" أراد أن يمنعني، فقلت له: هل الوطنية مقتصرة عليكم معشر الرجال وليس للنساء نصيب فيها؟ فأجابني: هل يرضيك إذا تحرش بكن الإنجليز فيفزع بعض النساء ويولولن: يا أمي.. يا لهوتي؟ قلت له إن النساء لسن أقل شجاعة منكم ولا قومية أيها الرجال، وتركته وانصرفت لألحق بالسيدات اللواتي كن في انتظاري". هكذا قالت الرائدة النسوية هدى شعراوي لزوجها علي شعراوي أحد قادة ثورة 1919 عندما أراد منعها من المشاركة في الثورة، فلم تعبأ بحديثه، فما كان يحركها هو إيمانها بحق الوطن عليها، وهنا كانت انطلاقتها الكبرى، حيث خرجت على رأس مظاهرة نسائية من 300 سيدة؛ للمناداة بالإفراج عن زعيم الثورة سعد زغلول، وشهد ذلك اليوم التاريخي مقتل أول شهيدة للحركة النسائية التي أشعلت حماسة بعض نساء الطبقات الراقية اللاتي خرجن في مسيرة ضخمة رافعات شعار الهلال والصليب دليلاً على الوحدة الوطنية، ونددن بالاحتلال الإنجليزي. منذ ذلك التاريخ بدأت هدى شعراوي ملحمة الكفاح من أجل حقوق المرأة في زمن أغلقت فيه جميع الأبواب في وجهها، حيث ثارت شعراوي وتمردت من أجل تحقيق مطالب رآها البعض تجاوزًا، وكان أهمها المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة مثل حق الانتخاب وتقييد تعدد الزوجات والجمع بين الجنسين في مرحلتي الطفولة والتعليم الابتدائي. ما نادت به هدى شعراوي في عشرينيات القرن الماضي من مساواة بين الرجل والمرأة هل وجدت لها إجابة في بدايات القرن الحادي والعشرين، أم أن التاريخ دائمًا ما يعيدنا إلى النقطة التي بدأنا منها؟ سؤال طرحناه على الروائيتين سحر توفيق وسهير المصادفة.. تقول الروائية والمترجمة سحر توفيق "أعظم ما قامت به الرائدة النسائية هدى شعراوي هو خلعها النقاب أمام الملأ عندما عادت من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي مع وفد من النساء المصريات، فهذه خطوة جريئة لا تقدر عليها سوى الرائدات؛ لأنه في الحقيقة هذا النقاب لم يحجب وجه المرأة فقط، بل ظل حاجبًا لعقلها لسنوات طويلة، وبخلعها النقاب أعلنت هدى شعراوي بداية مرحلة جديدة في مسار المرأة المصرية، حيث وقفت في وجه الخطاب السلفي المتشدد الذي دائمًا ما يحتكر المرأة ويحاول إخراجها من المعادلة الحياتية". وأضافت توفيق "أحمد الله أن هدى شعراوي رحلت عن هذا العالم قبل أن تشهد ما نحن فيه الآن من تبديد رسائلها الداعمة للمرأة، فما نحن فيه الآن هو بمثابة عودة إلى عصور الظلمات، فالإسلاميون أصبحوا يتفننون في قهر وقمع المرأة، لا يفكرون إلا فيها، وأعتقد أن هذه عقدة كبيرة، وكأن قضيتهم الأساسية أصبحت المرأة، يتركون قضايا أمة بأسرها ويتحدثون عن الحجاب والنقاب، أعتقد أنه لا تقدم لهذا المجتمع بدون تحرر المرأة، لا تقدم لمجتمع ما زال يتحدث عن قضايا تم حسمها منذ قرون عديدة". وتابعت "رغم القهر والموروثات الثقافية التي تقمع المرأة، لا نستطيع أن نغفل الدور المتزايد لها الآن، سواء في الأسرة أو المجتمع، ولكن للأسف الشديد نتيجة لهذا الدور يقوم الرجل بقمع المرأة والانتقام منها؛ لأنه يراها تعارض سلطته الرهيبة". وتتحدث الروائية سهير المصادفة عن هدى شعراوي، فتقول "رغم أنها ولدت بمحافظة المنيا بجنوب مصر المعروف بتراثه الأسطوري حول قهر وقمع المرأة، إلا أنها تمردت وثارت وناضلت من أجل الحصول على حقوق المرأة المهدرة، فعندما مات والدها محمد سلطان باشا، وكان رئيسًا لأول برلمان مصري عام 1882، كانت هدى في الخامسة من عمرها، فتولت الأم مسئوليتها، وزوَّجتها وهي في الثالثة عشرة من ابن عمتها علي شعراوي باشا أحد قادة ثورة 1919، ولم تعلم الفتاة الصغيرة بهذا الزواج إلا قبل نصف ساعة من حدوثه، فتمردت، لكن صوتها لم يُسمَعْ، وبعد سنوات قليلة من زواجها بدأت كفاحها من أجل حقوق المرأة، حيث سعت إلى تأسيس عدد من الجمعيات الخيرية التي حشدت جهود النساء المصريات الراغبات في المساهمة في العمل العام، مثل مبرة محمد علي لمساعدة الأطفال المرضى، وساهمت في تشكيل اتحاد المرأة المصرية المتعلمة عام 1914، ونجحت في اقناع الجامعة المصرية بتخصيص قاعة للمحاضرات النسوية، كما أسست الاتحاد النسائي المصري عام 1923، وشغلت منصب رئاسته حتى عام 1947، حتى وصل عدد الجمعيات التي أسستها والتي قادت الحركة النسائية في مصر إلى حوالي 50 جمعية". وعن مسار الحركة النسائية الآن تقول المصادفة إن هناك رغبة عارمة في الاعتداء على مكاسب المرأة خلال القرن العشرين؛ بسبب عدم الفهم الحقيقي للدين من جانب الإسلاميين. سحر توفيق: الإسلاميون أصبحوا يتفننون في قهر وقمع المرأة، وأعتقد أن هذه عقدة كبيرة سهير المصادفة: هناك رغبة عارمة للاعتداء على مكاسب المرأة خلال القرن العشرين