ذكرت المجلة الفرنسية "أفريك أسي" أن مسودة الدستور التونسي لاقت ردود أفعال قوية من قبل الخبراء بالقانون الدستوري التونسي بل ومن قبل المجتمع التونسي نفسه الذي شعر بأنها تخدم مصلحة فئة معينة. وترى المجلة ان هؤلاء الخبراء كانت لهم العديد من المأخذ على هذه المسودة منها ما يتعلق بالبناء الفني لمواد الدستور بالإضافة إلى أنها بعيدة كل البعد عن أهداف ثورة الياسمين التي كان أحد مطالبها تغيير الدستور. وفي هذا السياق، فقد هاجم الخبراء والعديد من الشخصيات السياسية هذه المسودة بقوة عقب نشرها. ومن بين هؤلاء الخبراء أعضاء بالمجلس التأسيسي التونسي نفسه أمثال "رجا بن سلامة" و"جوهر بن مبارك" وأخرين الذين أخذوا على هذا الدستور تجاهله للإتفاقيات الدولية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك التهديدات الموجهة لمدنية الدولة مع الإهتمام الكبيرة الذي تم تخصيصه للجانب الديني الذي يعتبر السبب الرئيسي لهذه الإنتقادات. وسلط الخبير الدستوري "عياض بن عاشور" الضوء على التهديدات التي يحملها هذا المشروع ضد مدنية الدولة، منتقداً قيام التأسيسي التونسي بنسخ مواد كاملة من دستور 1959 في حين أن تونس في تغير مستمر. ومن جانب أخر انتقد بن عاشور التركيز على الجانب الديني في الدستور مشيرا أن شعارات ثورة الياسمين كانت تنصب على تغييرات سياسية وإجتماعية، ولم تتناول اي من الإهتمامات الدينية أو الهوية. وعلى صعيد أخر، سخر الخبير التونسي من التناقضات بين المواد داخل الدستور، موضحا أن المادة 136 من مشروع الدستور والتي تنص على أن " الإسلام هو دين الدولة مع التركيز على الطابع المدني للمجتمع " في حين أن المادة الأولى من الدستور تنص على أن المجتمع التونسي إسلامي، متسائلا : كيف يمكن أن نحدد الإسلام دين الدولة، ونؤكد على الطابع المدني للدولة ايضا؟! ويرى عياض بن عاشور أن التركيز على مسالة دين الدولة هي وسيلة خبيثة، حيث أن مفهوم دين الدولة هو مفهوم مرن وغامض والذي ربما يقودنا إلى تأسيس نظام أصولي وإسلامي متشدد، مؤكدا أن ترك المعنى بهذا الشكل ربما يدخل الدين في قوانين أخرى مثل قانون الأحوال الشخصية. ويضيف الخبير التونسي أن محاولات المجلس التأسيسي وحركة النهضة لأسلمة الدولة لم تتوقف حتى الآن ، وهذا ما يتضح جليا من محاولتهم السابقة في تأسيس مجلس إسلامي أعلى للعمل على أسلمة قوانين الدولة. وفي مجال أخر، واصل بن عاشور انتقاده لمواد الدستور، مركزاً هذه المرة على غياب التأكيد على الحريات داخل مسود الدستور مثل حرية التفكير، مشيراً إلى أن إغفال الحريات يتعارض مع التحديد العالمي لحقوق الإنسان، مؤكداً أن النهضة أغفلت الكثير من أجل إهتمامها بالشريعة في الدستور. واختتم الخبير التونسي كلامه موضحا ان مشروع الدستور لا يتطابق مع رسالة الثورة، كما يمهد الطريق لإقامة ديكتاتورية ثيوقراطية.