لم يكن قرار المحكمة الدستورية العليا أمس الأحد ببطلان قانوني تشكيل الجمعية التأسيسية وانتخاب مجلس الشوري وإرجاء حله لحين انعقاد مجلس النواب هو الحكم الأول من نوعه، الذي يظهر حالة الصدام مع ما يصدر عن مؤسسة الرئاسة، بل كانت هناك أكثر من سابقة تظهر ذلك. فقد بدأ صدام الرئيس محمد مرسى مع قرار المحكمة الدستورية، التى أصدرت حكمًا ببطلان مجلس الشعب السابق، وقضى الرئيس بعودة البرلمان المنحل فور توليه لمنصبه، فى تحدٍّ واضح لقرار الدستورية، واعتبره التيار المدنى والشارع المصرى بمثابة هدم لدولة القانون وإهدار لأحكام القضاء. ووصفه الحقوقيون والقانونين بأنه جريمة ومخالفة للقسم الدستورى الذى أقسم فيه الرئيس على احترام القانون والدستور، وتوقع الكثيرون تصاعد خلاف سياسى بين مؤسسة الرئاسة والمجلس العسكرى، إلا أن المحكمة الدستورية برئاسة المستشار ماهر البحيرى قضت بتاريخ 11يوليو بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بدعوة مجلس الشعب للانعقاد، كما أمرت بتنفيذ حكمها السابق ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب الذى جرت بموجبه الانتخابات، بما يترتب على ذلك حل المجلس، واعتباره غير قائم بقوة القانون. وجاء الصدام الثانى فى 22 نوفمبر الماضى، وذلك بإصدار الإعلان الدستوري الذي جعل الرئيس يجمع بين السلطات الثلاثة؛ مما تسبب فى تعالى الأصوات الداعية لإسقاط مرسى؛ بدعوى ففقدانه للشرعية، وإعطائه لنفسه صلاحيات غير التى انتخب على أساسها. جاء هذا الإعلان فى وقت تمت فيه تبرئة جميع رموز النظام السابق وضباط الداخلية المتهمين بجرائم قتل المتظاهرين فى ثورة الخامس والعشرين من يناير, إلا عددًا قليلاً من القيادات السياسية تحت ضغط الشارع فى 2011، وتصادم قطارى الفيوم وحادث قطار أسيوط الذى قتل فيه حوالى 47 تلميذًا، وأدى إلى قلب الرأى العام.. كما جاء فى وقت حاولت فيه الجماعة إقالة النائب العام عبد المجيد محمود من منصبه عن طريق ترشيحه لوظيفة سفير فى الفاتيكان، وتعرض المتظاهرين في ذكرى أحداث محمد محمود للبلطجة والإرهاب في نفس مكان حدوث مجزرة 2011، حيث ألقى مجهولون قذائف مولوتوف عليهم من على أسطح المباني المجاورة، وذلك قبل صدور الإعلان بأيام؛ لذلك جاء إعلان مرسى متحديًا القانون, مغلفًا بغطاء الثورة، عن طريق إقالة النائب العام وتعيين آخر، وكانت الكارثة في البند الخاص بتحصين قرارات الرئيس، وأنه لا يجوز لأي جهة وتحديدًا "المحكمة الدستورية" الطعن عليها، إضافة إلى تحصين مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لوضع الدستور ضد قررات المحكمة الدستورية. استقبل المصريون الإعلان الدستورى الثانى لمرسى بسخط واضح, تجلى بوضوح فى المظاهرات التى خرجت تندد بقرار الرئيس. وتسبب ذلك الإعلان فى اقتتال بين المصريين أمام قصر الاتحادية، ثم قام بعض أنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل بحصار المحكمة الدستورية، ومنع القضاة من الدخول لمباشرة عملهم، ضاربين بكيان الدولة ومؤسسة القانون عرض الحائط، وإستمر الحصار حتى فى اليوم المقرر فيه نظر المحكمة لدعاوى بطلان الشورى والجمعية التأسيسية، ولم يستطع مستشارو المحكمة الدستورية العليا الحضور إلى مقر المحكمة فى سابقة هى الأولى من نوعها، وأرجأت المحكمة نظر تلك الدعاوى. وبعدها تمت محاصرة دار القضاء العالي؛ فى محاولة جديدة لإهانة القضاء ومؤسسته الشامخة، وذلك بعد قرار محكمة استئناف القاهرة بإلغاء قرار مرسى بعزل المستشار عبد المجيد محمود من منصب النائب العام، وقضت بإعادته إلى منصبه. وأكد الدكتور ناصر أمين، مدير مركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، أن قرار المحكمة الدستورية العليا بشأن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لا يعكس صراعها مع مؤسسة الرئاسة، وإنما يؤكد أن لديها مشكلة كبرى مع أزمة سيادة القانون، لافتًا إلى أن الخروقات التي تعرض لها القانون والمحكمة الدستورية، سواء من الرئاسة التي لا تلتزم بقراراتها، أو بعض القوى السياسية الأخرى التي انتهكت سيادتها وحاصروها، ومنعوا القضاة من مباشرة أعمالهم، سببت حالة من الاحتقان وعدم القبول لما تصدره من قرارات وأحكام. وأضاف أمين أن الفترة الماضية كانت حافلة بالصدامات والصراعات لمنع انهيار دولة القانون، وهو ما جعل المحكمة الدستورية العليا تحارب؛ لأنها ليس لديها أي خيارات إلا أن تبقى أو تنتهي إلى الأبد، مشيرًا إلى أن الحل الثاني هو الأقرب؛ لأنها لن تتمكن من العودة لسابق ماضيها، وتجبر جميع القوى على احترام أعلى سلطة في البلد. وعلق الفقيه الدستوري محمد نور فرحات بأنه يجد شبهة مواءمات سياسية فى أحكام المحكمة الدستورية الصادرة أمس والخاصة ببطلان قانوني تشكيل الجمعية التأسيسية وانتخاب مجلس الشوري وإرجاء حله لحين انعقاد مجلس النواب، مشيرًا إلى أن هذه القرارات لا تغير من الواقع شيئًا؛ لأن مجلس الشورى في الأساس باطل، وتم انتخابه بشكل غير دستوري.