كتب ديفيد هيرست، كبير الكتاب في صحيفة الجارديان البريطانية سابقا، مقالا في موقع ميدل إيست آي ،الذي يرأس تحريره الآن، بعنوان " لماذا لم تكن حماس على قائمة المطالب السعودية لقطر" يسلط فيه الضوء على جهود الإمارات للضغط على قطر وضرب نفوذها في غزة عن طريق تقسيم حركة حماس. وأول ثمار هذه الجهود هو اتفاق يبدو أنه قد تم بين رئيس الحركة في غزة يحيى السنوار والقيادي المفصول من فتح محمد دحلان في القاهرة. وإليكم نص المقال: قدمت المملكة العربية السعودية إلى قطر يوم الجمعة قائمة مؤلفة من 13 مطلبا، لكن اللافت للنظر أنه كان هناك إغفالا لحركة حماس من قائمة المطالب التي أعطيت قطر مهلة 10 أيام لتنفيذها لاستعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دول الخليج. مما لاشك فيه أن حركة حماس هي مدعومة من قطر ونشأت من رحم جماعة الإخوان المسلمين وتسعى إلى تدمير دولة إسرائيل. وطالب كل من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير والسفير الأمريكي نيكي هالى مجلس الأمن الدولي بإدراجها كمنظمة إرهابية. ومع ذلك يبدو أن حماس قد أسقطت من القائمة المقدمة إلى قطر يوم الجمعة. ولكن قبل أيام قليلة من ظهور هذه القائمة، وقع حدث مثير آخر في مصر. كان محمد دحلان، الخصم الرئيسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس والرجل الذي تموله وتحميه دولة الإمارات، في القاهرة للقاء رجلين من حماس، أحدهما مسؤول منتخب. وأكدت صحيفة "الرسالة"، صحيفة "حماس" في غزة، أن اللقاء عقد ولكنها نفت أن دحلان نفسه كان حاضرا. في الواقع، لم يقتصر الأمر على أن دحلان – وهو رجل حركة فتح القوي الذي حاول القيام بانقلاب استبقائي ضد حماس في غزة عام 2007 – كان شارك في الاجتماع، كما قيل لي. لكن الأهم من ذلك أن يحيى السنوار، زعيم حماس المنتخب حديثا في غزة، كان موجودا. قدم دحلان للسنوار خطة شاملة مفادها: "أنتم تسمحون لي بالعودة إلى غزة، وأنا أضمن لكم تخفيف الحصار من جانب الحدود المصرية". وبما أن الحصار المفروض على غزة من جهة الحدود المصرية هو أكثر قسوة ووحشية من الحصار الذي تفرضه إسرائيل، بالتالي كان العرض مغريا. وظهر الميل إلى الموافقة على الدخول في الصفقة في مصافحة السنوار مع دحلان. في غضون أيام، دخلت شاحنات الوقود المصرية عبر معبر رفح. لكن المشكلة الوحيدة في هذا الترتيب الجديد هي أن بقية أعضاء حماس لم تعرف شيئا عنه. أربع سنوات.. اجتماع واحد: السنوار هو زعيم حماس في غزة. وحماس تتوزع في أقسام ثلاثة – غزة والضفة الغربية والشتات – ورغم أن قطاع غزة هو الأهم لأنه يمثل دولة بحكم الأمر الواقع، لكنه ليس سوى واحد من ثلاثة. ويترأس كل ذلك مجلس الشورى الذي ينتخب رئيس السلطة التنفيذية. والرئيس الحالي للسلطة التنفيذية هو إسماعيل هنية الذي حل محل خالد مشعل في الدوحة الشهر الماضي. وبهذا لأول مرة في تاريخ الحركة يعيش رئيس السلطة التنفيذية السياسية في غزة، وبالتالي تحركاته مقيدة بسبب الحصار. وقال هنية لزملائه إنه لا يعرف شيئا عن اجتماع السنوار مع دحلان ولا عن قراره المزعوم معه. لكن أول إجراء لسنوار كرئيس لحركة حماس في غزة خلق أزمة غير مسبوقة للحركة ككل. على مدى عقود، كانت الحركة تسير على نهج الخطوات الحذرة ولا تتخذ القرارات إلا بعد فترات طويلة من التشاور مع جميع أجزاء الحركة. فبينما استغرق الأمر أربع سنوات من المناقشة الداخلية لتعديل ميثاقها، جاء السنوار من خلال اجتماع واحد ليعكس سياسة استمرت 11 عاما منذ بدء الحصار. وقال لي مصدر مطلع: "هذا أمر خطير وغير مسبوق بالنسبة للحركة. وهذه محاولة واضحة لتقسيم حماس، التي منذ عام 1992- عندما انتقلت أدمغة الحركة خارج غزة- لم تتخذ قرارات إستراتيجية إلا بعد مشاورات جماعية واسعة النطاق". وأضاف المصدر: "تريد دولة الإمارات الضغط على تركياوقطر من غزة. دحلان والإمارات يريدان توجيه ضربة إلى المحور القطري التركي عن طريق تقسيم حماس ". مغازلة ترامب: بالتأكيد عرض دحلان لتخفيف الحصار هو مغريا وساما. وكان توني بلير قد قدم عرضا مشابها