وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية بالمنطقة الغربية    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    محافظ الدقهلية: هدفنا توفير بيئة نظيفة وآمنة للمواطنين    كفاية دهسا للمواطن، خبير غذاء يحذر الحكومة من ارتفاع الأسعار بعد انخفاض استهلاك المصريين للحوم    ڤاليو تنجح في إتمام الإصدار التاسع عشر لسندات توريق بقيمة 735 مليون جنيه    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية في بداية جلسات الأسبوع    عراقجي: طلبات استئناف مفاوضات النووي عادت    مسؤول أممي: الجرائم الفظيعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر وصمة عار    تقارير: زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    سفن صينية تدخل مياه يابانية متنازع عليها في ظل توتر العلاقات    أبوريدة يجتمع مع منتخب مصر المشارك في كأس العرب    موعد مباراة إيطاليا والنرويج.. والقنوات الناقلة في تصفيات كأس العالم 2026    تقارير : زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    ضبط شخصين بالجيزة لتعديهما على طالبات أمام إحدى المدارس    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    قوافل الأحوال المدنية تستخرج 9079 بطاقة رقم قومي.. وتلبي 1065 طلبًا منزليًا في أسبوع    خلاف على أولوية المرور يتحول لمنشور متداول    عرض 4 أفلام قصيرة ضمن فعاليات الدورة ال46 لمهرجان القاهرة السينمائي اليوم    الليلة على DMC .. ياسمينا العبد تكشف أسرار مشوارها الفني في صاحبة السعادة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    حبس طرفي مشاجرة نشبت بينهما بسبب معاكسة فتاة في المطرية    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    156 عاما على افتتاح قناة السويس، الممر المائي الذي غير حركة التاريخ    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    طريقة عمل صدور الفراخ، بصوص الليمون والثوم    فيروس ماربورغ.. القاتل الخفي الذي يعيد ذكريات الإيبولا    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزارة الداخلية تقرر إبعاد 3 أجانب خارج مصر    الري: التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء أحد أدوات التعامل مستقبلا مع محدودية المياه وتحقيق الأمن الغذائي    بنين تعتمد تعديلات دستورية تشمل إنشاء مجلس الشيوخ وتمديد الولاية الرئاسية    مصر وتشاد تبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    أمام كاب فيردي .. عمر مرموش يحل أزمة الجبهة اليسرى فى منتخب مصر    وزير الخارجية يجري اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني    اليوم .. بدء القيد بالنقابة العامة لأطباء الأسنان لخريجى الكليات دفعة 2024    أسعار الدواجن والبيض اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    «حماة الوطن» يعقد مؤتمرًا حاشدًا بالإسماعيلية لدعم مرشحيه    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    مائل للبروده....تعرف على حالة الطقس المتوقعه اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 فى المنيا    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    ألبانيا أول منتخب أوروبي يحجز مقعده في ملحق مونديال 2026    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    "دولة التلاوة".. برنامج قرآني يتصدر الترند ويُحيي أصالة الصوت المصري    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    وزير الصحة: متوسط عمر المصريين زاد 20 عاما منذ الستينيات.. وكل دولار ننفقه على الوقاية يوفر من 3 ل 7 دولارات    محمود حسن تريزيجيه: الانضباط والاحترام أساس تكوين شخصية لاعب الأهلي    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جابر عصفور.. صعود المرأة الجديدة
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 04 - 2009

أتصور أن أولى علامات التغير الجذرى الذى أحدثته ثورة 1919 فى بنية الوعى الاجتماعى تقترن بالموقف من المرأة، سواء كنا نتحدث عن تصوراتها لذاتها أو تصورات المجتمع عنها ولا أدل على ذلك من المقارنة بين مشهدين حدث الأول منهما فى الحادى والثلاثين من مارس سنة 1914.
وحدث الثانى فى اليوم العشرين من مارس 1919، أما المشهد الأول فكان يوم الاحتفال بوضع الخديو عباس حلمى الثانى حجر الأساس للجامعة المصرية وما كان يمكن الاحتفال بهذا اليوم لولا كرم عمة الخديو الأميرة فاطمة بنت إسماعيل التى تبرعت بالأرض والمال.
