسطينية يضيئون ليالي مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء    تعليم الوادي يعلن مواعيد المقابلات الشخصية للمتقدمين لشغل الوظائف القيادية    محافظ الوادي الجديد يتفقد تقدم أعمال إنشاء مدرسة المتفوقين STEM    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    إبراهيم نور الدين عن التحكيم هذا الموسم: بلاش اقول احساسي عشان هيبقي " محبط "    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    تعديل موعد انطلاق بطولة أفريقيا لأندية كرة اليد بالمغرب    أسعار سبائك الذهب اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025.. بكام سبيكة 2.5 جرام؟    كيف بدأت مطاردة فتيات طريق الواحات؟.. أقوال ضابط المباحث تكشف التفاصيل| خاص    قرار جمهوري بمد فترة حسن عبد الله محافظًا للبنك المركزي لعام جديد    نص القرار الجمهورى بالتجديد ل"حسن عبد الله" محافظًا للبنك المركزى    يتضمن 20 أغنية.. التفاصيل الكاملة لألبوم هيفاء وهبي الجديد    أسامة السعيد: الموقف المصرى تجاه القضة الفلسطينية راسخ ورفض للتهجير    «أحمديات»: غياب ضمير العشرة    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد دار إيواء المستقبل (صور)    كشف ملابسات قيام سائق "توك توك" بالسير عكس الإتجاه بالإسكندرية    إصلاحات شاملة لطريق مصر - أسوان الزراعي الشرقي في إسنا    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    الأعلى للإعلام: انطلاق الدورة التدريبية رقم 61 للصحفيين الأفارقة من 18 دولة    «بيطري قناة السويس» تُطلق برامج دراسات عليا جديدة وتفتح باب التسجيل    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    تحذير رسمي.. عبوات «مجهولة» من «Mounjaro 30» للتخسيس تهدد صحة المستهلكين (تفاصيل)    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    هام وعاجل من التعليم قبل بدء الدراسة: توجيهات للمديريات    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "بعد أزمته الأخيرة مع الأهلي".. 10 معلومات عن الحكم محمد معروف (صور)    "كان واقف على الباب".. مصرع شاب سقط من قطار الصعيد بسوهاج    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    موقع واللا الإسرائيلي: كاتس سينظر خطة لمشاركة 80 ألف جندي في احتلال غزة    الرئيس السيسي يوجه بتعزيز الموارد الدولارية وتمكين القطاع الخاص لجذب الاستثمارات ودعم النمو الاقتصادي    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم الاثنين    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    وزارة التعليم: قبول تحويل الطلاب من المعاهد الأزهرية بشرط مناظرة السن    إصابة 14 شخصا فى تصادم ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد الخيّال : حتى تكتمل الثورة
نشر في البديل يوم 24 - 06 - 2011

” لقد قمنا بتغيير الرئيس، ولكن الرجل الثاني في النظام القديم لازال في السلطة. لقد كسبنا معركة، ولكننا لم نكسب الحرب بعد ”
” أثناء الانتفاضة ضحى العمال بحياتهم ببسالة .. ولكنهم حصلوا فقط على تغيير دستوري بينما كانوا يريدون شروطاً أفضل للحياة وشكل آخر للدولة ”
جاءت هذه الكلمات على لسان بعض قادة العمال في اجتماع ممثلي النقابات والمنظمات الجماهيرية بعد أيام قليلة من انتفاضة بوليفيا ( أكتوبر 2003 ) والتي اندلعت شرارتها بواسطة الطبقة العاملة ( عمال المناجم ) وهي التي كان مقدرا لها أن تنضم إلى مصاف الثورات الشعبية التاريخية ألكبري ذات التأثير العميق لولا سيطرة الأصوات الداعية للاستقرار والمهادنة وضرورة الانتظار لمنح الفرصة وإعطاء الوقت فحدث أن سمح هذا بالطبع للحكومة الحالية وقتها وللطبقة الحاكمة من ورائها أن يبقوا على قيد الحياة، وتم بعدها تبديد القوة المحتملة للانتفاضة ولقدرتها على إحداث التغيير الحقيقي المطلوب.
