التغيير سنة الحياة ، والتغيير لا يتحقق إلا بالحرية ، والحرية أساس الابداع ، والإبداع يتراكم عند أي فنان من خلال إيمانه بموهبته وتمسكه بحلمه وحماسه لتحقيق هذا الحلم، والحلم من شيم جيل الشباب الذي يطوع كل أدوات عصره ويروضها كي يحقق ما يحلم به. استقبل البعض خبر إسناد إدارة مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة إلى المنتج محمد حفظي ببعض التحفظ والتوتر والقلق، اعتدنا أن من يتولي تنظيم المهرجانات السينمائية من يكتبون ويدرسون ويشاهدون السينما طوال العام، ومعظمهم كان إما ناقدا او مخرجا أو ممثلا، ولا حرج في تولي منتج شاب لإدارة المهرجان سوى أن يتقاطع عمله كمنتج مع عمله كمدير للمهرجان غن صادف وتم ترشيح فيلم من إنتاجه للمشاركة. ولكن إن كان مستوي تنظيم المهرجانات السينمائية في مصر قد تراجع في السنوات الأخيرة وحتى قبل الثورة، فلماذا لا نضع القلق جانبا ونبدأ بخوض تجربة جديدة ربما تكون المكاسب فيها أكبرمما خسرناه فى الماضى. المنتج محمد حفظي من جيل شباب السينمائيين المستقلين، ومن هؤلاء الشباب الذى لم ينتظر مشاريع الدولة في تنظيم الفعاليات الثقافية التي تدار معظمها بواسطة موظفين بيروقراطيين ليس لهم علاقة بصناعة السينما، ولم ينتظر هذا الإذن أو الدعم ولم يقف في طابور الموظفين ليحصل على منحة من هنا أوهناك، لكنهم فتحوا آفاقا جديدة تناسب عصرهم وثقافتهم الأكثر انفتاحا رافضين مفهوم مركزية الدولة،وسلطة الاب، متخطين حدود الزمان والمكان التي تحاول ديكتاتورية النظم العربية السيطرة عليها وحجبها بما يتناسب مع توجهاتها. اذكر منذ أكثر من خمس سنوات مع بداية انتعاش صناعة السينما المستقلة في مصر قام بعض الشباب بتدشين الدورة الأولى من مهرجان القاهرة للأفلام المستقلة، واقيم المهرجان وسط احتفال شعبي رائع، وكانت الأفلام المشاركة تقول إننا قادمون رغماً عن أي أحد يحاول أن يحجب أو يهمش هذا التيار. وقد تفاجأ وقتها المسئولون عن تنظيم مهرجانات السجادة الحمراء بالنجاح والصدي الكبير الذي حققته الدورة الأولى من هذا المهرجان ،لا أتذكر تحديدًا إن كانت الدورة الأولى نظمت وقت انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي مثل الدورة الثانية التي تحدد لها موعد يتزامن مع فعاليات مهرجان القاهرة، مما أثار تخوفات الكثيرين من تجار السينما بخطف الاضواء من السجادة الحمراء. و تم اغتيال المهرجان بالكامل من الجهات التي من المفترض أنها ترعى الثقافة السينمائية في مصر،والتي كانت ترى أن هذه الأعمال ليست ذات أهمية ، ولكن أمام إصرار الشباب وتطلعهم لتقديم فن حر يعبر عنهم ولا يخضع لمعايير السوق التجارية ولا معايير الرقابة المنغلقة منذ سنوات، تكسر هذا الزمن الذي لم ير في صناعة السينما سوى الأفلام التجارية و ذيل فستان الفنانات. بدأت العروض المستقلة تنتشر وتجوب كل محافظات مصر وتبنتها عدد من المراكز الثقافية مثل معهد جوته الالماني والمركز الثقافي الفرنسي ومراكز الجيزويت والساحات المختلفة التي كانت تنظم عروضا بشكل منتظم لهذه النوعية من الأفلام قليلة التكلفة، وطارت مع مخرجيها خارج نطاق المحلية وطافت دولا عدة، وحصدت جوائز متنوعة في مهرجانات سينمائية دولية. ولم يعد ممكنا إلا أن تعترف الدولة وموظفو السينما الحكومية بوجودها ، ولم ينتظر شباب المخرجين اعتراف الدولة بها، وطبقا لسياسة الحكومات الديكتاتورية ما لم تسطع قتله حاول ترويضه وإخضاعه لحكمك ومراقبتك وسيطرتك. وبدأت مطاردة هذه الأعمال التي لم يحصل مخرجوها على تصريح بالتصوير من الرقابة، وكان أكبرها حدوتة فيلم "عين شمس" الذي تعامل بجواز سفره المغربي رغم هويته المصرية مائة في المائة فقط لمناورة الرقابة في مصر، ولم تجد وزارة القهر فائدة من التصدي لهذا الطوفان إلا باحتوائه، فبدأت تقيم عروضا في مراكز الإبداع وقصور الثقافة وتنظم ليالي عرض للأفلام التسجيلية والقصيرة. بدأ مجموعة من الشباب في العام الماضي تنظيم مهرجان تحت اسم "مهرجان الفيس بوك للأفلام المستقلة"، وقاموا بطرح الأفلام التي تقرر مشاركتها في المسابقة علي موقع الانترنت بالاتفاق مع مخرجيها،وقد أعجبتني فكرة فتح طريق جديد لإقامة مهرجان قليل التكلفة لأفلام قليلة التكلفة أيضا ولمخرجين هواة منهم من يستخدم الكاميرا لأول مرة. و شاركت في تحكيم بعض الأفلام التي شاهدناها جميعا على الانترنت، وها هي دورة جديدة للمهرجان تبدأ وبدعم أسماء كبيرة في لجنة تحكيم هذا العام، مثل الناقد د. وليد سيف، والمخرج أمير رمسيس،لم يعد مكان العرض معضلة عند هذا الجيل الذي كسر حيز المكان والزمان. وبالتزامن مع الإعلان عن انعقاد الدورة الثانية من مهرجان الفيس بوك، يطوف مهرجان آخر وليد عدد من المدن المصرية التي لا تزورها السينما كثيراً، وهو مهرجان قبيلة الأول للأفلام الروائية القصيرة، هوأحد الأنشطة الفنية لمؤسسة قبيلة التي أسسها ويديرها شباب يعملون في مجال الإعلام مثل يحيي خالدي وحاتم سعد. المهرجان ليس مجرد قافلة لعرض الأفلام القصيرة المصرية، لكن الشباب القائمين علي ترتيب المهرجان استحضروا مشاركات عربية وأوربية ، من لبنان والأردن وإسبانيا وألمانيا وغيرها،حيث استقبل المهرجان 244 فيلما، تم اختيار 15 فيلما للمسابقة،وقد عرضت الأفلام في الإسماعيلية والمنصورة والمنيا والإسكندرية ودمنهور والقاهرة،وستمنح لجنة التحكيم جوائز للمخرجين الفائزين تصل إلى 20 ألف جنيه جائزة أولى. دعاني منظمو المهرجان لحضور العرض في القاهرة وكانت المرة الاولي التي أسمع عن هذا المهرجان رغم تتبعي المتواضع لمعظم الفعاليات السينمائية التي تقام في القاهرة،وكنت قد شاهدت بعض الأفلام المشاركة في الدورة السابقة لمهرجان الاسماعيلية وفي بعض العروض الأخري بالقاهرة، لم أتوقف عند المشاركات التي تباين مستواها الفني. ولكن عند إمكانية إقامة مهرجان سينمائي، وما هو الغرض من اقامته وهويته وتحديد قيمة الجوائز، المهرجان رغم إنه ثري ماديا إلا أنه فقير تنظيمياً، ليس لديه وجهة محددة ، كما قال أحد منظميه "كنا نريد أن نصنع مهرجانا للأفلام القصيرة، ولم نمتلك الخبرة الكافية ولا الحرفية ولكن حبا في السينما صنعنا أول دورة بكل أخطائها التي سنحاول أن نتعلم منها ونتداركها فيما بعد". ولماذا لا نصنع مهرجان يكون خاص بأفلام الهواة؟، ولماذا لا تمنح جوائز معنوية تساعد المخرجين على تطوير إبداعهم وعلى التواصل مع مهرجانات الأفلام القصيرة في العالم؟، ولماذا لا نستضيف مخرجا كبيرا ليعطي ورش لشباب المخرجين وينقل لهم خبرته؟، ولماذا لا تثقل عروضه ببرامج أخرى موازية للمسابقة الرسمية طالما الهدف من المهرجان هو عرض الأفلام للجمهور الذي لم يدرك أهمية وجود سينما قصيرة؟، ولماذا لا تقل لوزارة الثقافة أنكم أسستم مهرجانا دوليا للفيلم الروائي القصير دون الحاجة إليها؟. جميعها أسئلة وجهتها للشباب الذي دشن هذه الفعالية السينمائية التي لو تعاملوا معها باحترافية واهتمام أكبر قد نعترف أنه ولد لدينا مهرجان دولي جديد للأفلام الروائية القصيرة في القاهرة عوضاً عن الذي تم اغتياله منذ خمس سنوات. Comment *