بيت الكريتلية أو الكريدلية، عرف قديما بسبيل ومنزل محمد بن الحاج سالم الجزار، وحاليا أطلق عليه "متحف جاير أندرسون", يقع في ميدان ابن طولون، بحي السيدة زينب، تم بناؤه منتصف القرن السادس عشر، وتحمل جدرانه حكايات بقدم هذه السنوات البعيدة. المتحف مكوّن من بيتين، بيت محمد بن سالم، وبيت آمنة بنت سالم، وربط بينهما جاير أندرسون، ضابط إنجليزي، وآخر ملاك البيت بقنطرة، ويعدان من الآثار الإسلامية النادرة والثمينة وتنتمي إلى العصر المملوكي والعثماني. البيت الأول أنشأه عبد القادر الحداد سنة 1540م (947 هجري)، والمعروف باسم بيت آمنة بنت سالم، ونسب إليها لأنها آخر من امتلكه، أما البيت الثاني، بناه أحد أعيان القاهرة، يدعى محمد بن الحاج سالم بن جلمام سنة 1631م، وتعاقبت الأسر الثرية على سكنه حتى سكنته سيدة من جزيرة كريت, فعرف منذ ذلك الحين ببيت الكريتلية، وكان يفصل بين البيتين شارع صغير يؤدي إلى مسجد أحمد بن طولون، يسمى "عطفة الجامع"، وكان يستخدمه المارة والقوافل المتجهة للمسجد قبل إضافة السور الخارجي للمتحف. وساءت حالة البيتين على مر السنين، وكاد أن يهدما أثناء مشروع التوسع حول جامع أحمد ابن طولون في ثلاثينيات القرن الماضي (1930-1935م)، فسارعت لجنة حفظ الآثار العربية بترميم وإصلاح البيتين، ليصبحا من أبدع الأمثلة القائمة على طراز العمارة في العصر العثماني. في عام 1935، تقدم الميجور جاير أندرسون، أحد الضباط الإنجليز في مصر بطلب إلى لجنة حفظ الآثار العربية، بأن يسكن في البيتين وأن يقوم بتأثيثهما على الطراز الإسلامي العربي ويعرض فيهما مجموعته الأثرية من مقتنيات أثرية إسلامية وحتى فرعونية وأسيوية على أن يصبح الأثاث ومجموعته من الآثار ملكاً للشعب المصري بعد وفاته أو حين يغادر مصر نهائياً، فوافقت اللجنة. وينقسم البيت إلى أجنحة كحال معظم البيوت الأثرية؛ من بينها جناح السلاملك المخصص لزائري أهل البيت، وجناح الحرملك المخصص لنساء البيت، إضافة إلى المكتبات وغرف النوم والتي تتميز بطرازها المعماري الشاهق، وتضم كل حجرة أثاث من كل مكان في العالم؛ مثلا حجرة تمتلئ بأنتيكات من الصين، وثانية فيها كراسي من الهند، ومجموعة «أندرسون» تضم نجف من إيطاليا، وترابيزات إنجليزي وسجاد فارسي، وفي غرفة معروفة باسم «متحف البيت» فيها مجموعة من القطع الأثرية المصرية، وكان ضمن المجموعة تابوت كان فيه موميا من طيبة، وتمثال لرأس «نڤرتيتي». ولد جاير أندرسون في بريطانيا عام 1881م, وعمل طبيباً في الجيش الإنجليزي، وكان من بين الضباط الذين خدموا في الجيش الإنجليزي والجيش المصري في وادي النيل؛ استقر أندرسون بمصر التي عشقها منذ عام 1908م, واعتبرها وطنه الثاني، كتب في مذكراته المحفوظة بمتحف فيكتوريا وألبرت بلندن "مصر أحب الأرض إلى قلبي لذلك لم أفارقها لأني قضيت بها أسعد أيامي منذ مولدي". وكان أندرسون مهتماً بالآثار من العصور المختلفة، وخصوصاً الفن الإسلامي حيث جمع مجموعات نادرة تعرض حالياً في المتحف، وبالفعل، لم يدخر جهداً في تنظيم البيتين بعد موافقة لجنة الآثار، ولم يبخل بإنفاق المال على شراء الأثاث والمتحف من البيوت الأثرية ومن أسواق العاديات في مصر وغيرها من القطع الفنية التي تنتمي للعصور الإسلامية. جمال المتحف جذب له كثيرا من صناع السينما، وتم تصوير فيه فيلم جيمس بوند "الجاسوس الذي أحبني – The Spy who loved me" عام 1977، وفيلم "شَهد الملكة" بطولة نادية الجندي وفريد شوقي ومن تأليف نجيب محفوظ سنة 1985، وفيلم "شفيقة ومتولي" إخراج على بدرخان، ويتذكر الجميع أغنية سعاد حسنى الأشهر "بانو بانو"، التي تم تصويرها في بيتها بالفيلم.