لا يختلف هذا المشهد كثيرا عن اللحظة التاريخية المصريّة الراهنة التي لا نكتفي ( لحسن الحظ ) بمشاهدتها الآن بل ونسهم أيضا في تشكيلها وتحديد وجهتها سواء سلبا أو إيجابا لكن بنسب متفاوتة من الوعي سواء بدروس التاريخ أو قراءة الحاضر أو استشراف المستقبل ،كذلك بنوايا لا تتفاوت فقط بل وقد تتعارض أيضا على مستوى النهاية ( الثمرة ) التي تتوج هذا الحراك الثوري كل حسب ايدولوجيته أو حساباته ومصالحة الخاصة ،ذلك التفاوت الذي افرز في المرحلة اللاحقة على تنحي مبارك ذلك الانقسام في التعاطي مع استمرار الوقفات الاحتجاجية ما بين مؤيد ومعارض وما جري تمريره عبر وسائل الإعلام والخطاب الديني ( إخوان – سلفيين ) وكذلك الخطاب الرسمي السلطوي ( المجلس العسكري ) من ضرورة الاستقرار والامتثال لنتائج صندوق الاستفتاء ( على دستور مهتريء معني بالتغيير لا التعديل ) وفي غمار هذا التخندق الغير مسبوق لقوى وتيارات لم يوحد خطابها سوى المصلحة تم إنتاج مقولات هزلية من عينة دفع عجلة الإنتاج والأجندات الخاصة حتى وصل الأمر لان تصف جماعة الإخوان من خرج بجمعة الغضب 27 مايو بالكفرة والملاحدة والشيوعيين وبان هذه الوقفة هي جمعة الوقيعة ما بين الشعب والمجلس العسكري ،ناهيك عن ذلك الصراع النظري العقيم بين رؤية واتهامات يسارية ليبرالية حول الأولويات واليات العمل وملامح المرحلة المقبلة بينما كان يلوح أحيانا في الأفق أصداء لصراع مكتوم حول الزعامة ومن يحق له التحدث باسم الثورة ذاتها وهو صراع يتضمن بداخله تنافس وجودي بين جيل الشباب ( الصانع الحقيقي للثورة ) وبين جيل أو أجيال حاربت طويلا وأنتجت آلاف الصفحات وخاضت الكثير من الحروب ( بعضها دون كيشوتي أو ديكوري ) لكنها تفاجأت مثل الآخرين بتحقق الحلم الذي طال انتظاره حتى كاد أن يكون مستحيلا .
هذا التفاوت في المواقف والخطاب والذي اختفي او كاد بصورة أدهشت جميع المراقبين في الايام الأولى لثورة الغضب المصرية 25 يناير وما تلاها حتى اعلان الرئيس السابق عن تنحيه عن السلطة على لسان نائبه ورئيس جهاز المخابرات السابق عمر سليمان 11 فبراير كان باعثا على كثير من الامل ( الزائف ) في ان تستطيع القوى الفاعلة بالساحة المصرية وكذلك الوليدة من تجاوز خلافاتها وتعارض توجهاتها ومصالحها نحو اقامة تحالفا وتجمعا ينصهر فيه الجميع من اجل مصلحة الجميع .. ذلك الامل الذي اخذ في الانزياح شيئا فشيئا مع توالي المواقف المحبطة سواء من جهة المجلس العسكري ( المكلل بالزهور ) او من جماعة الاخوان المسلمين الفصيل الذي يحوز على ثقة الكثير من جموع المصريين بطبيعة التمسح بالدين اضافة الى قوة وتشعب التنظيم الداخلي او حتى التيار السلفي والذي تغلل في وعي الكثيرين من خلال ميديا وفضائيات وشيوخ نجوم وجد بخطابهم المصري البسيط بديلا مقنعا عن فشل المثقف والفنان والسياسي في التواصل معه بلغة يفهمها وتواصل يمنحه الشعور بالانتماء .