بل نفقات حفل الافتتاح وطبع الدعوات والإعلان فى الجرائد وغير ذلك من النثريات وكان ذلك بعد أن أوقفت الأميرة مئات الأفدنة للإنفاق على الجامعة الوليدة التى لم تتردد فى التبرع لها بمجوهراتها الخاصة، كى يتحقق لمصر حلم وجود جامعة مدنية حديثة، أسوة بدول العالم المتقدم لكن هذه الأميرة التى ظللنا نطلق اسمها على كلية الآداب جامعة القاهرة لعقود طويلة.
لم تستطع مغادرة قصرها لحضور حفل وضع حجر أساس الجامعة التى ما كان يوضع لها حجر أساس لولا عطاؤها الأكثر من كريم، فظلت حبيسة قصرها، وأنابت عنها ولديها اللذين حضرا الحفل.
أما المشهد الثانى فهو المشهد الذى تتصدره هدى هانم شعراوى (زوجة على شعراوى باشا، ثالث الثلاثة الذين قابلوا المندوب السامى، مطالبين باستقلال وطنهم، يوم 13 نوفمبر 1918) فى صباح العشرين من مارس وكان ذلك فى سياق الاحتجاج على القبض على سعد زغلول باشا ومحمد محمود باشا وحمد الباسل باشا وإسماعيل صدقى باشا.
ونفيهم إلى جزيرة مالطة ومن حسن الحظ أن الإنجليز لم يقبضوا على شعراوى (18791947) باشا الذى تولى أمور الوفد، وقاد عمليات الثورة، احتجاجا على نفى الزعماء وكانت النتيجة انفجار المظاهرات فى كل مكان بالأرض المصرية، وخرجت النساء المصريات فى مظاهرات لم يشهدها التاريخ المصرى من قبل وكانت تقود المظاهرة الأولى هدى شعراوى التى لم تكن أقل شجاعة أو وطنية من زوجها ورفاقه ومضت المظاهرة إلى أن تصدى لها الإنجليز.
ولم تخف هدى شعراوى، بل ظلت تتقدم، وكان يواجهها جندى إنجليزى، يجلس القرفصاء، وما أسرع ما صوّب البندقية نحو صدرها فتقدمت نحوه، قائلة بصوت عال لإحدى زميلاتها التى حاولت منعها من التقدم دعينى أتقدم، ليكون لمصر اليوم مس كافيل فما كاد الجندى يسمع هذا الاسم حتى خجل.
ونهض متقهقرا على الفور وكانت مظاهرة هدى شعراوى هى الأولى التى سرعان ما لحقتها غيرها من مظاهرات النساء التى انتقلت من الطبقة الأرستقراطية إلى شرائح الطبقة الوسطى، ومنها إلى نساء الطبقة العاملة التى سقط منهن شهيدات الثورة اللائى كتبن رغبة تحررهن، ضمن تحرر وطنهن، بدمائهن الذكية، وما أبعد الفارق، عندما ننظر إلى المشهدين اليوم، بين الأميرة التى ظلت محجوبة فى قصرها.
لا تسمح لها التقاليد بحضور حفل وضع حجر أساس الجامعة التى هى صاحبة الفضل الأول عليها، وهدى شعراوى التى قادت زميلاتها فى الطرقات، مواجهات القوة العسكرية للاحتلال البريطانى، ضاربات المثل لغيرهن من اللائى خرجن إلى الطرقات سافرات الوجوه، جنبا إلى جنب الرجال، بعد أن أطاحت إرادة التحرر بكل قيود التقاليد التى أصبحت بالية، متراجعة تحت ضغط إرادة تحرر المرأة التى وصلت الداخل بالخارج، فى فعل التمرد النسائى الخلاق الذى كان بداية الوجود الحر للمرأة المصرية.
وكان من الطبيعى أن تلتقط مظاهرة النساء الأولى عينا شاعر ونحات، جمع بينهما تأجج الشعور الوطنى نفسه أما الأول فهو الشاعر حافظ إبراهيم (1872 1932) الذى كان يراقب النساء فى مظاهرتهن الأولى التى كانت حدثا فريدا، لم يسبق له مثيل فى التاريخ العربى المصرى الذى يعرفه والثانى محمود مختار (1891 1934) رائد النحت المصرى الحديث الذى سمع عن هذه المظاهرة وما تلاها، من خروج المرأة المصرية سافرة.
