■ حزب النهضة الإسلامى تجاهل المشاكل الاقتصادية وتفرغ لقمع الحريات بحجة تقويم الإخلاق ■ 80% من الشركات الدولية تغادر البلاد ■ 800 ألف شاب ينضمون لطابور العاطلين ■ فصل 82 قاضياً دون تحقيق بحجة تطهير القضاء ■ اعتقال 3 صحفيين بتهمة نشر صور لاعب كرة يحتضن زوجته الحكم بتغريم صاحب قناة فضائية بتهمة إذاعة فيلم يسىء للثورة الإيرانية الثورة جلبت لتونس الخوف أكثر مما منحتها الحرية، هكذا وصف الكاتب والمحلل البريطانى روبرت فيسك الأوضاع فى تونس بعد مرور أكثر من عام على اشتعال ثورة «الياسمين» التى أسقطت نظام «بن على»، كتب فيسك فى تحقيق مصور نشر على صفحات جريدة الإندبندنت البريطانية أن الثورة التونسية انتهى بها الأمر إلى مجرد رقابة متواصلة وتعصب متنام وبطالة تحاصر الشباب من كل اتجاه، فى تقريره الذى يحمل عنوان «عندما يطالب الإسلاميون بالأخلاق مقابل الحرية» يرصد فيسك كيف انتقلت تونس من سراديب ديكتاتورية زين العابدين بن على إلى أجواء الحرية التى سرعان ما تحوَّلت فى ظل حكم حزب النهضة إلى معركة تقليدية بين الحرية والأخلاق؟ معركة يدفع ثمنها الصحفيون فى تونس كما حدث مع ثلاثة صحفيين تم اعتقالهم بسبب ضلوعهم فى فضيحة نشر صورة للاعب كرة قدم ألمانى من أصل تونسى وهو يحتضن زوجته الألمانية وقد بدت شبه عارية، مع العلم أن حزب النهضة الإسلامى الذى حصد 40% من أصوات الناخبين فى الانتخابات البرلمانية بأكتوبر الماضى قد استخدم فى اعتقال الصحفيين الثلاثة قانون العقوبات نفسه المطبق فى عهد بن على، وكما ألقى فيسك الضوء على تقييد حرية التعبير أو كما كشف أن أغلب الكتب والمنشورات التى تباع خارج العاصمة التونسية هى إصدارات دينية فقط، يلقى الكاتب البريطانى ضوءاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية حيث وصل عدد العاطلين عن العمل إلى 800 ألف عاطل من أصل عشرة ملايين مواطن بينما وصلت معدلات التنمية إلى صفر وفقا لتقديرات البنك المركزى، كما غادرت أكثر من 80% من الشركات الدولية تونس منذ اندلاع الثورة، وعلى الرغم من هذا التدهور الاقتصادى إلا أن حكومة حزب النهضة تبدو منشغلة بأخلاق المواطنين أكثر من اهتمامها بتوفير لقمة العيش، فحسب تقرير الكاتب البريطانى فقد حول بعض السلفيين مبانى حكومية إلى سجون لتعذيب المواطنين الذين يشربون الخمرة، كما قام سلفى آخر بتنصيب نفسه قاض وأجاز حرق محل لبيع شرائط الأغانى وهدد صاحب المحل قائلا «إذا حاولت مرة أخرى صرف انتباه المسلمين عن المسجد، فسيأتى الدور على منزلك ليحرق بمن فيه». ما رصده روبرت فيسك لم يكن سوى مقدمة لما آلت إليه الأوضاع فى تونس فى ظل التطورات الأخيرة التى شهدتها أول دولة عربية تنطلق منها شرارة الربيع العربى، ولكن يبدو أن ثورة الياسمين تحوَّلت إلى كتلة نيران تشعل المشهد السياسى فى تونس. وكانت تونس قد شهدت انتخابات برلمانية فى 23 أكتوبر 2011 أسفرت عن اختيار أعضاء المجلس الوطنى التأسيسى والذى سيتولى مهمة وضع دستور جديد للبلاد، وقد فاز حزب النهضة، ذو التوجهات الإسلامية، بالنصيب الأكبر من مقاعد المجلس بحصوله على 89 مقعداً، تلاه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ب 29 مقعداً، وحلت قوائم العريضة الشعبية ثالثا ب 26 مقعداً، بينما شغلت التكتلات والأحزاب الأخرى والشخصيات المستقلة بقية المقاعد فى المجلس، وفى 12 ديسمبر2011، انتخب المجلس الوطنى التأسيسى المنصف المرزوقى، المعارض الشهير لنظام زين العابدين بن على، رئيساً للجمهورية، بينما