لخالد مشعل في سلسلة من المحادثات. وعرض بلير رفع الحصار مقابل الهدنة. لكن فشلت المحادثات لأن إسرائيل ومصر لم يدعماها. لكن مشعل كان حذرا من مقايضة ما تعتبره حماس حقها في مقاومة الاحتلال من أجل إمدادات من المكرونة والشوكولاته. الظروف حاليا في غزة أسوأ بكثير. وفى ظل تهديدات ترامب، طلب عباس من إسرائيل تخفيض إمدادات الكهرباء في غزة من ست ساعات يوميا إلى ساعتين، حيث أن السلطة الفلسطينية وليس إسرائيل هي التي تدفع ثمن الكهرباء في قطاع غزة. وقد أدى قراره بخفض مرتبات موظفي السلطة الفلسطينية في غزة، وحتى رواتب بعض سجناء فتح في السجون الإسرائيلية، إلى إلحاق أضرار جسيمة بشعبيته. في يوم العيد، عندما قام أحد المؤيدين برفع صورة عباس في أراضي المسجد الأقصى، تمت مهاجمته من قبل أحد الحشود وتمزيق الصورة وهم يرددون "خائن، خائن". يمكن أن يكون عباس قد شعر أنه ليس لديه خيار آخر في ظل المنافسة الشرسة بينه وبين خصمه الرئيسي في حركة فتح دحلان، على كسب مودة ترامب. وكان دحلان قد حاول مرة واحدة العودة إلى فلسطين من خلال السعي لإجراء مصالحة مع عباس. لكن الرئيس الفلسطيني رفض ذلك وأوقف مؤيدي دحلان في اللجنة المركزية لحركة فتح. والآن يحاول دحلان أن يسلك طريقا جديدا عبر غزة وحماس. بيان دونالد ترامب الذي ألقاه أمام 50 من القادة العرب والمسلمين في الرياض أن حماس منظمة إرهابية ومحاولة دحلان الأخيرة الآن لشراء تأشيرة دخول من حماس، كلها خطوات مهدت لنجاح الاجتماع مع السنوار. وصلة غزة: حتى هذه اللحظة، يخدم عباس ودحلان المصلحة السعودية والإماراتية في رغبتهما في شق صف حماس وتقليص حجمها، ورؤية التأثير القطري يتلاشى في غزة، حيث تعد قطر أكبر مانح دولي للقطاع. لذلك فإن الحصار الخليجي لقطر مرتبط ارتباطا وثيقا بحصار غزة. وإلى وقت اجتماع القاهرة، كانت حماس – كحركة – تلعب على طرفي فتح المتنافسين. فبناء على طلب عباس، سمحت حماس لمئات من أعضاء حركة فتح بالذهاب من غزة إلى الضفة الغربية حتى يتمكنوا من التصويت لصالح مرشحي عباس للجنة المركزية لحركة فتح. وكانت هذه عملية تهدف إلى إبقاء دحلان ومؤيديه خارج السلطة والضفة الغربية. وعلى نفس المنوال، أرسلت حماس مندوبين لها إلى سلسلة من الاجتماعات في القاهرة، مما جعلهم أقرب إلى دحلان، الذي يرى وكذلك مصر أن هذه الإستراتيجية تعمل. وبالنسبة لحماس، فإن الدروس المستفادة من الصراع على السلطة في الخليج وصراعات حركة فتح مريرة. في الواقع، استبدلت حماس ميثاقها الأصلي بوثيقة اعترفت بحدود إسرائيل عام 1967. وقد قامت الحركة بذلك للتسهيل على جميع الفصائل الفلسطينية تبني موقف مشترك، وأيضا لمساعدة الدول العربية التي تحاول إحياء مبادرة السلام العربية. لكن ما هي الاستجابة السعودية لهذه الإيماءة من أجل تليين الموقف التفاوضي؟ إعلان حماس منظمة إرهابية. وهذا يشبه كثيرا تاريخ حركة فتح. تنازل واحد تلو الآخر، ولم يحصلوا على أي شيء في المقابل. وأثناء هذه العملية من التنازلات، خسروا دعمهم الذي ذهب بشكل واسع إلى حماس. وإذا بدأت حماس في هذا النزيف من التنازلات والدعم الشعبي بالطريقة التي فعلتها فتح، هؤلاء المؤيدون لن يعودوا إلى فتح مرة أخرى بل سيملئون صفوف الجماعات التكفيرية مثل داعش. خرج يحيى السنوار بعد أكثر من 20 عاما في السجن الإسرائيلي مع سمعة كونه من المتشددين. وأطلق سراحه كجزء من عملية تبادل الأسرى مع الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. ويبدو أن جاذبية التفاوض معه هي نفسها التي شعر بها البريطانيون عندما فتحوا محادثات مع مايكل كولينز، زعيم الجيش الجمهوري الإيرلندي والبطل الثوري لحرب الاستقلال. ثم تحول كولينز إلى ذلك الرجل الذي أعطى أوامر لفتح النار على المحاكم الأربعة في دبلن مع قذائف المدفعية ضد رجاله السابقين، الذين شكلوا الجيش الجمهوري الإيرلندي المعادي للمعاهدة مع بريطانيا. وقد أدى ذلك إلى اندلاع الحرب الأهلية الإيرلندية. هل يريد السنوار أن يسير على خطى كولينز أم على خطى محمود عباس؟ المقال من المصدر: اضغط هنا