متمردة، ثائرة، تملأ الطرقات بهتافاتها عن الحرية والاستقلال، وكان لابد أن يفجر المشهد الشعر فى الشاعر والنحت فى وعى النحات وكانت النتيجة أن كتب الأول قصيدته التى يقول فيها
خَرَجَ الغوانى يحتججن ورحت أرقب جمعهنه
فإذا بهن تخذن من سود الثياب شعارهنه
وأخذن يجتزن الطري قَ، ودار سعد قصدهنه
يمشين فى كنف الوقار وقد أبَنَّ شعورهنه
وإذا بجيش مقبل والخيلُ مطلقة الأعنه
وإذا الجنود سيوفُها قد صُوّبتْ لنحورهنه
وإذا المدافع والبناد قُ والصوارمُ والأسنّه
والخيلُ والفرسانُ قد ضَرَبَت نطاقا حولهنه
والوردُ والريحانُ فى ذاك النهار سلاحهنه
فتطاحن الجيشانِ سا عاتٍ تشيب لها الأجنّه
فتضعضع النسوانُ وال نسوانُ ليس لهن مُنَّهْ
ثم انهزمن مشتتاتِ الشملِ نحو قصورهنه
والأبيات بالغة الدلالة فى انفعال شاعر النيل بالمشهد الذى أراد أن يرسمه بالكلمات، غير عابئ بتبعات نشر القصيدة التى تسابقت الصحف الوطنية على طبعها فى ذلك الزمن الجميل، رغم وطأة الأحكام العرفية المسلطة على الرقاب، فقد أدرك الجميع أنهم لا ينبغوا أن تكون شجاعتهم فى المواجهة أقل من شجاعة قائدة المظاهرة التى تصدت بصدرها، غير هيابة، لبندقية الجندى الإنجليزى الذى تراجع أمام شجاعة امرأة تطلب لوطنها الاستقلال.
مستعدة لمواجهة الموت الزؤام، فاندفعت القوات البريطانية لتطويق المظاهرة، وتفريقها قبل أن تتفاقم عواقبها ولا تخفى على قارئ القصيدة نبرتها الساخرة التى تضع النساء العزلاوات فى مواجهة جند الاحتلال المدججين بأقوى العتاد ولذلك وصل صوتهن إلى كل الآفاق، فألهم طوائف المرأة المصرية، ودفعها إلى المزيد من مظاهرات الاحتجاج التى لم تتوقف.
والتى وصل فيها تمرد المرأة المصرية إلى أن خلعت النقاب، وبدت سافرة الوجه، يعلو صوتها بشعارات الثورة، فى موازاة الرجل الذى تقبل، فى حماسة التمرد العام، تحطيم المرأة لقيود الحرملك والعادات القديمة، كى تولد من لهيب المظاهرات الوطنية امرأة جديدة، واصلت تحطيم القيود التى بدأت تحطيمها هدى شعراوى ورفيقاتها.
أما محمود مختار فقد بلغته أنباء ثورة المرأة المصرية، حيث كان يعمل فى باريس، وكان قد ذهب إليها فى العام السابق على قيام الثورة، فلما بلغته أخبارها اشتعلت حماسته الوطنية، وأخذ يفكر فى إقامة تمثال يعبر عن نهضة مصر، ولكنه اصطدم بالتناقض بين ثقافته الفرنسية المحافظة ووطنيته المصرية المتفجرة.
فكانت فكرته الأولى أن يصنع تمثالا لامرأة جميلة تمسك سيفا، كما لو كانت تهاجم به الإنجليز وتشبه «جان دارك» الفرنسية، وأعجب أساتذته الفرنسيون بالفكرة ومشروع التمثال الذى بدأ تنفيذه، ولكن خياله الذى أهاجته الموجات المتصاعدة لتمرد المرأة المصرية دفعه إلى تحطيم مشروع تمثاله الذى رآه فرنسيا لا مصريا، فوضع تصميم تمثال نهضة مصر الذى استقر به الأمر.
