هناك حرب خفية إلى حد كبير في المناطق النائية من دولة إثيوبيا، أسفرت عن مصرع مئات الأشخاص وتشريد أكثر من 100 ألف آخرين، وزادت من شبح التطهير العرقي؛ مما قد يزعزع استقرار الدولة التي تحظى بشراكة هامة مع الولاياتالمتحدة في حربها على الإرهاب. تمتلك إثيوبيا أقوى جيش في منطقة القرن الإفريقي، بجانب ثاني أكبر عدد سكان في القارة، وكانت حليفًا رئيسيًّا في محاربة الجماعات الإرهابية الإقليمية، مثل حركة الشباب في الصومال، وهي ركيزة الاستقرار بين دول مثل جنوب السودان والصومال. هذه السمعة التي اكتسبتها إثيوبيا بشق الأنفس، بدأ الشك ينتابها منذ أسابيع، بسبب القتال بين الجماعات العرقية المتنافسة في منطقتي أوروميا وصومالية، المجاورتين لإثيوبيا، حيث تقارير عن المذابح وعمليات الطرد. وقال محمد نور جمال، من جماعة أورومو العرقية، في إشارة إلى قوة شبه عسكرية في منطقة صومالية: بدأت شرطة "ليو" في حرق منازلنا، فقد عشنا مثل الإخوة لسنوات عديدة، ولم نرَ مثل هذا، حتى إننا تزوجنا من بعضنا بعضًا، ولدينا ممتلكات مشتركة. ذكرت وسائل إعلام محلية أن على الأقل نحو 150 ألف من الأورومو طردوا من إقليم صومالية، ويعيشون في مخيمات، ورفضت الحكومة الفيدرالية تقديم أرقام دقيقة عن عمليات النزوح، ولكنها اعترفت بمقتل المئات. وقالت سفارة الولاياتالمتحدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في بيان لها في 19 سبتمبر، إنها تشعر بالانزعاج الشديد ازاء التقارير المثيرة للقلق حول العنف العرقي والتشريد الواسع النطاق للناس الذين يعيشون على طول الحدود بين منطقتي صومالية وأوروميا، ودعت إلى إجراء تحقيق مع أي جماعة تقف خلف ذلك العنف. إثيوبيا دولة مركزية تتكون من 80 مجموعة عرقية مختلفة، كانت تحت الحكم الإمبراطوري، ومن ثم الشيوعي، وقدمت نفسها باعتبارها دولة ناطقة باللغة الأمهرية كلغة موحدة، مع تقديم قليل من الاهتمام إلى مختلف الجماعات العرقية وتاريخها ولغتها. وفي محاولة للاعتراف بتطلعات المجموعات العرقية الرئيسية في البلاد، قامت حركة المتمردين من قبيلة تيغريان، والتي أطاحت بالنظام الشيوعي في عام 1991، بإعادة تنظيم إثيوبيا إلى دولة اتحادية تتألف من تسع مناطق عرقية محددة بدرجة من الحكم الذاتي. ويبدو أن منطقتين من تلك المناطق في حالة حرب مع بعضها بعضًا، وقد كانت الحدود التي تمتد على مسافة 1000 ميل تقريبًا بين منطقة أوروميا الزراعية ومنطقة صومالية القاحلة تاريخيًّا مسرحًا لصراعات طفيفة على الموارد، بيد أن هذه التوترات انفجرت منذ سبتمبر الماضي بسبب مزاعم بأن قوات الأمن الإقليمية متورطة بها، وخاصة الشرطة شبه العسكرية "ليو" في منطقة صومالية. وقعت اشتباكات بين المنطقتين في مارس الماضي، كانت نتيجة عدم الرضا عن استفتاء أجري في عام 2004 بشأن الحدود، وخلال الشهور القليلة الماضية، عقدت عدة اجتماعات توسطت فيها الحكومة مع المسؤولين من المنطقتين لحل الخلاف. كثيرًا ما ترتبط هذه الاشتباكات بالصراع على الموارد والأراضي الصالحة للزراعة، ولا سيما مع وجود كثير من المناطق شديدة الجفاف في صومالية. وفى 11 سبتمبر، اندلع العنف مرة أخرى بعد أن لقي مسؤولان من أورومو اعتقلتهما الشرطة الإقليمية الصومالية مصرعهما، وفي احتجاجات أورومو التي تلت ذلك، قتل عدة صوماليين، مما أدى إلى نشوب أعمال العنف للانتقام. وقال المتحدث باسم الحكومة، نيجرى لينشو، إن الذين سيقفون وراء أعمال العنف سيحاكمون، وإن القوات الفيدرالية أرسلت إلى هناك لاستعادة السلام. وعلى الرغم من تعهد الحكومات الإقليمية بعودة الأشخاص النازحين إلى ديارهم، قال النازحون إنهم يأملون في العثور على أقاربهم على قيد الحياة بمنطقة أوروميا. وفي خضم الأعمال العدائية، اتهمت الجماعات العرقية المتنافسة بعضها بعضًا بالصلات بالإرهاب، وقال فيكادو أدوجنا، الخبير في شؤون الإثنية والهوية في جامعة أديس أبابا، إن سلبية الحكومة المركزية المتصورة في مواجهة معاناة أورومو أدت إلى إقصاء السياسيين في المجتمع.. وأضاف أدوجنا : ما يقوم به الصراع هو زيادة لعدم الثقة بين الأحزاب السياسية من مختلف المناطق العرقية التي تشكل الائتلاف الحاكم، وعدم الثقة هذا يمكن أن يشكل تهديدًا خطيرًا للترتيب الفيدرالي. وحذر جان أبينك، خبير في الشأن الإثيوبي في جامعة ليدن بهولندا، من أن السياسات العرقية تميل إلى تسييس المجتمعات وتحويل النزاعات على الأراضي إلى نزاعات عرقية. يخشى العديد من الإثيوبيين بشكل متزايد من أن تظهر هذه الصراعات عدم سيطرة الحكومة الاتحادية على التنافس الإقليمي في هذا البلد المتنوع. وقالت سيفا فيسا، الخبيرة في السياسة الإثيوبية في جامعة أديس أبابا: لا يوجد بلد قوي يسمح بالتشريد الجماعي بهذا الحجم وسط وجود حكومة قوية، ما لدينا هو تنافس عرقي قومي بين القادة والذين يعتقدون أن الحكومة المركزية أضعف من أي وقت مضى. المقال من المصدر: اضغط هنا