شغل الأمين العام لحركة النهضة، حمادى الجبالى، منصب رئيس الحكومة، وذهبت رئاسة المجلس الوطنى التأسيسى لمصطفى بن جعفر، أمين عام حزب التكتل. وفى ظل سيطرة حزب النهضة شهدت تونس فى الفترة الأخيرة العديد من التطورات التى وصفتها مجلة فيجارو الفرنسية بأنها انعكاس للغة المزدوجة لحزب النهضة الحاكم، فالحزب يؤكد حمايته للثورة ومبادئ الحرية ولكنه فى المقابل ترك التيار السلفى ليفعل ما يشاء فى الشارع التونسى وعلى الجهة الأخرى اتخذت الحكومة التونسية عدداً من القرارات تعكس طريقاً مظلماً لتونس. العنف السلفى مع بداية هذا الأسبوع اشتبك المئات من السلفيين مع رجال الشرطة فى قرية جندوبة شمال غربى تونس السبت، وذلك إثر مظاهرة نظموها للاحتجاج على اعتقال أربعة من رفاقهم بتهمة المشاركة فى هجوم على محلات لبيع المشروبات الكحولية، وبلغ عدد السلفيين الذين شاركوا فى أعمال الشغب التى شهدتها البلدة نحو 500 كان بعضهم يستخدم العصى والقنابل الحارقة، وبعد انتهائهم من إضرام النار فى مركز الشرطة، تحول السلفيون إلى مهاجمة الحانات ومحلات بيع المشروبات، وذكرت مجلة لاكسبرس الفرنسية أن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين لجأوا إلى أحد المساجد. فى نفس الوقت احتشد آلاف من الإسلاميين المتشددين وهم يرفعون رايات سوداء عليها آيات قرآنية فى وسط مدينة القيروانالتونسية مطالبين بدور أكبر للإسلام فى دولة اعتبرت طويلا واحدة من أكثر الدول العربية ميلا للعلمانية، وقد توافد السلفيون من شتى أنحاء البلاد على مدينة القيروان وكثير منهم ملتحون يرتدون جلابيب بيضاء وعمامات، ووسط تكبير المؤيدين قدم الزعيم الفعلى لأنصار الشريعة سيف الله بن حسين الشهير بأبى عياض رؤية الحركة لتونس جديدة يجرى فيها إصلاح الاعلام والتعليم والسياحة والتجارة وفقاً لتعاليم الاسلام، ودعا إلى إقامة نقابة عمال إسلامية للتصدى إلى النقابات القوية التى يهيمن عليها العلمانيون والتى اصطدمت مرارا مع الحكومة التى يقودها الاسلاميون فى تونس لكنه قال إن الحركة ستتبنى الحوار لا العنف. فى هذا الإطار حذر رجل الدين التونسى فريد الباجى فى حوار له مع إذاعة «موزاييك إف ام» التونسية من أن السلفيين المتشددين فى البلاد سينتقلون من مرحلة التكفير إلى مرحلة التفجير، كما حذر من تحول تونس إلى «غابة وفوضى كبيرة»، أتى تصريح الباجى تعليقاً على أحداث العنف فى قرية جندوبة وعلى قيام قوات الأمن بإلقاء القبض على عدد من أعضاء حركة سلفية الذين اعتدوا على مواطن تونسى وكانوا بصدد قطع يديه بعد اتهامه بالسرقة ولكن قوات الأمن منعتهم من تنفيذ عقوبة قطع اليد. على الناحية الأخرى وعلى الرغم من ارتفاع حدة العنف السلفى فى الشارع التونسى فإن الحكومة بقيادة حزب النهضة منحت هذا الأسبوع حزب الإصلاح السلفى تأشيرة لممارسة النشاط السياسى فى البلاد، ليصبح أول حزب سلفى مرخصاً له فى تونس، فى تناقض واضح وصريح مع تصريح لمصدر مسئول بالحكومة التونسية، والذى علَّق على أعمال العنف فى قرية جندوبة بأن الحكومة التونسية سوف تتخذ موقفاً حاسماً من العنف السلفى ولن تسمح بإقامة دولة داخل دولة، ويبدو أن الموقف الحاسم من وجهة نظر حزب النهضة هو منح الشرعية لحزب سلفى يعزز من قوة التيارات السلفية فى البلاد، والجدير بالذكر أن هناك عدداً كبيراً من التيارات السلفية فى تونس التى ترفض إنشاء أحزاب بدعوة أن الديمقراطية حرام، ووصفت جريدة لوفيجارو الفرنسية بأن منح تأشيرة لحزب سلفى ما هو إلا مناورة