أخيرا، أمام جامعة القاهرة، على مقربة من النصب التذكارى للشهداء من طلاب الجامعة وتجسدت رمزية نهضة مصر فيما يصل مجد الماضى الفرعونى القديم بتمرد الحاضر المتطلع إلى المستقبل وكانت النتيجة أن أخذت مصر شكل فتاة ريفية، لا تنفصل دلالتها عن الأرض الخصبة التى يزيد خصوبتها فيضان النيل المتكرر فى كل عام.
كأنها مجلى من مجالى إيزيس محور أسطورة البعث المصرية وتقف الفتاة معتمدة بيدها اليمنى على ماضيها المجيد ممثلا فى أبى الهول الذى يتخذ شكل أسد يهم بالنهوض، بينما ترفع بيدها اليسرى الحجاب لتكشف عن وجهها الذى أسقطت عنه النقاب مع كل ما يمثله من قيود الماضى الجامدة وسلاسله التى حطمتها ثورة المرأة ونهضتها ولذلك يتطلع وجه الفلاحة الرمز إلى الأعلى.
حيث أفق المستقبل الواعد، تلفت الانتباه ملامحها المتناسقة التى تنطق جمالا لا يخلو من إرادة عنيدة، وإصرار على تحقيق الأمانى الخاصة بالمستقبل الذى يتطلع إليه وجه أبوالهول الذى ينظر، بدوره إلى الأعلى، فى موازاة اتجاه نظر المرأة إلى الأعلى فى مدى الوعى نفسه .
ولم يكن من قبيل المصادفة، والأمر كذلك، أن تحطّم المرأة المصرية الجديدة التى تعمدت بلهب الثورة ما بقى من القيود التى عاقت حركتها فى الماضى، فيصبح من حقها إكمال التعليم إلى نهاية المرحلة الثانوية، ولا يبقى بعد ذلك سوى دخول الجامعة المصرية التى سبق أن ألغت القسم النسائى، سنة 1910.
نتيجة هجوم المجموعات المحافظة ولا تكاد تمضى سنوات معدودة على قيام ثورة 1919 إلا ويستغل أحمد لطفى السيد، رئيس الجامعة، تدافع الموجة التحررية للمجتمع، فيتفق، سرا، مع طه حسين وعلى إبراهيم باشا على قبول الطالبات اللائى أنهين الدراسة الثانوية دون إعلان، متعللين بأن القانون الأساسى فى الجامعة يبيح دخول المصريين، وهو وإن كان لفظا مذكرا، فإنه ينطبق على المصريين والمصريات وتسربت الفتيات إلى الجامعة حتى تكاثرت أعدادهن.
ولم يكن أمام أولى الأمر سوى تقبل الأمر الواقع وهكذا عرفت الجامعة الجيل الأول من الجامعيات الذى ضم نعيمة الأيوبى المحامية وسهير القلماوى وفاطمة خليل وزهيرة عبدالعزيز وفاطمة سالم وأمينة السعيد من الآداب، وكوكب حفنى ناصف وتوحيدة عبدالرحمن فى كلية الطب، ولطيفة النادى التى أصبحت المرأة الأولى فى ممارسة الطيران .
وعندما تزايد وجود الفتاة المصرية فى الجامعة، لم تستطع القوى المحافظة الاعتراض، فقد تغير الوعى الاجتماعى تغيرا جذريا، وجاوز المجتمع الذى مسه سحر ثورة 1919 أحلام قاسم أمين (18651908) الذى لم يتخيل إمكان دخول «المرأة الجديدة» الجامعة التى أسهم فى إنشائها، ومات قبل أشهر قليلة من افتتاحها.
فإذا بثورة تحقق ما فاق آماله، وتكون فتاة مثل سهير القلماوى (19111997) أولى الطالبات الملتحقات بكلية الآداب التى قبلت فى قسم اللغة العربية بها، سنة 1929، فكانت الفتاة الوحيدة بين أربعة عشر زميلا، ظلت تتفوق عليهم، إلى أن حصلت على درجة الليسانس عام 1933، ودرجة الماجستير 1937 ثم الدكتوراه عام 1941، فكانت أولى الحاصلات على هذه الدرجة فى العالم العربى كله وسبقت بذلك زميلتها عائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ (1912 1998) التى حصلت على الليسانس عام 1939، والماجستير عام 1941، والدكتوراه عام 1950.