اختفي التوحد وظهرت على السطح الخلافات الواضحة بل والتناقض وتراشق الاتهامات لان المصالحة كانت وقتية وتم اختزالها ( بوعي او غيابه ) في قضية رحيل شخص او حتى نظام بأكمله ومحاكمته بل والتشفي به وهو المسار الانفعالي العاطفي المتغلل بوعي جموع المصريين والذي للمفارقة دأب النظام السابق نفسه على استخدامه وتوجيه الرأي العام من خلاله بواسطة ادوات الهائية مختلفة ( كرة قدم – فضائح جنسية – صراع طائفي – ازمات مفتعلة وغيرها ) وبحيث يتم تمييع القضية الرئيسية وهي التحول البنيوي للنهضة والتنمية الحقيقية الشاملة .
اصلاح ديمقراطي ام ثورة اجتماعية شاملة؟
يكمن مأزق الثورة المصرية الحقيقي في تداخل وتشابك الرغبة في الإصلاح الفوري مع مفهوم التغيير العميق لبنية المجتمع ووسائل انتاجه ومكوناته باختلافها وهو ما قامت وتقوم الثورات الحقيقية من اجل تحقيقه وفرضه على الواقع ..
فبينما يكون الإصلاح جزئي وفوري ولا يشترط تغيير الهيكل الحاوي لمفرداته ،وهو بالمناسبة كان شعار الثوّار في اليوم الأول والذي تطور للمطالبة برحيل النظام باكمله بعد احداث ميدان التحرير الدموية وسقوط الشهداء .. يكون التغيير هو تجسيد لرؤية محددة واضحة المعالم تستهدف استبدال نسق وبناء سياسي واجتماعي واقتصادي بآخر طبقا لأهداف اتفق عليها غالبية الشعب سواء من خلال الاستفتاء الديمقراطي او الثوريّ.
وهنا يجب ان نفرق بوضوح ما بين الزمن كخلفية اصلاحية مضببة تمنح النظام القديم ( المراد اصلاحه ) الوقت والادوات لاعادة بسط هيمنته والتحكم بالمجتمع وما بين الزمن كتراكم اجراءي ثوري على غرار ما حدث اثناء الثورة الفرنسية مثلا ( بمراحلها الثلاثة ) والتي امتدت نحو عشر سنوات من 1789 والى 1799 عندما بدأ التيار الثوري في التراجع وعادت البورجوازية لتسيطر على الحكم ولتضع دستورا جديدا وتتحالف مع الجيش، وهو ما مهد بعد ذلك لقيام نظام نابليون بونابارت التوسعي.
ومع اختلاف خصوصية الحالة المصرية تبقى فكرة جوهرية يجب وجودها والتمحور حولها وهي الهدف .. وهي هنا تختلف عن الرغبات او المطالب ( وهذا خلط آخر ) فجميع من يقرأ تلك السطور يعي جيدا ان المصريين قد ثاروا رغبة في حياة سياسية واقتصادية واجتماعية افضل .. وقد كان هذا هو الإطار الحاوي والجامع لتشظي الموزاييك المصري وهي عادة رغبات ومطالب كلاسيكية لن تجد من يختلف عليها .. لكن الخلاف .. كل الخلاف سيبدأ ويسطع عندما نحاول مسائلة الواقع : كيف ؟ كطريق ووسائل وايضا تصور ومفهوم .. لذلك شاهدنا من اعتبر ما تحقق حتى اللحظة نصرا وانجازا وكافيا بينما من اعتبره خطوة اولي تستلزم المزيد والمزيد من الخطوات وما بين الرضا التام والنفي الكامل يتوزع الخطابين المؤسسي ( الديني والعسكري ) والشعبي ( نخب وبسطاء ) برؤي تتشابك وتتداخل واحيانا تتناحر لتبعد بنا اكثر فاكثر عن اقتناص المعنى واعادة تشكيل الواقع.
