النقاشات كثيرة هذه الفترة حول اتفاق المصالحة الفلسطيني-الفلسطيني؛ الاتفاق الذي يجمع بين السلطة الفلسطينية من جهة، وحركة حماس من جهة. تمثّل السلطة الفلسطينية بحسب وجهة نظرها الشرعية المحلية والدولية، فيما تمثّل سلطة حماس حسب وجهة نظرها هي الأخرى سلطة الشعب الذي أخذ سلطته بيده. في الإطار المشروع فإنه من المنطق أن نصنّف الأشياء بعيداً عن وجهات نظر الطرفين: السلطة الفلسطينية هي وريث اتفاق أوسلو وبالتالي هي تمتلك شرعية دولية، ولكنها تفتقد لأي شيء عدا ذلك، هي سلطة هشة ضعيفة وفوق ذلك لا تمتلك أي قوة حقيقية من أي نوع سوى شرطة ضعيفة التسليح كما التدريب. على الجانب الآخر، تمتلك حماس قوةً يمكن تقسيمها على شقين، الأوّل هو جناحها العسكري وصواريخه وتدريبه العالي، الأنفاق المحكمة والمسبوكة بعناية، أما الشق الثاني فهو مرونتها الخاصة وعلاقتها بتنظيم الإخوان، لكن مع هذا فهي محاصرة من جميع النواحي، أضعف مما كانت عليه سابقاً، فضلاً عن أنّها -دائماً- على شفير "حرب مدمرة" مع العدو الصهيوني عند كل مفترق طرق (لا نتحدث هنا عن البعد العسكري أو الشعوري للمعركة، بل عن الدمار الهائل والخسائر في الأرواح). لا يمكن قراءة سلوك حركة حماس بمعزلٍ عن الرؤية الكاملة لفكر الإخوان المسلمين. هذا أمرٌ لا لبس فيه، فالنقاش حول ماهية إذا كانت الحركة ستقبل بالاتفاقات المبرمة مع السلطة الفلسطينية وسرعان ما ستسمح لها بالعودة إلى "قيادة" العمل، هو نقاشٌ خبلي لا قيمة له من أي نوع. بدايةً يجب الحديث عن أنَّ حماس لن تتنازل أبداً عن السلطة التي بين يديها، بمعنى آخر، هي لن تتنازل عن سيطرتها على قطاع غزّة إلا في حالٍ واحدة: دمارها التام والشامل. وحيث أنَّ ذلك صعبٌ للغاية حالياً إذا لم نقل مستحيلاً نظراً لأسباب كثيرةٍ أهمّها أن الجناح العسكري للحركة لايزال قوياً، فضلاً عن قوّة الحركة الداخلية بغض النظر عن الصراعات التي تحدث وتطفو على السطح، أضف إلى ذلك مهارة الحركة الإخوانية في إيجاد حلولٍ حتى ولو كانت سابقاً هي نفسها تقول إنها لن تقوم بها البتة. مثلاً يمكن اعتبار العلاقات مع محمد دحلان القيادي القوي والمفصول من حركة فتح أمراً من هذه الأمور. تمت استضافة الدحلان في إحدى جلسات المجلس التشريعي في غزّة، هذا الأمر يمكن اعتباره شديد الدهشة خصوصاً إذا ما علمنا بحجم العداء الذي تكنه قيادات كما أوساط كبيرة للدحلان الذي كان مسؤولاً في العام 1996 عن الأمن الوقائي في غزّة وتسبب في قتل واعتقال عددٍ كبير من قيادات التنظيم الأخضر. إذا ما هي مكاسب التنظيم الإسلامي من هذه المفاوضات؟ المكسب الأهم الذي يمكن طرحه ههنا هو أي علاقة من أي نوع من السلطات المصرية، يمكنها أن تضمن بقاء معبر رفح الحدودي مفتوحاً. هذا من جهة، من جهة ثانية تحتاج الحركة إلى تثبيت مكاسبها التي تحصّلت عليها، صحيح أنها أمرٌ واقع حتى اللحظة، لكنها بحاجة لأن "تشرعن" الأمر. هنا أيضاً لا يمكن نسيان الحاجة المطلقة لإظهار أنها لا تمانع أبداً أي اتفاق مصالحة وأن "الطرف الآخر" هو الذي يعارض الموضوع. على الجانب الآخر، لا يمكن الحديث عن خطوات حاسمة للطرف المقابل. تتحرك السلطة الفلسطينية بترنح صوب المفاوضات، هي يعنيها أن تظهر بصورة القائد والمسيطر على كل شيء، فقائد الشرعية محمود عباس أبو مازن لطالما أراد أن يلبس عباءة أبو عمار، إلا أنها حتى اللحظة واسعةٌ عليه وللغاية، فهو ليس "أبو" الشارع الفلسطيني، ولا "ختياره" (بالمعنى التحببي للفظ الذي كان يطلق على أبو عمار كنوع من التبجيل له). في الإطار عينه لا تزال أوساط كثيرة في السلطة تسأل لماذا نحن سنقوم بمصالحة مع حماس؟ وبماذا ستختلف المحادثات هذه المرّة عن سابقاتها؟ فضلاً عن أن استضافة حماس للدحلان (عدو السلطة المبين في هذه الأيام) يطرح أسئلةً أكثر حول المكاسب المحققة. تعرف السلطة تماماً بأن حماس لن تتخلى عن مكاسبها في القطاع، بالتالي إن أي محاولة لبسط سلطة "الشرعية" لن تبوء إلا بالفشل كما حصل في المرات السابقة، كما حصل مع وزيرة التربية والتعليم خولة شخشير في السابق، حينما زارت غزّة ولم تستطع أن تفرض سلطتها حتى على موظفي الوزارة الصغار (الذي تعللوا بأن علاقتهم هي مع مدير الوزارة التابع لحماس). إذا ما هي مكاسب السلطة حقيقة؟ ببساطة إنّها فكرة الضغط الأوروبي والغربي عليها لحل المشكلة، فصورة الخلاف الفلسطيني-الفلسطيني يضعف صورتها كثيراً "كسلطة" فلسطينية لجميع الشعب الفلسطيني وجميع فرقائه وأحزابه. في المحصّلة تعرف السلطة كما الحركة تماماً أنهما لا يستطيعان إقصاء بعضهما البعض أو التعامل كما الفترة الماضية باعتبار أن أحدهما غير موجود؛ وهنا يجب الإشارة أن كلا الطرفين يريدان من الأمر أن يكون كما في الأفلام المصرية: يبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء. المشكلة الوحيدة في هذا الأمر: أنه لا يوجد قضاء! كاتب فلسطيني