سياسية من حزب النهضة الحاكم، حيث يسعى راشد العنوشى إلى استقطاب التيارات السلفية وجعلها جزءا من المشهد السياسى فى تونس بدلاً من إقصائها. محاصرة القضاء ولكن الأمر لا يقتصر فقط على حركة دينية متشددة تحاول أن تفرض نموذجها الدينى والأخلاقى بالقوة على بقية المجتمع، ولم يعد التوتر يسيطر فقط على الشارع التونسى الذى يخشى من ارتفاع مد هذا العنف الدينى المتشدد، فعلى الجانب الآخر تشهد الأوساط القضائية توتراً كبيراً بعد قرار الحكومة التونسية بإعفاء 82 قاضياً من مهامهم مع بداية هذا الأسبوع فى خطوة وصفت بأنها تندرج فى سياق عملية تستهدف تطهير القضاء من الفساد، وهو القرار الذى أسفر عن موجة من الانتقادات لحكومة حزب النهضة. بررت الوزارة التى يتولاها نورالدين البحيرى الذى يعتبر أحد أبرز قادة حزب النهضة الإسلامى بأن هذا القرار يأتى انطلاقا من حرص الوزارة على مواصلة تحقيق برنامج إصلاح المنظومة القضائية، ويأتى هذا القرار بعد يوم واحد من تقديم الكتلة النيابية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الشريك فى الحكم بمشروع قرار إلى المجلس الوطنى التأسيسى يقضى بإحداث «هيئة لتطهير القضاء والمحاماة». وكانت مجلة لوبوان الفرنسية قد نشرت تقريراً صحفيا تعرضت فيه لحالة الغضب التى اجتاحت الأوساط القانونية والقضائية فى تونس نتيجة هذا القرار، فقد سارعت الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين إلى رفض هذا المشروع، وصرحت فى بيان أن مثل هذه المبادرة تتضمن خرقا واضحا لمبادئ القانون بما من شأنه الإضرار بالوحدة المفترضة والمطلوبة من أجل إنهاء المرحلة الانتقالية، كما استنكر قضاة تونس هذا القرار الحكومى، وصرحت كلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة التونسيين بأنها تخشى أن يشكل القرار المذكور حلقة من حلقات الحياد عن مسار الجهود الرامية إلى ضمان استقلالية القضاء، وأضافت كلثوم كنو أن توقيت الإعلان عن قرار وزارة العدل التونسية يشكل «نقطة استفهام كبيرة»، وتساءلت عن الدوافع الكامنة وراء «الاستعجال» باتخاذ مثل هذا القرار فى حين كان من الممكن انتظار تشكيل الهيئة الوقتية للقضاء لتقوم بهذه المهمة. كما رفضت روضة العبيدى رئيسة النقابة التونسية للقضاة من جهتها، آلية الإعفاء لأنها تقضى على فرصة فتح ملفات الفساد لمن خالف القانون كما لا تمنح الفرصة للقضاة الذين تم اعفاؤهم بالدفاع عن أنفسهم. وحذرت روضة العبيدى من خطورة هذه الآلية باعتبارها ستجعل القضاء التونسى يتسم بالجبن على نحو لم يشهده تاريخه من قبل. الحد من حرية الإعلام ويبدو أن قرار اعتقال ثلاثة صحفيين بسبب نشرهم صورة للاعب كرة قدم ألمانى مع زوجته لم تكن الحلقة الأخيرة فى سلسلة المضايقات التى يتعرض لها الإعلاميون فى تونس فى ظل حكومة النهضة. وكانت المحكمة التونسية قد غرمت فى بداية هذا الشهر نبيل القروى رئيس قناة نسمة الفضائية مبلغ 2400 دينار تونسى بسبب عرضه فيلما عن الثورة الإيرانية. وكانت تونس قد شهدت محاكمة مثيرة للجدل لصاحب هذه المحطة انقسمت فيها تونس بين الاسلاميين والليبراليين. وكانت المحطة التونسية قد عرضت الفيلم الشهير «برسيبوليس» المأخوذ عن رواية مصورة تحمل نفس العنوان صدرت باللغة الفرنسية وتروى قصة حياة مؤلفتها الفتاة الإيرانية مرجان ساترابى أثناء الثورة الإيرانية عام 1979 وكيف تغيرت حياتها فى إيران. والمثير للدهشة أن الفيلم وهو انتاج أمريكى فرنسى مشترك يرصد كيف سيطرت التيارات الإسلامية على الثورة