وتحكى هدى شعراوى، فى مذكراتها، المزيد من تفاصيل دخول الفتيات إلى الجامعة، ما يؤكد الدلالة على تزايد الحضور النسائى فى الجامعة، وذلك إلى المدى الذى انتقل بالطالبات، مع تعاقب السنوات من مقاعد الدراسة إلى مقاعد التدريس، خصوصا بعد أن ذهبن فى بعثات جامعية، وعدن مبرزات فى كل مجال من مجالات التدريس الجامعى.
شأنهن فى ذلك شأن الأساتذة من الرجال سواء بسواء، وذلك بفضل رعاية جيل الرائدات الذى انتسبت إليه رفيقة هدى شعراوى نبوية موسى التى تولت بالرعاية الخاصة سميرة موسى (1917 1952) التى كانت العالمة المصرية الأولى فى علوم الذرة.
ولم يكن من المستحيل، فى هذا السياق، أن يتأسس الاتحاد النسائى للمرأة المصرية سنة 1923 بقيادة هدى شعراوى، ويذهب وفد الاتحاد المصرى إلى روما للإسهام فى مؤتمر الاتحاد النسائى العالمى، ويحصل على عضويته، وتقرر عضوات الوفد السفور فى المؤتمر، وحاولن إقناع صفية زغلول حرم سعد زغلول بأن تفعل مثلهن، حين قابلن سعد زغلول على الباخرة.
وكان عائدا من منفاه فى جزيرة سيشيل، منتصرا على الإنجليز، بإرادة الشعب الذى جعله زعيما للثورة التى لم تخمد جذوتها تماما إلا بعد توقيع معاهدة 1936 التى أطلق عليها اسم معاهدة الشرف والاستقلال وما له دلالة، فى السياق نفسه، أن اشتراك هدى شعراوى ورفيقتيها، سيزا نبراوى (18971985) ونبوية موسى (18861951)، فى الاتحاد النسائى العالمى، كان فى السنة نفسها التى أكملت فيها النخبة السياسية التى أسهمت فى ثورة 1919 وضع دستور 1923 الذى جاء بسعد زغلول إلى الحكم بأغلبية ساحقة.
وكان من الطبيعى أن تدرك «المرأة الجديدة» أهمية دستور 1923 فى دعم حركتها الصاعدة، فتنفجر غضبا إذا اقتربت قوى معادية منه، محاولة تغييره أو تعطيله ولذلك لم يكن غريبا أن تتظاهر سيدات الوفد ضد حكومة إسماعيل صدقى المعادية للحريات، عندما قامت هذه الحكومة بإلغاء دستور 1923.
ووضعت بدلا منه دستور 1930 الذى سرعان ما أسقطه النضال الوطنى الذى أصبح دور «المرأة الجديدة» دافعا أساسيا من دوافعه التحررية التى لم تتوقف
وكان ذلك إرهاصا بظهور جيل جديد من المناضلات، فى سبيل تأكيد حضور المرأة الجديدة، واستمرارها فى مواجهة متغيرات عالم الحرب العالمية الثانية (19391945) وأبرز ممثلات هذا الجيل درية شفيق (19081965) التى مضت من حيث انتهت هدى شعراوى وسيزا نبراوى ونبوية موسى، فأنشأت مجلة «بنت النيل» التى كانت إضافة أكثر جذرية لمجلة «المرأة الجديدة» التى كانت تصدرها الأميرة شويكار.
وأسست حركة التحرر الكامل للمرأة المصرية التى لازمت «اتحاد بنت النيل» واقتحمت البرلمان المصرى مع 1500 امرأة، فى فبراير 1951، لإجبار المجلس ورئيسه على النظر الجاد فى منح المرأة حق الانتخاب والترشيح للبرلمان ولم تتردد فى إعداد فرقة شبه عسكرية من النساء المصريات لمقاومة الجيش البريطانى فى قناة السويس وتدريب ممرضات سيدات وقادت مظاهرة.