المجلس العسكري ومأزق خط الدفاع الأخير
مؤسسة رسمية تتمتع بالشعبية ( الجيش المصري ) لأسباب تاريخية وعاطفية لكنها تبقى على مستوى القيادة والبناء جزءا طبيعيا وامتدادا للنظام السابق بمكوناته الثقافية ورؤيته للواقع وكذلك تتصف بما يتصف به المجتمع المصري ذاته من تفاوت في الوعي وهرمية اقتصادية لذلك كان ما انتجه الاختبار الثوري المفروض عليه من تخبط يصل لحد التناقض في التعاطي مع الثورة والثوار بداية من التحية الشهيرة لمتحدثه الرسمي لارواح الشهداء وبين سحل وتعذيب بعض المتظاهرين ومن توالي البيانات المتوحدة مع مطالب الثورة ومن اجراءات بطيئة غير منجزة وصفها الكثيرون بانها كانت فرصة ذهبية لاركان النظام السابق لترتيب الاوراق وسد الثغرات بل والهروب خارج البلاد .. ومن تشديد وتأكيد على الضرب بيد من حديد على مشعلو الحرائق بالقضية الطائفية وبين ذلك التحالف الذي لم يعد خافيا على مراقب مع الاخوان والتيار الديني عموما.
كل تلك التناقضات المربكة كانت وليدة مأزق المسئولية التاريخية التي وجد بسببها قادة المجلس العسكري نفسهم بازائها من مطلب شعبي عارم وضاغط لاقصاء ومحاكمة رئيسه الأعلي ( مبارك ) وبقية افراد نظامه وما صاحبه من تمردات محدودة داخليا من الظباط ذوي الرتب الأقل والذي تم التعامل معه بحزم وسرعة وسط مباركة الجميع اعلاما ونخبا وبسطاء .. وهذه المباركة والتخندق يمكن تحليله ورده الى حقيقة انه مع انهيار المؤسسة العسكرية او الخروج والتمرد عليها فلن يتواجد على الساحة اي ضمان حقيقي لتنظيم الامور وحماية ما تحقق من مكتسبات ثورية وان كانت غير كافية حتى الان .
وبعد ان كان يقوم بدور رجل الاطفاء مرغما وجد المجلس العسكري النار تكاد تطاله هو نفسه وهنا لن نجد الامر عسيرا كي نتصور ما قد حدده قادته كأهداف رئيسة يجب تحقيقها باقصي قدر من السرعة وهي كما اعتقد : الحفاظ على امن واستقرار البلاد داخليا وحدوديا مع محاولة ارضاء من قاموا بالثورة وبما لا يعرض تماسك المجلس ذاته ووجوده للخطر وهنا المأزق الحقيقي نظرا لحقيقة انه جزءا وامتدادا للنظام السابق والذي اصبح مطالبا بمحاكمته بل والتنكيل به ارضاءا لمشاعر الغضب والقهر التي سكنت نفوس المصريين لعقود .. يمكننا في ضوء هذا الفهم استيعاب الكثير من الاشياء كالبطء في الاجراءات وبالونات الاختبار من عينة العفو عن الرئيس ودعاوي المصالحة ورد الاموال وانتهاءا بالحكم الهزلي على امين شرطة بتهمة قتل المتظاهرين وذلك على خلفية مستمرة من الحديث عن حالة صحية متأخرة للرئيس السابق تمنع سجنه او مثوله امام القضاء وهذا كله لا يتعارض مع حقيقة ان المجلس نفسه اختار الانحياز للثورة والشعب منذ اللحظة الأزمة التي سبقت التنحي وبالتالي يتحول الجدل هنا ( وهو الاصح ) من التفتيش في النوايا الى تفهم طبيعة وبنية المجلس الذي يقود البلاد الان وان ما يبدو ارتباكات او تناقضات ما هو الا تعبير طبيعي لوعي واسلوب درب ونشأ على طاعة الاوامر وعلى المواجهات الواضحة العريضة المباشرة ثم وجد نفسه فجأة ازاء وضع وحالة شديدة التشابك والتعقيد تختلف ادواتها ومكوناتها عن ما جبل واعتاد عليه .. ولان العقل الفردي او الجمعي في حالات الفوضى والغموض عادة ما يجنح الى التصنيف والاستعانة ومحاولة الاستفادة من اكثر معطيات المعادلة تنظيما ووضوحا لذلك فقد كان هذا الميل او التقارب مع جماعة الاخوان المسلمين.
