تحتل القطع الأثرية المصرية مكانة متقدمة في قائمة الكنوز التي يحرص هواة الاقتناء على تصيدها واغتنامها سواء عبر المزادات الكبرى التي تعقد في عواصم عالمية مهمة، أو من خلال الشراء المباشر من المهربين وتجار الآثار، وفي سعيها لاسترداد آثارها تصطدم الدولة المصرية كثيرا بالقوانين والاتفاقيات الدولية، بحسب الطريقة التي خرجت بها القطع الأثرية من مصر. "القوانين المصرية والاتفاقيات الدولية الخاصة بالآثار سبب رئيسي في عجز الدولة عن استرداد آلاف القطع الأثرية التي تم تهريبها خارج مصر بطرق غير شرعية، أو خرجت بطرق شرعية كهدايا لمسؤولين في بلاد أخرى، أو من خلال مزادات أقامتها الدولة لبيع الآثار".. هذا ما أكده وزير الآثار خالد العناني، أمام مجلس النواب في شهر نوفمبر الماضي، مشيرا إلى أن الوزارة تسعى لاسترداد قطع أثرية مهمة خلال الفترة المقبلة. خلال الفترة الماضية ازدهرت بالمزادات العالمية في بعض الدول عمليات بيع القطع الأثرية المصرية، من بينها قطع مسروقة ومهربة، وقطع أخرى خرجت بطرق شرعية وفقًا للقانون المصري، بالإضافة إلى مئات القطع التي خرجت كهدايا من رؤساء مصر السابقين إلى مسؤولين كبار في دول أجنبية، وغير مسجلة لدى وزارة الآثار. مزادات المتحف المصري وزير الآثار السابق الدكتور ممدوح الدماطي، قال إن بعض القوانين المصرية الخاصة بالآثار كانت تسمح ببيع النسخ المتكررة من القطع الأثرية الموجودة في مصر سواء لأشخاص أو لمؤسسات داخل مصر وخارجها، "وكانت الآثار تخرج بطرق شرعية وفقًا للقانون". وأضاف ل"البديل": قبل صدور قوانين الآثار عام 1983، كانت تنظم العديد من المزادات لبيع وتجارة الآثار داخل صالة مخصصة لذلك بالمتحف المصري بوسط البلد، ويحضر العديد من الأشخاص والمؤسسات من داخل وخارج مصر وممثلو دول لشراء قطع الآثار المصرية، وتباع بعشرات الملايين". هدايا الرؤساء الدكتور حجاج إبراهيم، رئيس قسم الآثار بجامعة طنطا، أكد أن بعض حكام مصر مثل محمد علي، وعباس الأول، والملك فاروق، وغيرهم، منحوا عشرات القطع الأثرية لمسؤولين في دول أخرى كهدايا، وقال: "منها قطع غير موجودة في قوائم وسجلات وزارة الآثار، ولا يحق لنا الآن استردادها". وأكد ل"البديل" أنه "من المستحيل إعادة رأس نفرتيتي من مدينة برلين الألمانية، والتي خرجت عام 1913، لأنها غير مسجلة في قوائم الآثار المصرية، وذلك وفقًا للاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية اليونسكو، التي تضمنت بندا أساسيا يتطلب لاسترداد الآثار من دولة أخرى أن تثبت الدولة الطالبة ملكيتها للقطع المطلوبة"، وأضاف: "هذه الاتفاقية أقرت عام 1970 ووقعت عليها مصر، وهي بشأن حظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، وتسمح لمصر باسترداد أي قطعة أثرية مسجلة في المتاحف العالمية وخرجت بطريقة غير شرعية، أما ما خرج قبل هذه الاتفاقية فلا يحق لمصر استعادته". وأضاف إبراهيم، أن الآثار المصرية التي خرجت قبل عام 1919 كانت تباع في محلات بيع التحف بالدول الأجنبية، وخرجت من الموانئ المصرية بطريقة شرعية، لافتًا إلى أن الدكتور زاهي حواس، حاول استعارة رأس الملكة نفرتيتي لمدة أيام في مصر ولكن ألمانيا رفضت. نصيب البعثات الأجنبية وأوضح إبراهيم، أن القانون المصري كان يمنح البعثات الأجنبية التي تنقب عن الآثار عددا من القطع يبلغ النصف، أي أن من يكتشف مقبرة يأخذ نصفها قانونًا ويحق له الاتجار بها وبيعها داخل أو خارج مصر، ثم تم تعديل القانون ووصلت النسبة إلى 10% فقط، حسب قوله. وقال شعبان عبد الجواد، المشرف العام على الآثار المستردة، إنه تم تشريع القوانين المنظمة للعمل الأثري عام 1983، ومنها القانون "117" وتعديلاته بقانون رقم "3" لعام 2010، والذي ينص على منع تجارة وتهريب وإهداء الآثار المصرية، موضحا أنه قبل ذلك التاريخ كانت القوانين تسمح بالبيع، كما كانت تسمح بتقسيم الآثار المكتشفة بين البعثة الأثرية والسلطات المصرية، بالإضافة إلى إهداء الآثار من قبل ملوك مصر وحكامها لملوك ورؤساء الدول الأخرى، خاصة في عهد محمد علي، وأكد: "ما تم خروجه من آثار قبل عام 1983 يصعب استرداده لمصر". وأضاف ل"البديل" أن سهولة استرداد الآثار تختلف من دولة لأخرى حسب قوانينها، لافتا إلى أنه في عام 2016 تم استرداد 410 قطع أثرية مصرية من كل دول العالم كانت مهربة، وفي أواخر عام 2014 تم استرداد 239 قطعة أثرية كانت قد خرجت من مصر بطريقة غير شرعية نتيجة أعمال الحفر خلسة، أما في عام 2013 فقد استردت مصر 5 قطع أثرية من فرنسا، بعد أن هربت من مصر إثر حالة الانفلات الأمني التي شهدتها البلاد في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير.