احتلفت منطقة أهرامات الجيزة خلال الأيام الماضية بعروض "أوبرا عايدة" بمناسبة مرور 150 عامًا على تنظيمها أول مرة، بعد غياب عن تقديمها في المنطقة التاريخية لأكثر من 10 سنوات، ورغم أهمية الحدث ودوره في الترويج وتنشيط السياحة المصرية، إلا أن الفرحة بنجاحه كانت منقوصة، لأنها كانت بمثابة حدث حصري للقطاع الخاص، نظمته إحدى شركات السياحة، وغابت الدولة تمامًا عن تنظيم احتفالية هامة بهذا الحدث الفني التاريخي، واقتصر دورها على منح التراخيص والموافقات الرسمية. "البديل" حاولت رصد كواليس الحدث من المشاركين به، خاصة أن الاحتفالية تتماشى مع التصريحات الرسمية التي انتشرت في الفترة الأخيرة من مسؤولي منطقة الأهرامات، لا سيما حوار سامح سعد رئيس مجلس إدارة شركة الصوت والضوء ل"البديل" الشهر الماضي بدخول القطاع الخاص والاستشمار الأجنبي في إدارة منطقة الأهرامات، وهو ما يثير تساؤلاً: هل الدولة تسير نحو خصخصة الثقافة، وأصبحت تلجأ لرجال الأعمال لتنظيم فاعليتها التاريخية العريقة؟ هانى حسن: ما ينفعش حد معاه قرشين ينظم أوبرا عايدة والدولة تغيب "علاقتي بأوبرا عايدة بدأت منذ كنت طفلاً صغيرًا بمعهد الباليه، نقدم رقصة أطفال الحبشة، ثم أصبحت كورد باليه ثم صوليست، إلى أن أصبحت مساعد مخرج للدكتور عبد المنعم كامل في عرض أوبرا عايدة الذي شاركت به مصر في حفل افتتاح أولمبياد الصين 2008، وكان حدثًا عالميًّا ضخمًا، خرجت فيه الأوبرا من مصر إلى العالم". هكذا يقول هاني حسن راقص أول فرقة باليه أوبرا القاهرة وأحد الفنانين المشاركين في احتفالية "أوبرا عايدة" 2018. يرى حسن أن عودة أوبرا عايدة إلى حضن الأهرامات بعد غياب أكثر من عشر سنوات خطوة إيجابية وهامة لتنشيط السياحة، ولكنه يندهش من انحصار دور الدولة في تنظيم هذا الحدث العالمي الضخم، مؤكدًا أن الأهرامات والحضارة المصرية القديمة هي صورة مصر، لا ينبغى تركها في أيدي أفراد ورجال أعمال يمتلكون أموالاً فقط، ويحققون أرباحًا خاصة من تنظيم الحدث، متسائلاً: أين الدولة وشركاتها السياحية مثل شركة مصر للسياحة ومصر للطيران، ووزارة الآثار وهيئة تنشيط السياحة؟ لماذا لم تتكاتف هذه المؤسسات لتقديم احتفالية تليق بمرور 150 سنة على كتابة أوبرا عايدة؟ ويُكمل هاني: حدث ضخم مثل تنظيم احتفالية لأوبرا عايدة لا ينبغي التساهل في تقديمه، وأن يتحول لعرض حصري يتولاه رجل أعمال، بهدف استثماري، لتصل سعر التذكرة الذهبية إلى 9500 جنيه، وهو رقم لا يستطيع أن يدفعه أي مواطن مصري يريد أن يشاهد العرض على خشبة مسرح الصوت والضوء بالأهرامات. وكشف حسن أن الحدث كان مهددًا بالتوقف؛ بسبب تأخر أجور الراقصين والفنانين والعازفين؛ نظرًا لتباطؤ الشركة الخاصة في سداد مستحقاتهم، ولكن جميع الفنانين المصريين استمروا رغم هذه المشكلات؛ انطلاقًا من الإحساس بالمسؤولية الوطنية تجاه بلدهم وصورتها أمام العالم، موضحًا أن الأوبرا كانت تقوم بدور التنسيق بين الفنانين والشركة الخاصة، وليست مسؤولة عن العرض ومشكلاته من أجور وغيرها. زين نصار: قوة ناعمة يجب توظيفها بشكل واسع ويرى الدكتور زين نصار أستاذ الموسيقى بالمعهد العالي للنقد الفني أن عودة الاحتفال بأوبرا عايدة في منطقة الأهرامات يشكل عامل جذب قوي لتنشيط السياحة، ورسالة سلام للعالم بأن مصر آمنة، وأنها قادرة على تأمين وتنظيم الفاعليات الفنية الضخمة، مثل عرض "أوبرا عايدة" في مكان مفتوح وليس بقاعات مغلقة. وأضاف أن الفنون هي أحد أبرز أدوات القوة الناعمة لمصر في مواجهة الإرهاب، فالسلاح لا يكفي بمفرده لدحر الأفكار المتشددة، ولكن يجب أن يشاركه الفن والمسرح والباليه والموسيقى والسينما، مؤكدًا أن "أوبرا عايدة" أشبه بعلامة ثقافية مصرية مميزة في جميع أنحاء العالم. ولفت نصار إلى أن "أوبرا عايدة" أيقونة عالمية تحكي انتصارات للحضارة المصرية القديمة سجلتها جدران المعابد، وتتميز بملابسها وديكوراتها وإكسسوارات مصرية أصيلة. وكشف نصار أن أوبرا عايدة لم تُعرض عند افتتاح دار أوبرا القاهرة الخديوية، على نقيض الأسطورة الرائجة تاريخيًّا بهذا الشأن، نظرًا لعدم الانتهاء من تجهيزها، واستعجلها الخديوِ إسماعيل رغبة منه في تقديمها أمام ضيوفه خلال حفل افتتاح قناة السويس، لذا قدمت أوبرا أخرى في الأول من نوفمبر عام 1869 هي أوبرا "ريغوليتو" المقتبسة من قصة للأديب الفرنسي فيكتور هوجو "الملك يلهو"، وهي أيضًا من تلحين الموسيقار الإيطالي جوزيبي فيردي. واختار مارييت باشا اسم "عايدة" عنوانًا لعمله؛ لما يحمله الاسم من دلالة مصرية، كما استلهم أحداثها من تاريخ مصر القديم، معطيًا لنفسه حرية التحرك في سرد أحداثها دون التقيد بفترة زمنية محددة، على الرغم من اتجاه البعض إلى ربط الأحداث بفترة حكم الملك رمسيس الثالث.