الإيرانية لتتغير حياة الفتاة الإيرانية بطلة الرواية التى عانت من تشدد الإسلاميين الذين سرقوا الثورة التى قام بها الليبراليون والاشتراكيون. الفيلم يتضمن حواراً خيالياً بين بطلة الرواية وهى طفلة صغيرة وبين الذات الإلهية الأمر الذى دفع عدداً من نشطاء التيار الدينى إلى رفع قضية ضد صاحب القناة. وعلى الرغم من صدور قرار بتغريم صاحب القناة إلا أن عدداً كبيراً من النشطاء الإسلاميين انتقدوا العقوبة ووصفوها بالمخففة خاصة أن القانون ينص على أن العقوبة قد تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، بينما اعتبر الحقوقيون التوانسة أن هذا الحكم بمثابة صفعة جديدة توجه للحريات داخل تونس. مثل هذه التطورات هى التى دفعت الكاتب البريطانى روبرت فيسك إلى وصف الربيع العربى بأنه أصبح الآن ربيعا مسموماً فى ظل تضييق الخناق على الحريات وتنامى روح التعصب. انهيار الدولة فى حوار لها مع محطة فرنسا 24 رسمت لطيفة لخضر أستاذة التاريخ فى جامعة تونس ملامح المشهد السياسى التونسى المتجه نحو نفق مظلم، وأكدت أستاذة التاريخ أن حكومة حزب النهضة اعتادت قمع المظاهرات السلمية كما حدث بقمع تظاهرة سلمية بمدينة الكاف. وكانت قوات الأمن التونسية قد استخدمت القنابل المسيلة للدموع لتفريق محتجين طالبوا برحيل محافظ مدينة الكاف فى غرب البلاد، وتمكين المحافظة من حقها بالتنمية. واعتبرت لطيفة لخضر أن مثل هذه الاضطرابات أمر طبيعى لأن كل فترة انتقالية هى فى نفس الوقت فترة أزمة وانهيار وقد تكون أيضا فترة بناء، لكن ما يحدث فى تونس اليوم هو أن الانهيار يغلب على البناء، وكأن هذه الحكومة التى لها شرعية انتخابية بقيت تنقصها الشرعية الثورية، وهذا ما يفسر أن بعض فئات المجتمع وحتى الجهات التى انطلقت منها الثورة مازالت فى علاقة توتر كبيرة مع هذه الحكومة، وأضافت أستاذة التاريخ أن مظاهر هذا الانهيار انعكست فى مد التيارات السلفية المتشددة الذين يضعون أنفسهم خارج الرابط المدنى داخل المجتمع التونسى. وأضافت: هؤلاء السلفيون لهم قوانين أخرى ورؤى ونظرة مختلفة لتسيير المجتمع والعالم. لقد عبروا أو ترجموا ذلك عن طريق أفعال وأعمال شنيعة قاموا بها فى عدة مناطق من الجمهورية. هم يريدون تطبيق قوانينهم، غير أنهم لا يمتلكون أى شرعية والسلطة تتغاضى عن أعمالهم. وتساءلت لطيفة لخضر: من هم هؤلاء ؟ هل هم فعلا خارجون ومختلفون عن حزب «النهضة» وليست لهم علاقة به.. أم أن حزب «النهضة» يراهن عليهم لآفاق انتخابية جديدة؟. وأنهت لطيفة لخضر حوراها بالإشارة إلى أن ما تمر به تونس الآن يدعو إلى تشاؤم كبير وحتى إلى الحزن، لكن هذا لا يمنع الشعب التونسى من التفاؤل على المدى البعيد. قصة حزب النهضة الحاكم حركة النهضة أو حركة الاتجاه الإسلامى هى التى تمثل التيار الاسلامى فى تونس، أسست الحركة عام 1972 وأعلنت رسميا عن نفسها فى يناير 1981، ولم يتم الاعتراف بها كحزب سياسى فى تونس إلا فى أول مارس 2011 من قبل حكومة محمد الغنوشى المؤقتة التى تولت إدارة البلاد بعد مغادرة زين العابدين بن على بعد اشتعال الثورة التونسية فى نهاية عام 2010، يرأس حركة النهضة راشد الغنوشى الذى عاد لتونس فى أعقاب ثورة الياسمين بعد قضاء 21 عاما كلاجئ سياسى فى بريطانيا، وعلى الرغم من نفى حركة النهضة علاقتها بالإخوان المسلمين إلا أن راشد الغنوشى هو عضو فى مكتب الإرشاد العالمى لجماعة الإخوان المسلمين، وتكتفى الحركة بالإشارة إلى أن تجمعها مع جماعة الإخوان المسلمين مرجعية واحدة