الإخوان .. رجال لكل العصور
تتميز جماعة الاخوان المسلمين بصفتين متناقضتين اعتقد انهما سر نجاحها في البقاء دوما داخل اطار اللعبة السياسة بالحياة المصرية على تعاقب الانظمة واختلافها .. الصفتين هما: الصرامة الشديدة داخليا والمرونة الفائقة بذات الوقت خارجيا .. اي بعبارة أخرى .. التنظيم الشديد ووضوح الهدف ونفاذ الأوامر عبر تراتب هرمي يحتل قمته مكتب الإرشاد بحيث يكون الخروج عليه هو خروج عن الجماعة ومن ثم الدين نفسه .. بينما القابلية لابداء اشد المواقف والخطابات مرونة حسب مقتضيات الحال واللحظة التاريخية والاستعداد الدائم لعقد كل الصفقات المعلنة او السريّة مع كل الاطراف كيفما اقتضت المصلحة سواء نظام حكم ملكي او عسكري او جمهوري او حتى مدني علماني ليبرالي او يساري بل ولو كان هذا الطرف استعماري توسعي يجاهر الإسلام نفسه العداء كما حدث من خلال الاجتماعات السرية التي افتضح امرها بالسفارة الامريكية بالقاهرة ..

بوصفها تجمعا او هيئة دينية فاخلاقيا تستحق الجماعة وصف النفاق والتلون بامتياز ولكن بوصفها تنظيم سياسي في حقيقة الأمر يتخذ لنفسه شكلا دينيا فهي لا تمارس اكثر من فروضات المصلحة ومتغيرات المرحلة لذلك كان هذا التاريخ الطويل من الازدواجية .. اي اعادة انتاج الخطاب الديني ( الآخروي في بنيته ) عبر ادوات ليست فقط دنيوية بل وتتصف احيانا باللاأخلاقية استهدافا للوصول الى الحكم السلطوي الديني وهو الحكم الجامع المانع الذي لا سبيل ابدا للخروج عليه او رفضه فضلا عن نقده .
ولكن لاننا بصدد لحظة تاريخية فارقة تعيد صياغة العديد من الافكار والعلاقات ما بين الأشياء فلم تكن الجماعة ذاتها بمعزل عن روح التمرد التي اندلعت بنفوس اجيال الشباب من المصريين ومن ضمنهم شباب الأخوان انفسهم .. وهو تمردا في جانب منه على الفكرة والهيمنة الأبوية بكل انماطها واسقاطاتها .. لذلك فقد شاهدنا الجماعة تعلن رسميا عدم مشاركتها في مظاهرات الخامس والعشرين من يناير بينما يضرب مجموعة كبيرة من شبابها بهذا الموقف عرض الحائط وينضم لجموع المتظاهرين بوصفهم مصريين في المقام الأول ( الإطار العام ) لتعود الجماعة ذاتها بمرونة وذكاء ( بعد ان تحولت المظاهرات الى ثورة شعبية ) لتغير سياستها وتحشد كل قواها حتى بالاقاليم .. ولكن لان المصلحة ووحدها هي ما كان وسيظل يحكم مواقف جماعة الاخوان المسلمين لذلك فقد قبلوا بذلك الحوار الخاص الذي دعاهم اليه عمر سليمان والذي ضم اليهم رفعت السعيد ( اكبر سبة في تاريخ اليسار ) رئيس حزب التجمع .. ذلك الاجتماع الذي قوبل باستهجان داخلي على مستوى شباب الجماعة وتسبب في حدوث بعض الاستقالات والانشقاقات مما اضطر قيادة الاخوان الى وقف الحوار والتنصل منه.
