فلنتفق على أمرٍ ما: كلنا يريد المصالحة والتوحّد بين أطراف الشعب الفلسطيني. هذا أمرٌ لا جدال فيه؛ لأنه شديد المنطقية، لكن ليس بهذه الطريقة. عانى الغزّيون منذ سيطرة حركة المقاومة الإسلامية حماس على مقاليد السلطة (في حزيران من العام 2007) هناك من كل شيء، الدمار، الجوع، الحرمان، الفساد، المحسوبيات، التسلط، انقطاع المواد الغذائية، وفوق كل هذا الحصار الجائر. لا لبس في هذا الأمر البتة؛ لكن يبدو ان هناك تناسياً حقيقياً لما كان يحدث في المرحلة ما قبل سيطرة حماس. ربحت الحركة الإسلامية الانتخابات مع مطلع العام 2006 (في ثاني انتخابات تشريعية، والمرة الأولى التي تشارك فيها حماس في الانتخابات) بسبب تصرفات وسلوكيات السلطة الفلسطينية آنذاك. كان انتصاراً مدوياً، كانت النسبة عاليةً للغاية والسبب ببساطة يعود إلى أنَّ الحركة الإسلامية مثلت "إنقاذاً" بكل ما تعنيه الكلمة لشارعٍ فلسطيني مقاوم. دغدغت الحركة القادمة من رحم الإخوان المسلمين مشاعر الفلسطينين الراغبين بمقاومة العدو الصهيوني ودحره: جناحٌ عسكري مسلح، مقاومة ترفع السلاح والصوت عالياً. هنا كان من الطبيعي أن تنتصر الحركة في الانتخابات، فشعارات "لا صلح لا تفاوض لا اعتراف" (باللاءات الثلاث من قمة الخرطوم العربية الشهيرة في العام 1967). إذاً باختصار: كان من الطبيعي أن تفوز حماس انتخابياً وقتها. نسي الناس أو تناسوا كل ذلك. كلنا يريد المصالحة، أمرٌ لا لبس فيه، مرة أخرى أكررها. هذه المصالحة شديدة الدهشة تطرح مجموعة تساؤلاتٍ لا اجابات شافية حولها: ماذا يعني أن نرى صورةً تجمع ماجد فرج بيحيى السنوار. قدّم السنوار نفسه خلال سنواتٍ طوال على أنّه الأسير المحرر والمقاوم والقائد الفذ، حتى خلال لقائه قبل مدّة بمجموعةٍ من الشباب أبدى الرجل كثيراً من المرونة واللطافة والحزم في آنٍ معاً. إذاً لاشك بأن الرجل يلعب دوراً محورياً في حماس غزّة، مقارنة برجل الظل والمخابرات ماجد فرج، الرجل الأمني الذي لا يعرف أحدٌ عنه الكثير سوى كونه يستلم حقيبةً الأمن بأكملها في السلطة الفلسطينية الحالية. إذاً يأتي كل واحدٍ من أرضٍ مختلفةٍ وعالمٍ مختلف: المقاوم بمقابل رجل الأمن، أو هكذا يتم تقديمهما، رجل السلطة مجموعاً مع رجل الأنفاق والحركة المسلحة؛ لا منطقية في جمعهما في مكانٍ واحد. الصورة خلبيةٌ بشكلٍ كبير. تطرح الصورة بالتأكيد السؤال الأبرز: كيف ستتعامل السلطة الفلسطينية بشقيها السياسي والأمني مع الجناح العسكري لحماس: كتائب الشهيد عز الدين القسام؟ كيف ستتعامل مع مسألة الأنفاق مثلاً؟ هل سنعود لمرحلة "الأمن الوقائي" مع محمد الدحلان وجبريل الرجوب السيئة الذكر؛ واعتقال المقاومين وزجهم في السجون لمجرد الاشتباه بخروجهم لعملية ضد الصهاينة؟ إذ يكفي أن نعلم بأنَّ عدد المعتقلين من حماس والجهاد الإسلامي قد وصل في العام 1996 إلى 900 معتقل كان من بينهم القياديين المعروفين محمود الزهار وأحمد المقادمة، طبعاً ودون نسيان تصريح اللواء نصر يوسف قائد شرطة غزة(التابع للسلطة) آنذاك أن قواته "عاقدة العزم على تدمير الهياكل المدنية لحماس فضلاً عن جناحها العسكري". أليست هي نفس الأسباب التي قادت الحركة الإسلامية إلى الانقلاب على السلطة الحاكمة وحجزها لنفسها؟ فلنترك ذاك السؤال جانباً، ماذا عن بقية الأمور؟ ماذا عن العلاقات الخارجية؟ في البداية هناك العلاقة مع مصر، والتي من المعروف أن السلطة هي بوابتها الوحيدة. إذ كما يبدو فإن النظام المصري الحالي يرفض أي علاقات مع "حماس" دون رضى "السلطة" وموافقتها التامة. وأي محاولة "قميئة" من حماس لرفع صور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في شوارع غزّة مع جمل رنانة، لن تجعل النظام يرضى، وبالتأكيد أي مقابلة مع لميس الحديدي وزوجها عمرو أديب لن تغير شيئاً كذلك. حماس تسعى، ذلك أيضاً لا لبس فيه، حتى ولو ضمن أزياء الحواة، لكنه سعي على الأقل: لكن ألم يكن الأجدى إحضار مقدّمين أو محاورين "محايدين"؟ أي لم يشتموا أو يهاجموا حماس في السابق؟ فلننسى مصر قليلاً. ماذا عن العلاقات الخارجية مع بقية الدول؟ من سيتولاها؟ السلطة أم حماس؟ اعتادت حماس طيلة الفترة الماضية على القيام بكل شيء، فكيف سيتغيّر الأمر مع علمنا التام بأن اسلوبي الحركة الإسلامية والسلطة يختلفان بشكلٍ جذري في التعامل مع القضايا عينها. إذا هذا موضوع آخر يختلف عليه وكثيراً. مثلاً ماذا عن العلاقة مع الخليج؟ السعودية أكبر دول الخليج وأقواها، تعتبر حماس حركة إرهابية، فيما السلطة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، هل ستكون السلطة جسراً لعلاقة حمساوية مع السعودية؟ ماذا عن الإمارات التي يعتبر محمد الدحلان عينها الفلسطينية، والذي إن ما "فُعِّلت" المصالحة سيصبح بشكلٍ أو بآخر ضد حماس، وبالتالي ستصبح الإمارات في ذات الخانة. ماذا عن العلاقة مع إيران؟ من المعروف أنه خلال أعقد أيام الأزمة السورية لم تتخل إيران عن دعمها لحماس، ماذا عن القادم؟ كلها أسئلةٌ لا إجابات عليها بالتأكيد. في الختام يبقى سؤال واحدٌ لربما نحاول الإجابة عليه معاً: ما الذي ستكسبه السلطة من كل هذا؟ بمعنى: إصلاح علاقة حماس مع مصر والخليج. السيطرة على غزّة؟ من الطبيعي أن أي عاقل يعرف بأن ذلك لن يحصل أبداً. نظراً لأسبابٍ كثيرة: أولها على الإطلاق القوة العسكرية لكتائب القسام، الأنفاق الممتدة عبر كل قطاع غزّة وأخيراً جيش الموظفين في القطاع الذين يدينون بشكلٍ مطلق لحماس. لاريب أن للسلطة محازبوها ومحبوها ومؤيدوها في القطاع، لكن الحركة التي سيطرت خلال سنواتٍ طوال عليه، لازالت تمتلك اليد العليا في هذه المعادلة. إذا ما هي مكاسب السلطة؟ حتى اللحظة المكسب الوحيد الظاهر والذي يبدو أن محمود عباس –أبومازن- يراهن عليه هو فكرة "السلطة الوحيدة والظاهرة المسيطرة على كل المناطق الفلسطينية" أمام كل الوفود والدول العربية والغربية؛ بمعنى: لا سلطتان، لا زعامتان، لا منطقتان فلسطينيتان تدين كل واحدةٍ بدينٍ سياسي. يدرك الرائي للحركة السياسية الدولة حول فلسطين خلال الأعوام العشرة المنصرمة أنَّ جميع الوفود الأوروبية والأميركية كانت تحمل جملةً واحدةً للسلطة الفلسطينية: لماذا لستم متحدين؟ لماذا أنتم منقسمين؟ لماذا السلطة لا تسيطر على غزّة؟ يريد أبو مازن أن يسكت هذا السؤال الذي طال أوانه، وحتى اللحظة هذا المكسب الوحيد.