فى يناير 1951، دعت إلى مقاطعة بنك باركليز البريطانى فى القاهرة وطالبت بتحويل اتحاد بنت النيل إلى حزب سياسى بعد ثورة يوليو 1952 وقادت حملة احتجاج مؤثرة ضد عدم وجود تمثيل للمرأة فى اللجنة التى تولّت إعداد دستور 1954.
ولم تهدأ إلا بعد أن وعدها الرئيس محمد نجيب بتحقيق مطلب منح المرأة حق التصويت والترشيح فى الانتخابات وكان ذلك بعد أن أضربت ورفيقاتها عن الطعام لمدة عشرة أيام وظلت تصدر مجلة المرأة الجديدة ومجلة بنت النيل لكن كان عليها أن تدفع غاليا ثمن معارضتها للسياسات الناصرية، فتفرض عليها الإقامة الجبرية فى منزلها، وتعانى مرارة العزلة القسرية والتجاهل والتعتيم والنكران، إلى أن ينتهى بها الاكتئاب إلى الموت أو الانتحار؟
سنة 1975. وكان ذلك لأنها لم تعرف فنون المناورة التى ضمنت للسيدة فاطمة اليوسف (18971958) بقاء مجلتها السياسية «روزاليوسف» والاجتماعية «صباح الخير» اللتين ظلتا منبرا لصوت الجيل النسائى الأحدث الذى برزت من رائداته، لطيفة الزيات (19231996) التى لعبت دورا قياديا، بعد انتخابها، سكرتيرا عاما للجنة الوطنية للطلبة والعمال سنة 1946، وكانت لاتزال طالبة.
فى الأربعينيات المشتعلة بالتمرد الطلابى على الاحتلال، وسقوط شهداء الجامعة الذين لاتزال أسماؤهم بارزة على قاعدة النصب التذكارى المقام لتخليد ذكراهم فى مواجهة المدخل الرئيسى لجامعة القاهرة وأضيف إلى لطيفة الزيات اسم إنجى أفلاطون (19241989) صاحبة كتابى «80 مليون امرأة معنا» من إصدار الجمعية النسائية الوطنية و«نحن النساء المصريات» وهى الرسامة الشهيرة التى دخلت السجن أكثر من مرة لمواقفها السياسية التقدمية، شأنها فى ذلك شأن لطيفة الزيات التى تكبرها بعام واحد، وكان ذلك فى مدى التفاعلات المتعاقبة لآثار ثورة 1919 التى ظلت تتراكم، وتنتج ناشطات اجتماعيات.
ابتداء من إستر ويصا واصف (18951990) رفيقة هدى شعراوى التى أسست جمعية «العمل من أجل مصر»، مرورا بصحفيات من طراز منيرة ثابت (19061967) التى كانت أولى المحاميات فى المحاكم المختلطة.
سابقة المحامية الشهيرة مفيدة عبدالرحمن (19142002) وأضيف إلى منيرة ثابت التى رأست تحرير مجلة «الأمل» أمينة السعيد (19141995) التى رأست تحرير «حواء» ثم «المصور» وكانت الرئيسة الأولى لمؤسسة صحيفة كبرى، هى دار الهلال، فضلا عن رائدات للمسرح والسينما والغناء.
ابتداء من فاطمة اليوسف نفسها، مرورا بفاطمة رشدى (19081996) وعزيزة أمير (19011952) التى أنتجت أول فيلم روائى صامت، ولعبت دورا بالغ الأهمية فى صناعة السينما المصرية، فضلا عن رائدة التمثيل المسرحى والسينمائى أمينة رزق (19102003) وخير ختام كوكب الشرق أم كلثوم (18981975) التى كانت النقيبة الأولى للموسيقيين فى تاريخها الفنى والوطنى العظيم الذى كان إضافة استثنائية لنساء ثورة 1919 اللائى مضين، جسورات.
فى طريق التمرد الطويل الذى بدأ من مظاهرة هدى شعراوى فى العشرين من مارس 1919، وتواصل عبرالثلاثينيات والأربعينيات، ولم يتوقف خلال الخمسينيات والستينيات بقوة الدفع القديمة، ولايزال باقيا رغم كل العقبات التى ابتدأت منذ السبعينيات الساداتية، خصوصا بعد أن تكاثرت دواعى التمرد على القديم الذى عاد ليطل بوجهه القبيح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.