اذا نحن هنا امام تحول ( ربما غير مسبوق ) في بنية الجماعة على المستوي الداخلي مرده في الأساس المشاركة في الشعور العام بضرورة التغيير لكنه يبقى تحول مجهض او مبتور نظرا لنجاح الخطاب الأخواني في الالتفاف على المزاج العام لجموع المصريين والعزف المشترك مع المجلس العسكري ( ذو الشعبية الاكبر وايضا الهيبة ) على نغمة الاستقرار .. أتي ذلك ايضا بالتوازي المنظم لتشويه صورة الاصوات الليبرالية والعلمانية سواء الفرديّة او الحزبية وتلك الأخيرة خسرت كثيرا بقبولها دور الكومبارس الديكوري في النظام المباركي فلم يعد احد يصدقها او يثق بها حتى اعضائها !

كان التقاء المصالح للطرفين ( المجلس العسكري والاخوان ) يقتضي بان يكون للجماعة وجودا شرعيا ما غير محظور يمهد ويسهل لهم الطريق للوصول الى السلطة كما يتمنون مقابل ان يساند الاخوان قرارات المجلس العسكري بدءا من ضرورة قول نعم في الاستفتاء المعيب على الدستور المهتريء ومرورا بالاستفادة اللوجيستية والتنظيمية والبشرية لتشعب اذرع الاخوان في جميع انحاء البلاد وعلى مستوى القاع بالقاعدة الشعبية وانتهاءا بفرض مزيد من العزلة والاقصاء على الاصوات التي قد تغرد خارج السرب او تجرؤ على ازاحة الستار ورؤية ما لا يسمح لجمهور المشاهدين بمعرفته ،صفقة وقتية سرعان ما ستنتهي اشتراطاتها ليبقى الخاسر الحقيقي هو المصري المضلل والذي تتم سرقة ثورته وثمار هبته التاريخية غير المسبوقة بتنظيم متقن واحكام.
الطريق الثالث بين الضرورة والممكن
في احد الايام القليلة التالية لانتشار الجيش بميدان التحرير قال لي احد الأصدقاء ( وهو من نجوم الخطاب الليبرالي وبالطبع من دعاة الدولة المدنية ) على مرأي من دبابة كتب عليها يسقط مبارك : ” لو كانت هتنتهي ان الاخوان هيمسكوا الحكم يبئا الجيش يمسك ارحم !”
والدلالة هنا واضحة .. والفكرة مكررة واعيد استهلاكها من قبل النظام البائد ليس فقط على المستوى الداخلي بل بصورة اكبر على المستوى الدولي الضاغط لتفعيل آليات ديمقراطية حقيقية .. بينما يتم الآن وبمرحلة تاريخية يتصدر بها الخطاب الديني المهادن للحكم العسكري المشهد ليثير اكثر فاكثر مخاوف وفزع قطاع عريض من دعاة الدولة المدنية وكذلك جموع المسيحيين بمصر من امكانية وصول الاخوان للحكم وهو بالفعل ليس امرا مستبعدا عن طريق بوابة الانتخابات البرلمانية المزمع اقامتها قريبا في ظل هذا المناخ المرتبك.
فهل خيارات ومقدرات هذا الوطن بالفعل اصبحت تنحصر في المفاضلة ما بين سلطتي العسكر والدين ؟
يقترن جزء هامّ من الاجابة على هذا السؤال بمحاولة استقراء المزاج الشعبي وهي محاولة ليست بالسهلة لعدة عوامل ليس آخرها كونه في اغلب الاحيان متقلبا ملولا يشكل الدين ربما مكونا اساسيا في تكوينه لكنه يبقى مكونا سطحيا او وافدا غير اصيلا ساعدت في نموه وانتشاره سوء الاحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية اي انه مرتهن بعوامل خارجة عنه ( الدين ) وبتغيرها يتغير حضوره هو ذاته ،وهنا إنا لا أتحدث عن الدين بوصفه تلك العبادة الطقسية والدعامة الروحيّة في مظهرها البسيط والفردي وإنما بوصفه رؤية للعالم والحياة ومنهجا فكريا وسياسيا واجتماعيا أيضا يقوم على أساسه التصنيف والاستبعاد أو الولاء والبراء أي بالمفهوم التعبوي المسيّس وهذا هو ما تراهن عليه جماعة الإخوان أو أي فصيل إسلامي سياسي آخر.
أميل إلى القول ( والأمر لا يخلو من مخاطرة ) إلى أن الرهان الأخير سيكون منحازا لقيمة الحريّة والتي برهنت التجارب المتكررة على عجز أي خطاب ديني على إنتاج مفرداتها فضلا عن عدم وضوح أية رؤية نهضوية أو تنموية حقيقية ابعد من الوعد المبهم بمجتمع الفضيلة والكفاية .. على الجانب الآخر من المستحيل أن نتوقع أن تلك المئات من ألوف الشباب بمختلف المرجعيات والخلفيات الاجتماعية والثقافية والتي خرجت لتنادي بسقوط النظام ( إرادة التغيير ) ووقفت بشجاعة نادرة لتتصدي لتلاحق هجمات البلطجية سواء بالميدان أو الأحياء الشعبية ( استعداد للتضحية أو التعرض للإيذاء الجسدي ) ثم واصلت الخروج والتظاهر من اجل الضغط على المجلس العسكري للتسريع بتنفيذ مطالب الثورة ( وعي سياسي ) سوف تقبل في النهاية بحكم ديني سيكون غالبا أكثر تشددا من سابقه السلطوي الديكتاتوري الفاسد على مستوى الحريات العامّة والخاصة والتعاطي السليم مع أدوات الديمقراطية السياسية وهنا لا نغفل مفارقة أن الرهان أيضا قائما على جماعة الأخوان المسلمين ذاتها بخطابها ومواقفها المتناقضة والمنفصلة عن تطلعات وأشواق أجيال جديدة للمستقبل بكل ما يحمله من وعود بحياة أفضل وأكثر كرامة وإنسانية بينما يبقى الدور والعبء التاريخي المنوط به النخب الاجتماعية من كتّاب وسياسيين وناشطين حقوقيين وكل من يفترض به انه يحمل وعيا مغايرا نحو توعية جموع المصريين وابتكار آليات تواصل مختلفة غير متعالية او معقدة تستطيع رأب صدع سوء التفاهم والقطيعة التي مازالت تقف كحجر عثرة بينهم وان يتخلص البعض من سطوة الفكرة النخبوية الانعزالية والمشوبة بأصداء طبقية ونرجسية ويكونوا أكثر التصاقا بالجماهير ومتطلباتهم .. أكثر احتراما لبدائية مناهجهم التعبيرية التي شكلتها نفس القطيعة .. وأكثر استعدادا وإخلاصا لتحمل ضريبة الحرية .. وبالمقابل فان تلك الأغلبية الصامتة يجب عليها أن تكون أكثر ثقة بمفكريها .. أكثر رغبة في التحرر بالفعل لا بالقول أو التمني .. اقل سلبية واقوي في مواجهة الموروث والرجعي والسلطوي .. وتلك العلاقة الجدلية سيكون منتوجها التفاعلي حتما هو التحرر .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.